جون سوليفان - أليكساندر شكولنيكوف في خضم ما يقع من فضائح مالية وما ينتج عنها من قيود علي الأعمال والأنشطة، تجد الشركات نفسها مضطرة إلي وضع مواثيق صارمة للأخلاقيات من شأنها توجيه سلوك أعضاء مجلس الإدارة والمديرين والموظفين وبرغم ان الاهتمام بالأخلاقيات كان دوما جزءاً من ممارسة العمل، إلا أن قادة الأعمال اليوم بدءوا ينظرون إلي الأخلاقيات علي أنها مجموعة من المبادئ والارشادات السلوكية أكثر من كونها مجرد مجموعة من القواعد الجامدة، ومن هذا المنطلق فإن أخلاقيات العمل ليست مجرد محاولة لوضع معيار يستطيع بموجبه جميع الموظفين معرفة ما هو متوقع منهم ولكنها أيضا محاولة لتشجيع الموظفين والمديرين وأعضاء مجلس الإدارة علي التفكير واتخاذ القرارات من خلال منظومة من القيم المشتركة. وتبرز هنا أهمية الأدوار النسبية التي يجب أن تقوم بها أطراف الثالوث: قطاع الأعمال، الحكومة، والجمعيات الأهلية في ارساء تلك المعايير سعياً وراء الوفاء بالمعايير الأخلاقية العليا بها وأن تعمل في الوقت ذاته علي ضمان ألا تعوق أية مخاطر فرعية تتعرض لها المؤسسة أو تمس سمعتها تحقيق الأسواق الناشئة لمزيد من التقدم. لقد أصبحت أخلاقيات العمل والحوكمة عاملين رئيسيين من العوامل التي تؤثر علي القرارات الاستثمارية بل تحدد تدفقات رأس المال علي مستوي العالم. وبرغم ان ذلك يعزي جزئياً إلي الفضائح الأخيرة التي وقعت في كل من البلدان النامية والمتقدمة، إلا أن ازدياد الإقبال علي الحوكمة ينبع كذلك من الدروس المستفادة حول كيفية توليد نمو اقتصادي سريع من خلال مؤسسات السوق. وانطلاقا من هذا المفهوم فإن التأكيد علي محاربة الفساد وقرار الحوكمة إنما يقوم علي المعايير الأخلاقية إلي جانب اعتبارات عملية خاصة بتحسين أداء السوق. وبينما تشكل الأخلاق والثقافة الأخلاقية داخل العمل جوهر إطار حوكمة الشركات، إلا أنه يتعين التعامل مع كل منهما علي نحو مختلف إلي حد ما، فحوكمة الشركات تعني بشكل أساسي بإيجاد هيكل لصنع القرارات علي مستوي مجلس الإدارة بل تطبيق تلك القرارات، ومن ثم يمكن النظر إليها علي انها الكيان الموجه للمؤسسة، وفي الواقع فكلمة "governance" ذاتها بالانجليزية مأخوذة عن كلمة "توجيه" في اليونانية. بالإضافة إلي ذلك فإن حوكمة المؤسسات تعني بتحقيق القيم الجوهرية المتمثلة في الشفافية، المسئولية، الإنصاف، والمحاسبة. وحيث إن تلك القيم تمثل أيضا مواضع اهتمام رئيسية بالنسبة لأخلاقيات العمل، يمكننا ان نري الترابط المباشر بين أخلاقيات العمل والحوكمة ورغم ذلك، وحوكمة الشركات تتناول بناء الهياكل التي يمكن من خلالها بلوغ تلك القيم في حين أن الأخلاقيات هي بمثابة مرشد للسلوك ومجموعة من المبادئ "مجموعة من القوانين الأخلاقية"، فقد نجد النظام الأخلاقي السليم يشتمل علي القيم الجوهرية: المسئولية، الشفافية، الإنصاف والمحاسبة، إلا انه يمتد في نفس الوقت ليضم أبعادا عديدة أخري. مفهوم حوكمة الشركات تعني حوكمة الشركات في جوهرها بإيجاد مجموعة من المبادئ ونظام لصنع القرارات من أجل حكم الشركة العصرية. وفي الماضي جاء تعريف المفهوم علي يد بيرل ومينز بأنه مشكلة الوسيط الرئيسي، أي الفصل بين الملكية والإدارة. وعندما تطورت أسواق رأس