الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    وظائف معلم مساعد 2024.. تعرف على الكليات ورابط التقديم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: تصنيف «فيتش» بشأن مصر له دور في تدفق الاستثمار    سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 6 مايو 2024    د.حماد عبدالله يكتب: "الإقتصاد الجزئى " هو سبيلنا للتنمية المستدامة !!    استقرار سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 6 مايو 2024    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    جيش الاحتلال يفرض حظرا للتجوال في مخيم نور شمس بطولكرم    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    إعلان بانجول.. تونس تتحفظ على ما جاء في وثائق مؤتمر قمة التعاون الإسلامي بشأن القضية الفلسطينية    تشكيل غير مناسب.. فاروق جعفر يكشف سبب خسارة الزمالك أمام سموحة    هل استحق الزمالك ركلة جزاء أمام سموحة؟.. جهاد جريشة يجيب    خالد مرتجي يكشف أسباب غيابه عن مراسم تتويج فريق الزمالك للكرة الطائرة    طاقم حكام مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    أمير عزمي: خسارة الزمالك أمام سموحة تصيب اللاعبين بالإحباط.. وجوميز السبب    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    طقس شم النسيم.. تحسن حالة الجو اليوم الاثنين    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    تصل ل9 أيام متواصلة.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر للقطاعين العام والخاص    بالأسماء.. إصابة 12 من عمال اليومية في انقلاب سيارة ب الجيزة    أنغام تتألق في حفل بأوبرا دبي وسط حضور كامل العدد من مختلف الجنسيات    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    حمادة هلال يكشف حقيقة تقديم جزء خامس من مسلسل المداح    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    "وفيها إيه يعني".. فيلم جديد يجمع غادة عادل وماجد الكدواني    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    إنفوجراف.. نصائح مهمة من نقابة الأطباء البيطريين عند شراء وتناول الفسيخ والرنجة    أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منها    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    الباشا.. صابر الرباعي يطرح برومو أغنيته الجديدة    ردا على إطلاق صواريخ.. قصف إسرائيلي ضد 3 مواقع بريف درعا السوري    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    مصرع وإصابة 6 في حادث انقلاب تروسيكل بمطروح    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    مصر في 24 ساعة|اعرف طقس شم النسيم وتعليق جديد من الصحة عن لقاح أسترازينيكا    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    3 قتلى و15 مصابًا جراء ضربات روسية في أوكرانيا    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورجي زيدان لا يصح إلا الصحيح
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 02 - 2010

