تطورت مدارس المعلمين بمصر، وتحولت في مطلع السبعينيات إلي كليات المعلمين ، ثم تغير إسمها إلي كليات التربية ، ذلك الصرح التعليمي التربوي الذي يتخصص سنوياً في تخريج الحاصلين علي درجة البكارليوس أو الليسانس في شتي أقسامها المختلفة ، ورغم ذلك فهي لا تؤهل صاحبها إلا العمل بوظيفة وحيده محصورة في مهنة " مدرس " !! وقد ظلت كلية التربية قرابة ثلاثة عقود ويزيد ، هي الكعبة التي يقصدها عشرات المئات من الطلاب للدراسه بها ، حيث بزغ نجمها عالياً ، وصارت هي صاحبة الحضور الأول في رغبات الطلاب لأنها كانت تتيح إمكانية التعيين الحكومي المضمون لخريجيها . ولك أن تعلم سيدي ، أن خريجو كلية التربية كانوا يوقعون علي خطاب تكليفي للعمل لمدة خمس سنوات متتالية بوزارة التعليم ، كما كان لهم أن يختاروا بحسب رغباتهم ، المدرسة التي يريد كل منهم أن يعمل بها وذلك من بين ثلاث مدارس داخل المركز الذي يقيم فيه . ومع نهاية التسعينيات ، بدأت الحكومة تتهاون وتتناسي قضية تكليف خريجو كليات التربية ، حتي صار الأمر طبيعياً أن تتوقف تعيينات الدفعات المتتاليه ، مما جعل الكثير من الشباب ، يعزف عن الإلتحاق بها ، واعتبروا أن خريج التربية شخص لا مستقبل له ، ولا حظ له ، ولا مكانة له ، طالما أنه لا تعيين له . وكذا قد تغلبك الملاحظة بأن معظم من يلتحق بالدراسة بكليات التربية حتي الآن هن فتيات الريف البسيطات اللاتي يحلمن بالحصول علي وظيفة معلمة ، ويري كل منهن أن كلية التربية هو المؤهل الأنسب والأفضل للبنات ، توفر الوظيفة القريبة من البيت والأهل . ومع ذلك فإنك عندما تخطو بقدميك داخل أي من كليات التربية بجامعات مصر تجد أعداداً لا حصر لها ، يملئون قاعات الكلية ، ويفترشون حرمها ، ويتزاحمون علي بواباتها دخولاً وخروجاً منها !! ويبدو أن الناس الطيبين ، لا يزال لديهم الأمل في عودة التعيينات ، رغم أن لسان حال حكومتنا يرد " في المشمش " ، ولكن إذا كانت النية ، توحي بعدم تكليف خريجي هذه الكلية لسنوات عجاف قادمة ، فلماذا تفتح الكليه أبوابها للطلاب وتستقبل الأعداد الكبيرة مطلع كل عام دراسي ، ألا يوجد في هذه الدولة مفكرون ، ومخططون مهره يرسمون لمستقبل كل شيئ ، أم أن الأمور باتت تسير بمنحني فوضوي ، داخل دروب الفشل والتخبط ، يا ليت هناك من يهتم وينظر في حال القضية ، ويري ما العائد أو الفائده من التحفظ علي استمرار فتح أبواب كليات التربية ، بلا جدوي منها .. ما ذنب الشباب أن يحملوا شهادات لن تؤهلهم لعمل أو وظيفه من خلالها !! ولعلها دعوة ورسالة واضحة السطور ، تحمل بين طياتها إلتماساً بالمطالبه بإغلاق كليات التربية التي صارت تزج سنوياً بألوف الخريجين إلي الشوارع والأرصفة والمقاهي ، وأمام شاشات الإنترنت ، بعدما يفشلوا في إتقان أي أعمال لا تناسبهم تحت أسقف المصانع والشركات ، وبين الأميين وأنصاف المتعلمين ، فتجد خريج التربية قد صار قيمه مُعطَله ، ومشروع إنتاج راكد بسبب حرمانه من حقه ، - الذي هو بالفعل - حقه ونصيبه أن يعمل مُدرساً داخل مدرسته ، ولربما يتحقق الحُلم .. وتُغلق كلية التربية .. حتي ينصلح حالها .. وتعود نجماً مضيئاً كما كانت .. وأكثر بهاءاً !!