بعدما استطاعت ثورة الشباب المصرية قلب النظام في مصر واستلام الجيش المصري لزمام الأمور ولو مؤقتاً، بدأت عدد من الدول تعيد ترتيب سياساتها للتعامل مع الواقع الجديد في مصر بطريقة حذرة في انتظار ما تخفيه الأيام عن ماهية الحكومة القادمة، ولعل السودان من أكثر الدول التي تتأثر بما يجري في مصر منذ أمد بعيد، وذلك بحكم صلتها التاريخية الجغرافية بالسودان خاصة المصالح الاستراتيجية المتمثلة في مياه حوض النيل. وبعد أن تنحى الرئيس حسني مبارك بدت الخرطوم حذرة في رد فعلها تجاه ما يجري في مصر، وذلك كان واضحاً من من خلال حديث وزير الخارجية السوداني علي كرتي في لقائه مع قيادات العمل الإعلامي ورؤساء تحرير الصحف بالسودان عقب سقوط النظام المصري، حيث أكد أن سياسات السودان تجاه مصر ستنبني على ما يتفق عليه المصريون، وأمن على وجود ثوابت في العلاقات المصرية لا تزول بتغيير النظام، وقال إن وزارته واعية بما يحدث في مصر ما جعل خطاب السودان متوازناً خلال ما حدث. لكن الرئيس السوداني البشير كان أكثر وضوحاً في ترحيبه بثورة الشباب المصرية وعبر عن ذلك مباشرة في عدة لقاءات جماهيرية. ولما كانت مصر إحدى محطات الانتظار أو العبور للمعارضة السودانية بأشكالها المختلفة خلال العشرين سنة الماضية، ويرى كثير من المراقبين أن العلاقة بين البلدين ربما تأخذ شكلاً آخر في هذا الجانب، ولعل أكثر ما يبرهن ذلك الخبر الذي تناقلته مساء الخميس عدد من وسائل الإعلام السودانية حيث طلبت السلطات المصرية من حركات دارفور الموجودة على الأراضي المصرية والتي كان يستضيفها النظام المصري السابق مغادرة أراضيها فوراً، في وقت أبدى فيه خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة قلقه وانزعاجه حول مصير كوادره بمصر بعد موجة التغيرات التي بدأت تجتاح المنطقة، حيث وجدت هذه الخطوة ترحيباً من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم حسب ما أوردت الصحف المحلية. يأتي ذلك في الوقت الذي حذر فيه رئيس فريق عمل إعادة اللاجئين الجنوبيين في مصر، كورماج شول بدونق، في تصريحات لإذاعة الأممالمتحدة بالسودان، من تفاقم الأوضاع الإنسانية للاجئين الجنوبيين الموجودين في القاهرة والتي قال إنها تنذر بالخطر، وأوضح بدونق أن 5000 مواطن جنوبي يعيشون في القاهرة تحت أوضاع إنسانية سيئة للغاية بعد أحداث العنف التي صاحبت الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك أخيراً. وتتزامن هذه التطورات مع رفض السفير المصري في الخرطوم عبدالغفار الديب، لقاء وفد من حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه د. حسن الترابي، قال إنه جاء للتهنئة بنجاح ثورة مصر، وتسليم خطاب مرسل إلى المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري. وذلك حسب ما ذكرت صحيفة "الرأي العام" السودانية. ومع تغيير النظام الحاكم في مصر تتجه أنظار معظم المراقبين إلى نقطة الضعف في العلاقات السودانية المصرية وأكثر القضايا حساسية بين الطرفين وهي النزاع حول مثلث حلايب الحدودي على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن البلدين استطاعا إدارة هذه الأزمة بشيء من الحكمة وظلا يعملان على عدم تطويرها طيلة الفترة الماضية، إلا أن الحديث الذي أدلى به مساعد الرئيس السوداني ورئيس مؤتمر البجا بشرق السودان موسى محمد احمد الأربعاء الماضي في حوار خاص مع قناة "الشروق" السودانية والذي دعا خلاله الجيش المصري لإخلاء مثلث منطقة حلايب فوراً حتى لا يصبح خميرة عكننة بين شعبي البلدين في المرحلة المقبلة، وشدد على سهولة حسم الملف بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، ينبئ بأن اختراقاً مهماً ربما يحدث في هذا الملف خلال الفترة المقبلة