الناس كلهم‏..‏ كل الناس‏..‏ لا يحبون الحجاج بن يوسف‏..‏ إلا أنا‏..‏ الناس كلهم عندما تأتي سيرته التاريخية الغارقة في الدماء يغدو التداعي لديهم مباشرة قوله في أهل العراق‏:‏ إني أري اليوم رؤوسا . قد أينعت وحان قطافها‏..‏ وكم قطف الحجاج من رؤوس‏,‏ وكم أدمي من قلوب‏,‏ وكم أبكي من عيون‏..‏ إلا أنا‏..‏ فالتداعي عندي من لدن الحجاج حاجة تانية خالص‏,‏ حاجة لها ملمس القطيفة ودعاء الكروان ونزهة في البستان‏,‏ وإذا عرف السبب بطل العجب‏,‏ خاصة أني لست من فصيلة تعترض عمال علي بطال‏,‏ أو خالف تعرف‏,‏ من أجل البحث عن دائرة ضوء للدخول بالزور في نطاقها‏..‏ حكايتي مع الحجاج علي رأي شهرزاد حكاية عجب تكتب بماء الذهب‏,‏ فأصلها يعود إلي المؤرخ والأديب جورجي زيدان ورواياته التاريخية وعددها ثلاثة وعشرون رواية التي بدأها بالمملوك الشارد‏,‏ ثم فتاة غسان‏,‏ وأرمانوسة المصرية‏,‏ وعذراء قريش‏,‏ و‏17‏ رمضان‏,‏ وأبومسلم الخراساني‏,‏ والعباسة أخت الرشيد‏,‏ والأمين والمأمون‏,‏ وعروس غرناطة‏,‏ وغادة كربلاء وفتح الأندلس‏,‏ وشارل وعبدالرحمن‏,‏ وأحمد بن طولون‏,‏ وعبدالرحمن الناصر‏,‏ وفتاة القيروان‏,‏ وصلاح الدين الأيوبي‏,‏ واستبداد المماليك‏,‏ وشجرة الدر‏,‏ والانقلاب العثماني‏,‏ وأسير المتمهدي‏,‏ والرواية العصرية جهاد المحبين‏..‏ والحجاج بن يوسف‏..‏ بيت القصيد‏..‏ روايات خالدة أصدرتها دار الهلال في عدة طبعات قام الفنان منير كنعان برسم أولي طبعاتها مستعينا بأكثر من موديل للوحة الغلاف لتخرج كل منها في رونق جمالي أخاذ ظل محفورا عقودا طويلة علي جدران ذاكرة الأجيال‏..‏ ولقد روي لي كنعان في ساعة صفا زوجي من أنه عندما لم يجد من حوله الموديل المناسب لرسم شخصية الحجاج لغلاف رواية زيدان عنه‏,‏ قام إلي المرآة ليرسم بريشته وجهه هو محددا القسمات ذات الحضور بالعمامة العربية وكم من الفنانين الذين قاموا برسم أنفسهم في لوحات شخصية‏selfportrait‏ أصبحت من التراث العالمي علي رأسهم الفنان الفرنسي رامبرانت والاسباني الأصل بابلو بيكاسو والقاطع أذنه لتقديمها هدية لحبيبته فان جوخ‏,‏ ومازلت أذكر فنان الكاريكاتير العملاق صاروخان في وقفته أمام مرآة عريضة يعلقها علي الحائط المواجه لمكتبه في حجرته الصغيرة بأخبار اليوم التي يقوم إليها بين الحين والآخر ليلتقط تعبيرا علي وجهه أو حركة من أصابع يده يستعين بها في رسمه‏,‏ وأيامها كنت أتشبث بخرسي حتي لا أقطع علي القدير لحظات اندماجه في تمثيل ملامح الاشمئناط أو الغضب أو الابتهاج لنقلها بريشته إلي وجه شخصيات النكتة السياسية أمثال المصري أفندي بطربوشه ومسبحته أو مصطفي النحاس أو تشرشل أو مارس إله الحرب التي ستنشر في أخبار الغد‏,‏ ولأن وجهه الحجاج ظل حميما وحبيبا وزوجا ووالدا لوحيدي فالناس كلهم‏..‏ كل الناس لا يحبون ابن السقفي إلا أنا فلي في ذكري الحجاج وجورجي زيدان ودار الهلال بشارع المبتديان وروايات الهلال وكتاب الهلال واثنين الهلال وحواء الهلال وكواكب الهلال وميكي الهلال وسمير الهلال ومصور الهلال مآرب أخري وعندي عذري المفحم‏.‏
