كل عام وأنتم بخير .. بمناسبة العام الدراسى الجديد.. هذه رسالة من مواطنة مصرية قضت نصف عمرها الصحفى تحمل بين يديها هموم التعليم فى مصر على مدى عشر سنوات كنت فيها المسئولة عن ملف التعليم فى مجلة «صباح الخير» وهى من 1990 حتى 2000 وبالصدفة (عقد) التحول فى منظومة التعليم وتحقيقاتى المنشورة خلال هذه الفترة شاهدة على ما أقول. حقا لقد حدثت تغييرات فى منظومة التربية والتعليم وصاحبها تغييرات عالمية فى التركيبة الاجتماعية للمجتمع المصرى أثرت على أبنائنا بالإيجاب والسلب ولكن للأسف كان تأثيرها السلبى أعظم .. ففى هذه الفترة انتشرت التكنولوجيا بطريقة أوسع مما كانت عليه من إنترنت وقنوات فضائية ملأت سماء الكون وأيضا زادت فصول التقوية الإجبارية فى المدارس الحكومية .. وانتشرت مراكز الدروس الخصوصية فى المدن والقرى وامتلأت جدران المبانى بأسماء ملوك الكيمياء والتاريخ والعربى والإنجليزى وأصبح أولياء الأمور همهم الأول والأخير هو حجز كرسى فى فصل من فصول أباطرة الدروس الخصوصية لأبنائهم لفك رموز الامتحان .. أما لو كان لديهم طفل فى بداية دخول المدرسة - والله يكون فى العون - فى رحلة البحث والذل والإهانة لمحاولة دخول مدرسة قريبة للمنزل أو مدرسة بمصاريف مناسبة لدخولهم وهذا بالطبع يكون مستحيلاً إلا بدفع رشوة مقنعة تحت بند المساعدة للنظافة والتطوير وهذا يحدث فى كل المدارس الحكومية والخاصة ، وتنوعت طرق الابتزاز والنصب على أولياء الأمور عن طريق تغيير الزى المدرسى كل عام وزيادة المصروفات وأجرة الأتوبيسات وبيع المذكرات والذهاب لرحلات البزنس وثمن حصص التقوية والمراجعة داخل وخارج المدرسة بإشراف مدرسى . ولكن للأسف المضطر يركب الصعب اللاإنسانى واللامعقول .. ورغم ذلك خرج الكل بلا تعليم سواء من المدارس الحكومية أو الخاصة وأصبح التعليم يتم داخل الشقق والمراكز وضاعت أحلامنا فى البحث عن الوهم وهو التعليم الجيد ليخرج الملايين بلا قدرة على مواجهة سوق العمل وهذا ليس كلامى بل كلام وزارة القوى العاملة والأستاذ حسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر .. وهذا هو المأزق الذى يعيش فيه أبناؤنا بعد ضياع آلاف الجنيهات فى تعليمهم وبعد ذلك لا يجد فرصة عمل لهم، فهم غير مؤهلين للعمل الذى يتطلب قدرات ومهارات خاصة لم يؤهلوا لها خلال سنوات التعليم التى استمرت أكثر من 17 عاماً .. لقد أسعدنى أو لم يسعدنى - لا أعرف - المشاركة فى مؤتمرات تطوير مناهج التعليم الابتدائى والإعدادى التى استمرت أياماً طويلة تحدث فيها العديد من الشخصيات العامة والفضائية والعلماء والأدباء وأعضاء مجلسى الشعب والشورى ورجال التربية والتعليم والكل أخذ فرصته فى الحديث وتفاءل .. وطرحت الكثير من الحلول والتجارب لدول مثل اليابان وألمانيا وأمريكا وللأسف بعد الاستماع الجيد من قبل المسئولين لم يحدث تطوير إلا قليل القليل والأسباب معروفة وقد كتبتها فى حوارات وتحقيقات وقتذاك .. ونترك التعليم كما تركنا أنشطة مدارسنا ( رسم وموسيقى ورياضة وأدب وتدبير منزلى وزراعة .. إلخ ) حيث اعتقد القائمون على التعليم أنها مضيعة للوقت .. وطبعت كتب تكلفت ملايين الجنيهات للأنشطة كبديل - كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب - ونحن نعلم جيدا أن أبناءنا لم يستفيدوا من هذه الكتب والحصص بشىء، لأنها كانت تستبدل