بقلم عبد الهادى زيدان لي صديق مولع بكل ما هو قديم من اثاث وتحف وصور ...تشغله الاشياء التي يظنها غيره صغيره..حتي انه يحتفظ بكتبه القديمة ..بملابسه..باجهزته..برسائله..بعطوره..حتي بزجاجات العطر الفارغة والاواني التي عفي عليها الزمن. زرته ذات يوم وعلي محياه حيرة لان سجادته المنسوجة يدويا والتي ورثها عن جده تفككت اطرافها..اصبحت شغله الشاغل..اخذ يبحث عن حرفي يعيدها سيرتها الاولي فلم يجد..لم يعد بالمدينة من يقوم بما اراد..تذكرت تلك اللحظة ان في احدي القري المحيطة بنا عديد من هؤلاء الذين يجيدون مهارة النسيج يدويا..ابتسمت له ابتسامة ماكرة: ساحل لك ما عجزت عنه..لدي من يفعل ذلك انتابته حالة من السعادة والدهشة والرغبة في اسراعي بما وعدت عدت الي بلدتي الصغيرة اسال عن ذلك الرجل الذي كان يجوب القري والنجوع بحثا عن الصوف الذي اعتاد الناس جمعه في اعياد الاضحي..كان يشتريها وينسجها علي منواله القديم الذي يفارقه الا وقت بحثه عن الصوف..قيل لي انه اختفي..انه مات..انه مريض..انه ترك الحرفة كان علي ا ن افي بما وعدت صديقي به..انتقلت للشاطئ الاخر من النيل..باحثا عن بيته وسط غابة من زراعات الذرة الرفيعة..كان الجو حارا..وكانت اعواد الذرة محملة بما يشبه ذرات العسل الاسود والرطوبة تسلل الي الجسد لزوجة تشجع المرء علي الاستلقاء في ماء السواقي التي لا تتوقف عن الدوران...نباح الكلاب لا يهدأ..يتنقل الناس علي ظهور الحمير والجمال واحيانا الاحصنة حاملين معهم اعواد الذرة...دلني احدهم علي طريق ضيق يوصلني الي بيت العريان ..هكذا كان اسمه..نسيت ان اقول ان كل من قابلني كان يدعوني لشراب الشاي ..كنت دائم الاعتذار..لكن السيجارة لم يكن هنالك من مناص لرفضها. بعد وقت وجدتني امامه..اختلف العريان عن سابق عهده..انحني ظهره..تكسرت بعض اسنانه..زادت تجاعيد وجهه..لم تتغير الشقوق التي في قدميه. استقبلني بفرحة ..اشعرني بانه يتذكرني ويتذكر عائلتي وسالني عن بعض اسرتي..كنت امسك بسجادة صديقي..مددتها له..اخذ يتشممها..شعر بانها قيمة..نظر اليها نظرة الهائم في الوانها..المتاثر بتفاصيلها..العارف بخطوطها..الواعي بما يجب عمله فيها. حاولت ان اساءله.. لم لم تعد تجوب القري بحثا عن الصوف؟ اين اختفيت؟ هل ضقت بالحرفة؟ ولم لم تترك الحرفة اثارها علي بيتك الذي تبدو عليه علامات العوز؟ قدمت ابنته الصغري في خجل الشاي ومضت الي حال سبيلها خرجت من صدره اهة مكتومة وزفرات كانها كانت تنتظر الانطلاق..نظر الي بقلق: يا استاذنا بضاعتنا لم تعد مطلوبه تغير الناس عملنا لا يقدر زبائننا اختفوا لا حاجة للبحث عن صوف ليس له طالب كل شئ تغير منذ زمن لم يطالبني احد الا قلة بعمل سجاجيد لبيته.. اكتفي الناس بما ياتيهم من بضاعة صينية اخذني من يدي ادخلني الي غرفة النول التي اضاءتها ضئيلة..تنتشر فيها بعض الحشرات التي لا يابه بوجودها وبعض الفئران التي تختفي ثم تظهر...نظر الي نوله وكانه يغازله..مرر انامله علي خيوطه..اشتم رائحة الصوف..امسك بمغزله..لضم خيطا اسودا..ربت علي سجادة صديقي..اخذ يعالج اطرافها..يزداد وجهه لمعانا كلما راي اثار ما جملته انامله..يحادثني اثناء عمله..قال لي : الغرزة تعرف ما يريد.. لا وصاية عليها.. ينتهي من عمله يقدمها الي ترتفع هامته يعتدل ظهره المنحني يستنشق رائحة ارتياحه تغير الناس وبقي العريان...عريان