جورجي زيدان سليل العائلة الكادحة في قرية عين عنوب بالجبل اللبناني التي تضطر ظروف المعيشة القاسية جدته لأبيه إلي الهجرة إلي العاصمة طلبا للرزق مع ابنتيها وابنيها وأكبرهم زيدان الأمي الذي لا يجيد شيئا سوي الطهي فما أن يحط الرحال بالعاصمة بيروت إلا ويشق طريقه علي الطريقة اللبنانية ليصنع نجاحاته من نقطة الإجادة فيفتح مطعما صغيرا في ساحة البرج ليظل حلمه أن يرزقه الله بابن يعرف القراءة والكتابة ليستطيع الإمساك بدفاتر حسابات المحل وضبط أسماء الزبائن المدينين بوجبات طعام علي الحساب‏..‏ ويولد جورجي فيسوقه الأب وهو لم يزل في الخامسة إلي مدرسته الأولي التي يقوم فيها المعلم إلياس قسيس الأسرة بتعليم الأبناء علي طريقة الكتاتيب في مصر‏..‏ ويصف جورجي مدرسته بقوله‏:‏ كانت عبارة عن قبو واسع في بناية ليعقوب ثابت أصبحت بعدها فرنا‏,‏ وكانت أشبه بالزريبة حيث يجتمع أبناء أهل الحي من سن الرابعة إلي العاشرة‏,‏ ذكورا وإناثا‏,‏ يجلسون علي حصير مبسوطة في أرض القبو‏,‏ ويجلس المعلم إلياس في صدر القاعة علي طراحة‏,‏ وبين يديه صندوق صغير باشتختة‏,‏ يضع عليه كتابه وأدواته وأقلامه‏,‏ ويجمع إلي يمينه عدة قضبان تختلف طولا ودقة‏,‏ يستخدم كلا منها في محله حسب سن الولد وجنسه وبعده منه أو قربه إليه‏..‏ أما عن القراءة والتسميع فالتشابه متطابق في الكتاتيب بين مصر ولبنان فهناك قراءة المزامير بصوت عال كما يقرأ القرآن عندنا‏,‏ ومن لا يتقن التسميع عقابه الفلقة التي يصفها جورجي بأنها أداة للقصاص اللاآدمي‏..‏ وقد أفلت منها لا لفضيلة فيه‏,‏ وإنما لأنه كان خجولا وشديد الخوف من العقاب‏,‏ وعزوفا عن الدخول في الجدل‏,‏ وقد غلبت عليه تلك الصفات لتظل ملازمة له طول حياته مما حبب فيه كل من اتصل به أو لاقاه من قريب‏..‏ وكما الأحوال العربية متشابهة فقد قال المعلم إلياس للمعلم زيدان أن الابن قد ختم درسه وصار يفك الحرف تماما كما يختم الصغير القرآن في كتاب الشيخ ويعلق جورجي‏:‏ ومعني ختم القراءة عند معلمي أني صرت أقرأ المزامير جيدا‏,‏ وهذا صحيح‏..‏ كنت أقرؤها جيدا‏,‏ لكني لم أكن أفهم ما أقرأ‏..‏ ويعود جورجي في الخامسة إلي مطعم أبيه ليري ويعي صورة الكفاح المجسم في الوالد الدؤوب الذي يخرج لعمله مع الفجر ولا عودة إلا بعد منتصف الليل منهكا لتلاقيه زوجة أشد تعبا منه في أعمال البيت فيلتقي المكدودان لتصور كلمات الابن دورة الحياة القاسية‏:..‏ وقد شببت علي ذلك وألفته‏,‏ فغرس في ذهني أن الإنسان خلق ليشقي‏,‏ وأن الجلوس بلا عمل عيب كبير‏..‏ بخلاف الأبناء الذين يفتحون أعينهم علي والدين يقضيان معظم أيامهما في اللهو وشم الهواء‏,‏ ولا يهم إلا ماذا يأكلون‏,‏ وماذا يشربون‏.‏ وإذا ما فرغوا من الطعام عمدوا إلي اللعب بالورق‏,‏ ولا يقدمون علي العمل إلا مكرهين‏,‏ يحسبون العمل عيبا أو تعبا‏.....‏
يعود ابن الخامسة لخرط البقدونس لزوم التبولة وحمص الشام لزوم المقبلات سنين طويلة‏,‏ ولأنها الأم بشفافيتها كانت تري لابنها مستقبلا آخر بعيدا عن الخرط والقطف والتقشير وحمل الصواني ومسح ترابيزات الزبائن‏,‏ فقد حثت المعلم زيدان علي إرسال صغيرها لإجادة صنعة أخري يغدو فيها معلما‏,‏ فأذعن الأب مكرها مصطحبا ابنه إلي محل الأحذية ليمكث جورجي ابن الثانية عشرة اسكافيا لمدة عامين يقبع في الزاوية مقرفصا فوق المقعد القصير يرتق النوافذ التي فتحتها المشاوير‏,‏ ويركب اللوزة لصد احتكاكات الرصيف‏,‏ ويغير الكعب المتآكل بفعل توارث الحذاء ورقصة الدبكة‏..