المال البريطانية والأمريكية وتطورت بدرجة أقل أسواق القارة الأوروبية، جلب هذا التطور معه نوعاً من الفصل بين هؤلاء المالكين للأصول الممتازة للشركة وبين الإدارة الفعلية التي يتم تعيينها ومن ثم أصبح التحدي الرئيسي هو كيفية ضمان أن المالكين أو حاملي الأسهم يستطيعون مراقبة الإدارة التي يتم تعيينها بل يطلبون محاسبتها، وبعبارة أخري فقد اكتسبت الاعتبارات الخاصة بحماية المساهمين أهمية. وفي أعقاب الكارثة المالية الآسيوية وغيرها من الكوارث العالمية قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بوضع "مبادئ حوكمة الشركات" التي يسلم بها اليوم كمعيار عالمي "أنظر الملحق". ويقتضي تطبيق تلك المبادئ التي وضعتها المنظمة وجود مجموعة كاملة من المؤسسات الداعمة والمنفذة في السوق. فكما يتضح من المبدأ الأول، هناك تقدير واعتراف بدور المؤسسات في السوق، إذ انها تعد إطارا للقانون واللوائح، ومن الطريف ان ذلك المبدأ تم إضافته في عام 2002 بناء علي استعراض لواقع الأمور في البلدان النامية فبرغم أن المجموعة الأصلية من المبادئ افترضت وجود تلك المؤسسات إلا أن التسليم بواقع البلدان النامية إنما يعكس امتداد حوكمة الشركات إلي الأسواق الناشئة، إذ يجب أن نولي اعتبارا واهتماما أكبر إلي الهيكل الكلي لتلك المؤسسات، مما يكفل أن الحوكمة لا توجد علي الورق فقط بل يجري تطبيقها والعمل بها علي نحو منصف. ملحق: مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لحوكمة الشركات: 1 تأكيد أساس الإطار الفعال لحوكمة الشركات: تعين أن يعمل إطار حوكمة الشركات علي تنمية أسواق تتسم بالشفافية والكفاءة، كما يتعين أن يتمشي مع حكم القانون وأن يصوغ بوضوح تقسيم المسئوليات بين السلطات الإشرافية والتنظيمية والتنفيذية. 2 حقوق المساهمين والوظائف الرئيسية للمالكين: يتعين أن يقوم إطار حوكمة الشركات بحماية ممارسة المساهمين لحقوقهم وتيسير ذلك. 3 معاملة المساهمين بإنصاف: يتعين أن يكفل إطار حوكمة الشركات المعاملة المنصفة لجميع المساهمين بما في ذلك مساهمو الأقلية والمساهمين الأجانب، إذ يجب أن تتاح لهم جميعاً الفرصة للحصول علي معالجة فعالة عند حدوث انتهاك لأي من حقوقهم. 4 دور ذوي الشأن في حوكمة الشركات: يتعين أن يسلم إطار حوكمة الشركات بحقوق ذوي الشأن، تلك الحقوق التي ارساها القانون أو الاتفاقيات المتبادلة بل يتعين عليه تشجيع التعاون النشط بين المؤسسات وذوي الشأن في إيجاد الثروة وإيجاد الوظائف والعمل علي استمرار المشروعات التي تتمتع بموقف مالي قوي. 5 الإفصاح والشفافية: يتعين أن يكفل إطار حوكمة الشركات الإفصاح في الوقت المناسب وعلي نحو دقيق عن جميع الأمور الجوهرية المتعلقة بالمؤسسة، وتشتمل تلك علي الموقف المالي للشركة وأدائها وملكيتها وحوكمتها. 6 مسئوليات مجلس الإدارة: يتعين أن يكفل إطار حوكمة الشركات أن الشركة يجري ارشادها ارشاداً استراتيجيا وكذلك المتابعة المتواصلة الفعالة للإدارة التي يمارسها المجلس ومثول المجلس للمحاسبة أمام الشركة والمساهمين. * المدير التنفيذي لمركز المشروعات الدولية الخاصة. ** مسئول البرامج بمركز المشروعات الدولية الخاصة. *** المقال جزء من دراسة مطولة للكاتبين تحت نفس العنوان.