بدأ الأستاذ محسوب حياته العمليه ، كمعلم ناجح في تدريس مادة التاريخ لمرحلة الثانوية العامه ، وكان المربي الفاضل يتمتع بالكفاءه المهنيه والاحترام الوفير داخل مدرسته ، إلا أنه مع مرور السنوات ، بدأت أحواله المهنيه تتغير، بعدما تعمد تهميش واجبات عمله نحو تعليم وتقويم الأجيال ، لدرجة أن صارت حصصه اليومية بالمدرسه ، أشبه بالحصص الاحتياطي ، التي تُسند لأي معلم في حال غياب زميله ، وغالباً ما يكتفي معلم الحصه الاحتياطي بالجلوس داخل الفصل ، واستخدام صوته العالي لترهيب وتسكيت الطلاب الذين يسببون الضوضاء ويصنعون الفوضي ، ومثل هذا ، فعل الأستاذ محسوب!! كانت طيبة المعلم الهادئ ، سبباً يكفي لإهتزاز هيبته أمام طلابه ، بعد أن شرع أولئك المشاغبون المراهقون بمكرهم وسوء أدبهم ، في إبتكار أفعالاً وسلوكيات تضايق نفس المُدرس الخلوق ، فكانوا أحياناً يُحدِثون أصواتاً عاليه للتشويش علي شرحه ، وأحياناً أخري يصنعون المقالب المدوية التي تؤذي كرامة مُدرسهم ، ثم كانوا يفرحون طرباً ، عندما يرون أستاذهم ، وقد وصل لأعلي درجات غضبه ، بل كانت حالاتهم المزاجية تمتلئ إنشراحاً ورضي ، كلما خرج معلمهم عن حلمه وشعوره .. ولما فشل المُربي النبيل في معالجة أزمته مع الطُلاب الأشقياء ، أخذ المؤدبين - منهم - بذنب المشاغبين ، وأعلن العقاب علي الجميع ، ليس بإستخدام الضرب أو الشدَه ، ولكن بإعتزال شرح المنهج الدراسي .. ولتكن العواقب كما تكون !! بعدها بدأ الأستاذ محسوب روتينه الجديد ، حيث كان يدخل الفصل ، ويكتب عنوان الدرس ، وتاريخ اليوم ، ثم يكتب بعضاً من عناصر الدرس الجديد الذي يثبته في دفتر تحضيره ، ثم يترك أصبع الطبشور، ويحضر كُرسياً ، ثم يجلس علي باب الفصل ، مستغرقاً في تدخين السجائر بشراهه ، غير مبالٍ بحالة الهرج والمرج القائمة بين الطلاب ، لدرجة أن بعض الطلاب كانوا يستأذنون معلمهم ، ويخرجون للعب كرة القدم في فناء المدرسة ، والبعض الآخر كان يمكث في الفصل يقصون القصص والحكايات ، ويتبادلون النكات المقبولة والبزيئة ، بينما كانت فرقة المشاغبون يملئون حجرة الفصل صخباً بأصواتهم العاليه ، ومزاحهم الغير محمود ، بينما لم يحرك المعلم ساكناً لكل ما يحدث داخل وخارج الفصل . وعندما تُصادف الظروف ، ويأتي موظف الغياب - أثناء حصة التاريخ - لتسجيل أسماء الغائبين ، ينادي الأستاذ محسوب طلابه من فناء المدرسة ، ليجمعهم ويُدخِلهُم في الفصل ، حتي لا يتم تسجيلهم في دفتر الغائبين ، حتي صار هذا الروتين اليومي ملازماً لشخص المعلم لفتره طويلة من الوقت ، دون ملل أو تغيير !! واقعه ليست غريبه لأن تحدث داخل مدرسة مصرية حكومية ، ربما تجدها بلا رئيس عمل حازم ، يمكنه أن يتابع ويوجه ويحذر ، ثم يعاقب من يخطئ ، أو يُقصِر في واجباته داخل مؤسسات التعليم .. ولتتحسس خيبة معلم التاريخ واضحةً ، عندما طاوع نفسه ، وأشعل السجائر أمامه طلابه ، فربما أعطاهم الفرصه لتقليده في هذه العاده الضاره .. وليتخيل المعلم نفسه داخل قفص الإتهام بجوار طلابه ، أما تهمته فإهماله لعمله وإخفاقه تربوياً في معالجة مشكلات طلابه ، الذين أصابتهم تهمة سوء الأدب والانصراف عن التعلم .. ولعلها واقعة خطيره ، تكشف عن كم عورات التعليم المصري الأعور ، الذي صار يري عيوبه بعين واحده فقط ، وقد أوشك أن يفقد العين الأخري !!