‏ ويزهد الفتي من جميع الصنايع التي كان آخرها الوقوف خلف ريون محل بيع الأقمشة‏..‏ يبحث عن خلاص وإن بدا له في الكتاب الذي يصحبه في كل مكان ليقوده إلي مدرسة المعلم مسعود الذي كان يأخذ أجره وجبات مجانية في مطعم المعلم زيدان‏,‏ وعند مسعود يتقن الإنجليزية ليشرع بعد تمكنه السريع منها في وضع قاموس انجليزي عربي بلغ فيه حرف ال‏E..‏ وتتراكم المعارف واللغات طيعة لعقل ولسان جورجي طالب العلم النهم الذي كان يرقب في مطعم والده نخبة من الأدباء أمثال إبراهيم اليازجي وعبدالله البستاني ويعقوب صروف‏,‏ فبدأ الطموح يتسرب إلي قلبه الصغير حتي إنه اقتني للمرة الأولي كتاب مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي وانشغل وحده بفك طلاسمه‏..‏ ويقرر جورجي في العشرين دراسة الطب بالانتساب للكلية الأمريكية لكنه يتركها في السنة الثانية إثر إضراب الطلبة عام‏1866‏ الذي يعد أول ثورة طلابية في العالم العربي لمنع أستاذهم الديمقراطي الدكتور أدوين لويس من أن يحاضرهم عن كتاب داروين‏,‏ وكان من أسباب الإضراب أيضا إصرار إدارة الطب علي تدريس العلوم بالإنجليزية بعد أن كانت تدرس بالعربية‏,‏ وأيضا لاضطرار الطلبة في السنة النهائية لتعلم التركية للسفر إلي استانبول لإجراء الامتحان النهائي ونيل الشهادة الرسمية‏,‏ ورغم صغر سن جورجي زيدان فقد انتخبه الطلبة المضربون لرئاسة لجنة منهم للقيام بالتفاوض مع إدارة الجامعة‏,‏ وفشلت اللجنة وتم طرد جميع أفرادها خارج الأسوار الجامعية وعلي رأسهم رئيس اللجنة‏..‏ جورجي زيدان‏!‏
ويصبح قصر العيني هو الملاذ في القاهرة الآسرة عن بعد‏,‏ الجاذبة عن حب‏,‏ الآخذة لعرب الجوار بالأحضان‏,‏ فيسافر جورجي إليها مفلسا علي متن باخرة تجارية عام‏1883‏ مستدينا من جاره مصباح المحمصاني في بيروت ستة جنيهات مصاريف السفر علي أن يردها له حين ميسرة‏..‏ يصعد الفتي المطرود من جامعة بيروت إلي باخرة تحمل جمعا من المهاجرين السوريين فرارا من ظلم الأتراك وطلبا للرزق في أرض خصها الله بالنماء‏,‏ حيث وجدوا ضالتهم المنشودة باعتبار مصر أقدم دولة علي ظهر الأرض نشأ فيها فجر الضمير منذ ما قبل التاريخ لتغدو أعرق مجتمع في المنطقة‏..‏ هاجروا إليها لا ليعلموا بالزراعة أو بشق الترع والمصارف أو بأداء أعمال حرفية صغيرة‏,‏ فهم يعرفون أنهم لن يتفوقوا فيها علي أبناء البلد الشرعيين‏,‏ ومن هنا كانت الفرصة متاحة أمامهم بالاستئثار بملكية وسائل ثقافية قدموا من خلالها خدمات جليلة للأدب والفن في البيئة المصرية الممهدة للتلقي من بعد استنفار الحملة الفرنسية‏..‏ وأصبحت مصر في ذلك الزمان عنوانا علي حركة الثقافة ومقرا لإقامة الشوام الذين قاموا بتأسيس الصحف‏,‏ ومن هنا اقترب جورجي منهم مغيرا هدف الحياة من طالب علم يمسك بالمشرط ستطول فترة دراسته إلي طالب آداب يمسك بقلمه في جريدة الزمان اليومية الجريدة الوحيدة المتبقية بعد أن عطل الاحتلال الإنجليزي صحافة ذلك العهد التي يملكهاالأرمني علكسان صرافيان‏,‏ ومن حصيلة جهده المعرفي يختار عضوا في المجمع العلمي الشرقي في لبنان‏,‏ ويقوم بتأليف كتاب عام‏1886‏ في اللغة وعلومها بعنوان الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية‏..‏ ولا يمضي العام حتي يسافر جورجي مرافقا كمترجم للحملة الإنجليزية النيلية إلي السودان لإنقاذ غوردون باشا عقب ثورة المهدي‏,‏ الحملة التي استغرقت عشرة أشهر وقام بوصفها في كتابه تاريخ مصر الحديث وسجل فيها الوقائع الحربية مثل معركة أبي طليح والمتمة وغيرهما‏,‏ حيث شاهد من القتلي مئات وألوفا تحت وطأة القنابل وهدير المدافع‏..‏
