كثر الحديث في الأونة الأخيرة ومازال عن العبارة المنكوبة "السلام 98" وفي كل مرة اشاهد فيها برنامجا أو حديثا عن تلك الواقعة اجدني استعيد في ذاكرتي الأصل التاريخي لحوكمة الشركات Corporate Governance وذلك حيث يعود لفظ الحوكمة تاريخيا الي كلمة اغريقية قديمة تعبر عن قدرة ربان السفينة الاغريقية ومهاراته في قيادة السفينة وسط الامواج والاعاصير والعواصف وبما يمتلكه من قيم نبيلة واخلاقيات سامية وسلوكيات نزيهة وشريفة في الحفاظ علي ارواح وممتلكات الركاب بالاضافة الي رعايته للبضاعة والامانات الموجودة في سفينته وتسليمها الي اصحابها ودفاعه عن حمايتها ضد القراصنة وضد الاخطار التي قد تتعرض لها اثناء رحلة الابحار. وإذا وصل ربان السفينة إلي ميناء الوصول ثم عاد إلي ميناء الابحار سالما من المخاطر والمهالك أطلق عليه التجار وعلماء البحار "القبطان المتحوكم جيدا Good Governor ومن ثم فقد ترعرت ونمت بدايات الحوكمة في علوم البحار ومدارس التعليم والتدريب وكذلك القوانين البحرية وكانت الحوكمة تعني في هذه البدايات مجموعة من القيم النبيلة الراسخة والاعراف والتقاليد البحرية والتي توضح ما يجب وما لا يجب عمله أي انها توضح الواجبات والمسئوليات والحقوق والالتزامات والحدود ليس فقط لقبطان السفينة والبحارة العاملين معه علي السفينة ولكن ايضا ركاب السفينة بما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات ومن هنا اهتمت الحوكمة بوضع القيود المتحكمة وصياغة الضوابط الحاكمة سواء للقائد الاداري ممثلا في قبضان السفينة وواجبات البحارة والعاملين والركاب ايضا ومن ثم فإنه يتعين وصف القبطان الجيد بانه يمارس حوكمة جيدة راقية. وقد ثبت تاريخيا ان للفراعنة المصريين دورا رئيسيا في الحوكمة وارساء التعاليم الحاكمة المتحكمة في سلوك الافراد والتجار والمشروعات وذلك حيث ان قراءة تعاليم ومبادئ الحكم التي كانت تكتب للفرعون الصغير "أولياء العهد" والتي كان يكتبها الحكام الي امراء المناطق كانت تعبر عن حوكمة جيدة وراقية. أما المعني اللفظي للحوكمة فهو ترجمة للاصل الانجليزي لكلمة Governance والذي توصل اليه مجمع اللغة العربية بعد عدة محاولات لتعريب الكلمة أو ذلك حيث تم استخدام معاني اخري في البداية مثل الادارة الرشيدة والحكم الجيد لذا يطلق علي اصطلاح Corporate Governance لفظ حوكمة الشركات ويري البعض ان مفهوم حوكمة الشركات يشير بشكل عام إلي مجموعة القوانين والقواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين ادارة الشركة من ناحية وبين الممولين واصحاب المصالح من ناحية اخري، وقد حددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تعريفا لحوكمة الشركات بانها ذلك النظام الذي يتم من خلاله توجيه وإدارة شركات الأعمال ويحدد هيكل الحوكمة الحقوق والمسئوليات بين مختلف الاطراف ذات الصلة بنشاط الشركة مثل مجلس الادارة والمديرين والمساهمين وغيرهم من اصحاب المصالح كما انه يحدد قواعد واجراءات اتخاذ القرارات المتعلقة بشئون الشركة. وجدير بالذكر انه لم تنشأ الحوكمة بشكل عشوائي بل استلزمها حاجة ودفعت اليها رغبة واصبحت بحكم الضرورة مطلب حياة واساس تواجد واستمرار المشروعات واصبح واضحا ان اسلوب ممارسة سلطات الادارة يحدد بدرجة كبيرة مصير الشركات والمؤسسات وينعكس اثاره علي الاستثمار بل يمكن القول انه يحدد ايضا مصير الاقتصاديات ككل في ظل عصر العولمة وآليات الاسواق المفتوحة. وأخيرا بعد كل هذا السرد عن تاريخ ومعني الحوكمة يتبادر الي ذهني هذا السؤال: هل كان قبطان العبارة المنكوبة قبطانا متحوكما حوكمة جيدة راقية؟ الاجابة متروكة للقارئ، ولكن استطيع ان اقول ما احوجنا في هذه الايام وفي ظل هذا الزخم من الفساد المالي والاداري الي تطبيق مفاهيم ومبادئ حوكمة الشركات بما تتضمنه من الشفافية والافصاح في الوقت المناسب والرقابة والمساءلة في جميع مناحي الحياة بصفة عامة والجهاز المصرفي بصفة خاصة وذلك من اجل دفع برامج الاصلاح والاسراع بخطي التقدم والنمو الاقتصادي. مجدي عبد الحليم هلال قطاع الرقابة والإشراف البنك المركزي المصري Magdyhelal2005#yahoo.com