حفظت لنا صحائف التاريخ أشهر شعار بطش عربي، أطلقه الحجاج بن يوسف: »إني لأري رؤوسا قد أينعت، وحان قطافها.. وإني لصاحبها«. كان الحجاج يخاطب أهل العراق الذين وصفهم ب»أهل النفاق والشقاق«، لخروجهم علي الدولة المركزية والخليفة. وجاء هو يتولي أمرهم.. و»يؤدبهم«. وانطوت صفحة العصور الوسطي، وجاء العصر الحديث. وخفف التمدين من الصراعات، وغير أشكالها. لكن بقيت »روح« الحجاج بن يوسف تتقمص فئة من الولاة، أصبح اسمهم الحديث الرؤساء.. المديرين.. ورغم أنهم مجرد وزراء أو رؤساء مؤسسات أو مديري أعمال في شركات ومراكز الا أنهم يصرون علي تطبيق شعار الحجاج. ورغم ان الرؤوس التي »تينع« في زمنهم ليست من أمثلة ما تصدي له الحجاج باسم خليفة المسلمين، وإنما هم أناس مسالمون مطيعون.. فقط هم متميزون.. مبتكرون. ناجحون.. ما أن يظهر واحد منهم، حتي يتحسس الحجاجون الصغار أدوات البطش التي في حوزتهم في صورة قرارات.. تبدأ بالتحجيم.. فاذا لم ينفع فبالنقل.. فاذا واصل »العدو« التقدم.. تخرج »المقصلة« لقطع الرأس اليانع.. والخلاص منه. تابعت مرة تجربة مدير موقع لخدمة شباب الخريجين. الرجل مخلص لمهمته. يحب هؤلاء الشبان المكافحين. اتفق مع اثنين من زملائه كل منهم في اختصاص.. وتكامل الثلاثة، في مشروع لتحديث حياة الشباب وزيادة انتاجهم ودخلهم. كتبت عنهم، وأشدت بالفرسان الثلاثة القائمين بالتجربة، ودون أن أقابل المدير، واكتفيت بما قاله عن جهده زملاؤه الشبان. لم تمض أيام علي النشر إلا وكان هذا المدير قد طار، وعلمت ان الحجاجين الصغار استخدموا سلاحهم الباتر. وجاءوا بعده بمدير، لم يلبث أن قبض عليه في قضية فساد! مرة أخري أعجبتني تجربة رئيس شركة، أفادت شركته، والأهم أفادت الناس.. فقد كانت احدي شركات المجمعات.. نقل البضائع بشاحنات إلي أسواق القري.. وحدث نفس الشيء: اشتغل الحجاجون الصغار.. عزل الرجل المخلص. لذلك، حرصت بعد ذلك أن أدس اسم رئيس الشخص الذي اكتب عنه.. واسم الوزير - بأي شكل ولاحظت ان هذا الشخص يحادثني ممتنا.. لأنني حميته بذكر اسم رئيسه ووزيره! ولا أنسي أبدا ذلك العالم الشاب، الذي ابتكر، وطبقت ابتكاراته.. وقدرته الدولة بجائزة. عندما أحس أنني سأكتب عنه، هب واقفا متوسلا: أرجوك يا استاذ.. لا تكتب عني. سألته: لماذا؟ أجاب بمرارة سيسحلونني. وحدثني عما يفعله به حجاجه الصغير.. الذي يادوب مدير! سمعت عن انجازات مركز علمي هام.. ذهبت واستمعت ورأيت ودققت. وكتبت. لم تمض علي النشر أيام إلا وكان حجاج هذه الجهة يفتعل أزمة مع رئيس المركز، وبصورة استنكرها الجميع. وثناها بعزل رئيس المركز، وأهل محله أعد مساعديه. الرئيس الجديد فاجأني بقوله: يظهر أن ما كتبته عنا أهاج الرجل. طبعا.. أليس حجاجا.. ومهمته قطف الرؤوس اليانعة! ونتوقع عن الصحفيين، بسذاجتنا المعهودة أن تأتي من جهة ما اشارة للتصحيح.. رد المظالم.. انصاف أولئك الذين لا ذنب لهم الا انهم يتحرقون شوق لحذو بلدهم. لكنها لا تأتي. ويالحسرة مصر.. علي رؤوس ابنائها اليانعة! [email protected]