وعقب عودة له من لندن عام‏1886‏ وتردده علي متاحفها ودور العلم فيها تتلقفه مجلة المقتطف ليمسك بناصية إدارتها وتحريرها لمدة عامين مقابل‏8‏ جنيهات شهريا‏,‏ وبعدها من الصحافة للتدريس عامين آخرين في مدرسة العبيدية الكبري‏,‏ حيث ولدت في أوقات الفراغ أولي رواياته التاريخية المملوك الشارد التي قدمتها الإذاعة المصرية كمسلسل عام‏1954‏ بطولة عماد حمدي وأمينة رزق‏,‏ فكانت مظاهر الحياة تتوقف للإنصات لأحداث المملوك الذي قفز من فوق أسوار القلعة هربا من مذبحة محمد علي ويشترك جورجي مع نجيب متري في تأسيس مطبعة التأليف لتنفض الشركة بعد عام واحد ليستقل هو بالمطبعة التي أسماها مطبعة الهلال ليصدر منها مجلة الهلال التي كان يشرف علي تحريرها بنفسه إلي أن كبر ولده إميل فساعده في تحريرها‏..‏ ولعلها المرة الأولي التي ذهبت أبحر فيها في أصول شجرة عائلية‏,‏ وذلك لدوختي بين المصادرالتي تاهت الأسماء لديها في بطون الزهايمر فاختلط الحابل بالنابل والأخ بالأب والابن بالحفيد‏..‏ وها قد توصلت أخيرا للإمساك بجميع خيوط القرابة في عائلة المعلم حبيب زيدان صاحب مطعم ساحة البرج الذي تزوج من البروتستانية مريم مطر لينجب‏6‏ من الأبناء أكبرهم مقصد اهتمامنا جورجي‏1861,‏ ومتري‏1867,‏ وآجيا‏1869,‏ وإلياس‏1872,‏ ويوسف‏1873,‏ وإبراهيم‏1878..‏ وقد أنجب جورجي كلا من إميل وشكري وأسماء‏,‏ وأنجب متري أربعة‏:‏ حبيب وجورج وسلمي وفكتوريا‏,‏ وجاء ليوسف ستة أبناء‏:‏ موريس وجورج وميشيل وأليس وجورجيت وماري‏,‏ وأنجب إبراهيم‏:‏ إدوارد وانجيل وإيفون وفؤاد وموريس‏,‏ وتوفي إلياس طالب الطب إثر تسممه من سوء التعقيم أثناء إجراء جراحة له في بيروت‏,‏ وكانت آجيا قد تزوجت من خليل دياب التاجر في لبنان‏..‏ و‏..‏ بحثت طويلا عن أصل الست أم جورجي زيدان بك الذي أنعم الخديوي عباس الثاني علي ابنها بلقب البكوية عام‏1908‏ فوجدتها حنة الحايك التي رفضت ترك زوجها المعلم حبيب زيدان المتمسك بمملكته الخاصة في مطعمه ببيروت ولم تأت إلي مصر إلا بعد رحيله لتختار المعيشة مع ابنها إبراهيم بالذات الذي كان قد أرسل إليه جورجي يستدعيه للعمل معه في الهلال فقدم مع شقيقته آجيا‏,‏ وأتي الشقيق متري البقال في بيروت لينضم لقافلة أشقاء الهلال‏,‏ وقدم يوسف الخياط في بيروت لينضم لشقيقيه في دار الهلال‏,‏ لكنه لم يجد نفسه في الصحافة‏,‏ فعمل بالتجارة‏,‏ وشيد عمارة بشارع البركة بالفجالة‏,‏ أورثتها لابنه موريس الذي وقعت ثروته الطائلة تحت طائلة التأميم‏,‏ فعاد إلي بيروت ليموت في الخامسة والسبعين‏..‏ صدر العدد الأول من الهلال في أول سبتمبر‏1892‏ يحمل افتتاحية بقلم رئيس التحرير جاء فيها حول أسباب إطلاق اسم الهلال‏:‏ أولا‏:‏ تبركا بالهلال العثماني الرفيع الشأن شعار دولتنا العلية أيدها الله‏..‏ ثانيا‏:‏ إشارة لظهور هذه المجلة مرة كل شهر‏..