بها حصص حساب وعربى للانتهاء من المناهج الطويلة العقيمة. بمناسبة الكتب وأزمتها الخارجية والداخلية أنا بالطبع مع سيادة الوزير فى منع الكتب الخارجية إلا بعد سداد حق الملكية الفكرية ولكن لماذا لا تصبح الكتب الداخلية منافساً قوياً للخارجية من حيث الشكل والمضمون وعلى العموم أعداد سابقة من مجلة «صباح الخير» بها العديد من التحقيقات والمقالات عن هذا وبها أيضا الحل والبديل ولكن من كان يسمع أو يقرأ. وأتذكر مرة سألت الدكتور حسين كامل بهاء الدين: هناك كتب تسمى نماذج والأدلة كان يتسلمها التلاميذ الغلابة فى آخر شهر من العام الدراسى بل أحيانا - والله شاهد على ما أقول - ليلة الامتحان وكانت هذه الكتب تكلف الدولة والوزارة مليار جنيه سنويا .. وفى نفس الوقت كانت تلقى فى الزبالة دون حتى أن يضع التلاميذ عليها أسماءهم لأنها لا تفيدهم فى كثير من الأحوال ويشترون بدلا منها الكتب الخارجية.. وبما أن الوزارة تسمى التربية والتعليم والتعليم أولا بعد أن أصبحت حوادث المدارس على صفحات الصحف وحمل التلاميذ السنج والمطاوى والمخدرات . وأصبح التسرب والغياب عن المدرسة وكله تمام يا فندم الحضور والانصراف وسير العملية التعليمية بتليفون صغير قبل حضور الموجه إلى المدرسة أو المسئول والطلاب بعلبة سجاير أو بدفع لإدارة المدرسة ثمن حصص التقوية الغياب والحضور يصبح كله تمام .. ولذلك لابد من الحديث عن الذى تقوم به الوزارة وهو التربية وهنا سأذكر واقعة سجلت من قبل على صفحات «صباح الخير» وقت ذلك كنت لم أسمع عن كلمة اعتصام ووقفة احتجاجية إلا من مُدرسة فى إحدى المدارس الخاصة وهى تتحدث إلىَّ قائلة : « اعتصمنا نحن جميع المدرسين والمدرسات فى فناء المدرسة ورفضنا دخول الفصول تضامنا مع زميلة لنا بعد أن أمرها صاحب المدرسة أن تنفذ طلب ولى أمر طالبة بأن تضرب المدرسة على وجهها أمام التلاميذ كما فعلت المدرسة فما كان منها إلا أن سقطت على الأرض مغشيا عليها . قلت لها : «لماذا يرضخ صاحب المدرسة لطلبات أولياء الأمور؟» . قالت لى : «ولى الأمر عنده أربعة أبناء فى المدرسة ولو ذهب بهم إلى مدرسة أخرى تكون خسارة مادية كبيرة» هكذا ضاعت التربية فى المدارس وضاع الاحترام حيث انقلبت الآية وأصبح المدرس يعمل لدى التلميذ.. ضاعت التربية فى تعمد بعض المدرسين شرح الدروس داخل الفصول بدون أمانة وذمة حتى يضطر التلميذ لأخذ دروس خصوصية عنده. سيدى الوزير أنا لست متفائلة برغم أن التعليم الجيد هو سر نجاح الدول التى تريد أن تبدأ التنمية مثل كوريا وتركيا وماليزيا وغيرها. ونتساءل كيف نقى التلاميذ من بعض المدرسين الضعفاء والجشعين ؟ كيف نقى الطلاب من بعض القائمين على العملية التعليمية من مديرين وأصحاب مدارس ومسئولين فى الوزارة أصحاب المصالح .. كيف نقى التلاميذ من مناهج ونظم التعليم التى باتت عقيمة.. كيف تقى المعلم من تلاميذ مشاغبين ومستهترين؟ كيف تقى التلاميذ من عدم العدل فى النتائج والمراقبة والتعليم أثناء الامتحانات . سيدى الوزير لابد أن تستمع لكل رأى وتنزل المدارس وتجلس مع أولياء الأمور والمعلمين والتلاميذ وتزيل الشعارات التى تملأ جدران المدارس بأن مدرستى جميلة ومتطورة ومنتجة .. بأفعال وحقائق نابعة من نظافة قلوب وسلوك التلاميذ وتطوير عقولهم لإنتاج أجيال قادرة على مواجهة العالم الذى يتطور ويتقدم من حولنا كل يوم