** ثمة شيء ما يربط بين مشهدي النهاية المأساوية الممزوجة بالدم والثأر والهمجية.. تلك النهاية التي آلت إليها حياة القائد العربي المسلم عبدالله بن الزبير عام 74ه قبل ثلاثة عشر قرنا ونصف القرن. وبين مشهد إعدام الرئيس العربي المسلم صدام حسين الذي بثته إجهزة التليفزيون علي مرأي ومسمع من العالم كله في أول أيام عيد الأضحي المبارك قبل أربع سنوات وتحديدا يوم الثلاثين من ديسمبر عام 2006 علي أيدي قوات الاحتلال الأمريكي. وكلا المشهدين يضرب بهما الأمثال في قوة الإيمان والشجاعة وشدة البأس. وإذا كان مشهد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين سوف يظل ماثلا في الأذهان. فإن مشهد إعدام عبدالله بن الزبير علي يد الحجاج بن يوسف الثقفي سيظل المشهد الأكثر عنفا في تاريخ الدولة الإسلامية. فقد قتله الحجاج ثم فصل رأسه عن جسده وأرسلها إلي مولاه عبدالملك بن مروان في مقرالخلافة الأموية قبل أن يصلب جثته ويعلقها أمام العامة لتكون عبرة للناظرين. وتعكس هذه الحادثة قوة وصلابة المرأة العربية المسلمة. فقد مرت الأم العظيمة بابنها المصلوب مبتور الرأس ونطقت بعبارة خالدة.. قالت اسماء بنت ابي بكر: "أما آن لهذا الفارس أن يترجل" وعندما وصل الخبر إلي خليفة الأمويين كتب إلي الحجاج يلومه علي التمثيل بجثة عبدالله بن الزبير. فأمر الأخير بتسليمها إلي أمه. وبعد أن غسلته ودفنته سألها الحجاج: كيف ترينني صنعت بابنك..؟! فأجابت ذات النطاقين قائلة: أفسدت عليه دنياه. وأفسد عليك آخرتك. ** انشق عبدالله بن الزبير علي الخلافة الأموية. وظل يناوئ الخليفة معاوية بن أبي سفيان حتي النهاية. وقبل أن يسلم معاوية الروح عام 60 ه قال في وصيته الأخيرة لأبنه يزيد: "لست أخاف عليك سوي من ثلاث: عبدالله بن عمر. والحسين بن علي. وعبدالله بن الزبير".. فأما عبدالله بن عمر. فمن شدة ورعه. وأما الحسين بن علي فقد قتلت أباه وخذلت أخاه ويذكر أن الحسين بن علي قد قتل في كربلاء في العام التالي مباشرة لرحيل معاوية أي في عام 61 ه وأما عبدالله بن الزبير فإنه مراوغ. فإن ظفرت به قطعه إربا إربا. ولم يستطع يزيد أن ينفذ وصية أبيه ولحق به بعد اربع سنوات في عام 64 ه. إبان تلك الفترة التي دانت فيها السيطرة لعبدالله بن الزبير علي معظم الأقطار الإسلامية باستثناء الشام التي بايع أهلها معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم الذي سار إلي مصر وفتحها. وعندما ولي عبدالله بن الزبير شقيقه مصعب علي العراق خرج إليه عبد الملك بن مروان فأخضع العراق وقتل مصعب بن الزبير. وكان والده مروان بن الحكم قد توفي بعد شهور من خلافته. فلما علم عبدالله بمقتل شقيقه مصعب خطب في الناس قائلا: "إن العراق بلد الغدر والشقاق. وإنا والله لا نموت علي مضاجعنا ولكن نموت قصعا. أي بالرماح وتحت ظلال السيوف. وليس كما يموت بنو مروان. والله ما قتل منهم رجل في زحف في جاهلية أو إسلام".. ام 65 ه وبامتداد تسع سنوات. ** آخر الكلام: عاش عبدالله بن الزبير بن العوام 72 عاما منذ مولده في السنة الثانية من الهجرة. وحتي فاضت روحه إلي بارئها عام 74 ه. وكم فرح به المسلمون وكبروا. فقد كان أول مولود للمهاجرين في المدينة يخرج إلي الحياة بعد أن زعم اليهود أنهم قد سحروهم. فلن يولد لهم..! نشأ عبدالله بن الزبير في رعاية أبويه العظيمين.. الصحابي الجليل الزبير بن العوام حواري رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وأحد العشرة المبشرين بالجنة. والسيدة الجليلة اسماء بنت ابي بكر الصديق الملقبة بذات النطاقين. وكم كان عبدالله بن الزبير تقيا ورعا .