‏ ثالثا‏:‏ تفاؤلا بنموها علي الزمن حتي تتدرج في مدارج الكمال فإذا لاقت قبولا وإقبالا أصبحت بدرا كاملا بإذن الله‏..‏ ولم تكد الهلال تبلغ الخامسة من عمرها حتي لاحظ الياس زخورة صاحب مجلة مرآة العصر سعة انتشارها فكتب في وصف شهرتها‏:‏ قراؤها الآن يعدون بعشرات الآلاف‏,‏ وهم منتشرون في أقاصي العالم حتي الصين والهند واستراليا وأمريكا ونيوزيلاندا وزنجبار وجزائر المحيط‏,‏ فضلا عن سعة انتشارها في مصر وسوريا وأوروبا وغيرها لاحظ أن الكلام عن مجلة مصرية تصدر في عام‏1897‏ ولو ألقيت نظرة علي غلافها الداخلي لرأيته يزدحم بعناوين وكلاء المجلة وأمسك الخشب وأقم المقارنة في الولايات المتحدة‏,‏ وكندا‏,‏ والمكسيك‏,‏ وكوبا عند جد كاسترو وسلفادور‏,‏ وهندوراس‏,‏ والبرازيل‏,‏ والأرجنتين‏,‏ وشيلي‏,‏ ودمشق‏,‏ وحلب‏,‏ وطرابلس‏!!!..‏ وكانت غالبية مؤلفات زيدان في الأصل فصولا ومقالات نشرت بمجلة الهلال ثم طبعت في كتب مستقلة بعدها مثل كتابه تراجم مشاهير الشرق‏,‏ وموسوعته تاريخ التمدن الإسلامي التي طبعت في‏15‏ جزءا‏,‏ وتاريخ آداب اللغة العربية في‏4‏ أجزاء‏,‏ ورواياته التاريخية التي قال عنها طه حسين ومهما أنسي فلن أنسي أني كنت في أيام الصبا والشباب أبدأ في قراءة القصة التاريخية من قصص جورجي زيدان‏,‏ فلا أكاد أتقدم في قراءتها شيئا حتي أفتن بها‏,‏ وإذا هي تشغلني عن دروس الأزهر حتي أتمها‏,‏ وإذا هي تأخذ علي تفكيري وقتا طويلا بعد اتمامها‏..‏
مثير القضايا الفكرية المعبرة عن رؤيته للمجتمع وتطوره سعي إلي إشراك القراء في النقاش وتقبل أسئلتهم التي كان لها دخل كبير في تجديد معارفه وإثرائها‏,‏ فقد كانت متنوعة تذهب في كل اتجاه ولا يمكن تصوره مالكا الإجابة علي كل سؤال فور تلقيه‏,‏ فقد كان يبحث ويتحري قبل أن يجيب بدقة وعلم مما جعله كاتبا موسوعيا‏,‏ حتي أنه كتب في مقدمة كتابه تاريخ آداب اللغة العربية أن القراء هم الذين طلبوا منه الكتابة في هذا المجال‏..‏ ومن القضايا التي أثارها جورجي علي صفحات الهلال وأخذت مساحة واسعة من الجدل وأسئلة القراء‏..‏ قضية تحرير المرأة التي ارتبطت بكتاب قاسم أمين تحرير المرأة الصادر عام‏1899,‏ وحقيقة الأمر أن زيدان تناول القضية عبر حملاته الصحفية في الهلال من قبل قاسم أمين بأعوام مما جعل الطريق ممهدا أمامه ليسرق وحده الكاميرا‏..‏ وقد بدأت القضية حين أثارها قارئ للهلال عبر السؤال‏:‏ هل للنساء أن يطالبن بكل حقوق الرجال؟‏..‏ كان ذلك عام‏1894,‏ وبعدها انهالت المقالات والردود التي تقول إن للمرأة كفاية عقلية وبدنية تكفل لها القيام بعمل الرجل‏,‏ وأن فرض الانعزال علي المرأة لا يسوغه عقل ولا دين‏,‏ وكتب جورجي وقتها‏:‏ لا يرضينا من الفتاة الشرقية أن تحبس نفسها بين جدران غرفتها لا تنظر إلي الطريق إلا من خلال قضبان النوافد ولخص ابن زيدان موقفه من قضية المرأة في نقطتين هما‏:‏ حشمة الشرق وعلوم الغرب‏..‏ وتنهال سهام النقد من كل جانب علي أم رأس جورجي زيدان كلما أصدر مؤلفا حتي أنه قال‏:‏ لا نظن كاتبا من كتاب العصر لاقي ما لاقيناه من الانتقاد في أثناء اشتغالنا بهذه الصناعة منذ بضع وعشرين سنة ومن ضروب نقده كتاب أمين بن حسن المدني الذي أسماه نبش ا لهذيان من تاريخ جورجي زيدان الذي رد عليه بكتاب عنوانه رد وثان علي نبش الهذيان‏,‏ وكان زيدان حين يري النقد سليما فإنه يأخذ به ويغير ويصحح في طبعة الكتاب الجديدة قائلا‏:‏ لأني أستحي من الحق إذا عرفته أن لا أرجع إليه‏..‏
صاحب رواية البطلين التي كتبها تحت اسم مستعار هو ذاك عن سيرة حياته عبر محطاته الرئيسية بكل دقائقها وأسرارها لتصدر عام‏1889,‏ والسبب في أنه لم يضع اسمه صريحا عليها أنه في سطورها قد ألقي الضوء علي بطلها فأبي وهو المعروف بتواضعه أن يكتب بتوقيعه الصريح عن قصة تفوقه ونبوغه‏..‏ جورجي غزير الإنتاج واسع المعارف الذي قاده فضوله للاهتمام بالتاريخ والفلسفة وباللغة وبأنساب العرب القدماء‏,‏ كما تعلم الفراسة وتاريخ الحضارات ليكتب في ذلك كله من تاريخ مصر الحديث إلي تاريخ التمدن الإسلامي إلي تاريخ العرب قبل الإسلام إلي تاريخ الماسونية العام وطبقات الأمم‏..‏ هذا النابغة يفسر لنا الدكتور حسين مؤنس أهم العوامل التي ساعدت علي امتداد آفاق مطالعاته في إجادته العربية والنفاذ إلي أعماقها‏,‏ وقراءته للنصوص القديمة علي وعورتها بطلاقة وفهم عميق‏,‏ إلي جانب معرفته الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية معرفة تامة‏,‏ وكانت درايته بالإيطالية والإسبانية تمكنه من فهم ما يقرأه فيها‏,‏ بالإضافة إلي إتقانه العربية والسريانية من اللغات السامية‏,‏ وقد أتاحت له هذه الألسن المتعددة أن يقرأ في إنتاجها الفكري بتوسع وأن تنبسط مطالعاته فيها إلي آفاقها البعيدة‏..‏ وقد ساعده للوصول لغاياته نشأته في العصر الذهبي للتاريخ‏,‏ حيث كان المثقفون في العالم كله يتجهون نحو التاريخ‏,‏ حتي الشعراء منهم مثل شيللر‏,‏ والكتاب مثل كارلايل أصبحوا أميل إلي المؤرخين منهم إلي الشعر والأدب‏,‏ كما كان الاستشراق علي أيامه في أزهي عصوره إذ كان الشرق موضع اهتمام أوروبا‏,‏ لهذا نشأت جماعات الاستشراق ومعاهد الدراسات الشرقية في كل بلد أوروبي بهدف دراسة بلاد الشرق وأهله وكل ما يتصل بها وبهم‏..‏ وسط هذا الحشد من هواة الشرق ظهر جورجي زيدان ليغدو همزة الوصل بين الحركة العلمية العربية الناهضة وحركة الاستشراق النشطة في أوروبا وأمريكا‏.‏
جورجي الذي كتب‏:‏ الإنصاف الحقيقي في تقدير الأعمال موكول للزمان الضامن الوحيد لبيان الحقيقة‏,‏ إذ تتوالي الأجيال ويمضي المعاصرون بما تضمه جوارحهم من تضاغن أو تحاسد‏,‏ ويبقي العمل فينظر إليه أهل الأجيال التالية بعين خالية من الغرض فيحلونه محله من الإجلال أو الإغفال‏,‏ عملا نسبة البقاء فيه للأصلح المبنية علي قاعدة لا يصح إلا الصحيح‏....‏ ابن زيدان الذي كتب‏:‏ ليس في الدنيا جمهور استحكم فيه اختلاف المشارب والأهواء والأغراض مثل قراء العربية‏,‏ فهم مختلفون موطنا ومشربا ومذهبا وتربية‏,‏ فلا يتأتي لكاتب إرضاؤهم جميعا ولو أوتي علم الأولين والآخرين‏...‏ وقبل الهنا بأكثر من مئة سنة في نوفمبر‏1905‏ كان جورجي الذي كتب‏:‏ إن النظم الموزون غير المقفي كان في أخوات اللغة العربية منذ القدم عند السريان وكذلك العبران‏,‏ وهؤلاء لم يكونوا يشترطون القافية ولا الوزن‏,‏ فماذا يمنع إقدام أدبائنا علي خوض هذا العباب‏,‏ بل نستحثهم علي ذلك ليكون الشعر الموزون غير المقفي من جملة ثمار هذه النهضة‏..‏ وفي دعوته للناس للترفق بالمصلحين الجدد الذين أتوا من بعد حوادث الانقلاب العثماني وإعلان الدستور انبري قلم جورجي الذي كتب‏:..‏ وطائفة تعجلت استثمار الدستور‏,‏ فهي تريد أن تصير المملكة العثمانية التي قضت قرنين في حال الاحتضار‏,‏ وقد نضبت ماليتها‏,‏ وأجدبت أرضها‏,‏ وأظلمت مدنها‏,‏ وتخربت طرقها‏,‏ وفسد كل شيء حتي أخلاق أهلها‏,‏ واختل نظام اجتماعها‏,‏ وفرق التعصب بين طوائفها ومذاهبها‏..‏ تريد هذه الفئة من المنتقدين العجولين أن تصير هذه المملكة في سنتين مثل أرقي ممالك أوروبا‏,‏ وهذا مستحيل‏...!‏ وبخلاصة تجارب الأب يصل الخطاب للابن البعيد من أبيه الذي كتب‏:‏ لاتزال علي ما يظهر تستعظم الكتابة إلي مرتين في الأسبوع‏,‏ وأنا لو وجدت كل يوم بريدا لكتبت كل يوم‏,‏ فافعل أنت كذلك‏,‏ وأطل كتابك ما استطعت‏,‏ واشرح لي ما تراه أو ما يحضر لك‏,‏ من أي وجه وفي كل حال‏,‏ واعلم أنك تكتب إلي صديق يحبك ويغار علي مصلحتك‏,‏ لا إلي والد يلتمس أن تهابه وتخفي عنه شيئا من أمورك‏..‏ في سنك كنت جبانا ولكنني لم أكن أجد من يشجعني‏,‏ ولا من يشير علي‏,‏ أو ينبهني إلي نقص في‏.‏ ولو وجدت وأنا في مثل عمرك من ينبهني إلي نقائصي‏,‏ لوفرت علي نفسي تعب سنين‏,‏ وتعجلت النجاح أعواما‏.‏ فاستفد من هذه الفرصة‏..‏ إن العمل في هذه الدنيا يحتاج إلي جرأة وإقدام‏,‏ كما يحتاج إلي الثبات والصبر‏,‏ وكما يحتاج إلي التعقل والصدق‏..‏ ودليل القوة والحيوية في الإنسان المرونة‏..‏ مرونة البدن والعقل‏,‏ فالشاب إذا قرصته في عضده مثلا‏,‏ فحالما تترك العضد يعود اللحم إلي ما كان عليه‏,‏ أما الشيخ فإذا قرصته يطول زمن عودته إلي أصله‏.‏ واللحم الميت لا يعود إذ لا مرونة فيه‏.‏ وقس علي ذلك في العقول المرنة التي تتفهم جليسها ويفهمها‏..‏ يسرني سرورك لسماع اسم والدك في معرض المدح‏,‏ وهذا طبيعي‏..‏ ونحن يا حبيبي لم نستحق مثل هذه الكلمة تقال علي هذه الصورة إلا بعد أن أذبنا الدماغ‏,‏ وأنهكنا القوي في السهر والإجهاد لأن العصر الذي نشأنا فيه غير الذي أنت فيه فإنه أسهل عليك كثيرا أن تنال مثل هذا المقام وأرفع منه‏,‏ بتعب أقل ووقت أقصر‏..‏ أما أقصي مرادي فهو أن تراك عيناي‏,‏ وأن تبقي متمتعا بالعافية‏,‏ وأن يكون اسمك مصونا‏,‏ وسمعتك شريفة‏,‏ وأن تكون قريبا من قلوب الناس بحسن أخلاقك‏.‏
ويظل جورجي يردد‏:‏ أود أن أكون جالسا فتفارقني الحياة فجأة‏..‏ وكان له ما تمناه فقد توفي مساء‏21‏ يوليه‏1914‏ وهو جالس إلي مكتبه بعد كتابة آخر سطر في آخر جزء من تاريخ آداب اللغة العربية‏..‏ اتخطف بينما دلائل الصحة مظهره وملامح الموت لا تبدو علي وجهه‏,‏ حتي ظنه الأهل في إغفاءة أو إغماءة‏..‏ ويأتي الأطباء لفحصه فيقولون مات الرجل‏..‏ ويظل الأهل في ريبة‏..‏ عدلوا عن الدفن فربما يأتي الصباح بأنوار الحياة‏..‏ ربما‏..‏ ولما أتي الصباح كالمساء انطفأ الأمل‏..‏ ويكتب بشارة تقلا عن رفيق مشوار الصحافة والقلم والألم جورجي زيدان في الأهرام‏:‏ حقيق لو قاس المؤرخون مدي عمره علي آثاره لاعتقدوا أن صاحب الهلال قد بلغ المئة بينما رحل وهو لم يتجاوز الخمسين‏!‏
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.