ينتقل الطفل في سن السادسة من مرحلة رياض الأطفال - المستحدثة منذ سنوات - إلي مرحلة التعليم الابتدائي التي تعد القاعدة التعليمية العريضة التي ترتكز عليها أسس بناء جوانب الطفل ، بل وتساهم في بناء شخصية سوية له في تلك السن المبكرة . يدخل الطفل إلي مرحلة التعليم الابتدائي ، حيث يبدأ أولي خطوات تعلمه كتابة وقراءة الجمل البسيطة مستوحيا ذلك من الصور الملونة والمعبرة التي تملأ كتبه ، وكذلك يتعلم تدريجيا القيام ببعض العمليات الحسابية المختلفة ، وتزداد صعوبة المناهج كلما صعد دراسيا من مرحلة إلي آخري . ولما كانت تلك المرحلة الهامة هي المرحلة الوسطية بين روضة الطفل وما يتلوها من المرحلة الاعدادية ، كان لا بد وأن ييسر لها كل عسير داخل العملية التعليمية التي يصفها الواصفون بالمصنع الذي ينحصر دوره في ترشيد العقول لصحيح الأشياء ، ومن ثم تهذيب السلوك الطفولي نحو فضائل الأمور . دور معلم الابتدائية ليس بالهين أبدا كما يخيل للبعض ، فالمعلم - دوما - منغمس في حقله التربوي ، لديه واجبا لاستخدام الرعاية الكامله والتعامل باللين والتعريف بالحلال والحرام من الأشياء ، وكذلك التفرقة بين الفاضل والمعيب من السلوكيات ، ومن ثم يتعلم الطالب كل هذا ، ويبدأ يدرك مبدأ الثواب لو فعل حسنا ، وأن العقاب يكون جزاؤه إذا أساء أدبا أو انتقص ذوقا عاما !! وإنه لجدير بالعلم أن مرحلة التعليم الابتدائي ، هي أنسب المراحل التعليمية والتربوية التي يكون فيها الطفل حاضر الذهن ، وذات استعداد نفسي وعقلي كامل لاستيعاب كل ما يملي عليه سواء في المدرسة أو البيت ، بل تراه يردد ، ويحفظ في عجالة كل ما يأخذه من معلومات دينية أو آيات قرآنية أو أناشيد و قصص تحكي له من معلمه داخل حجرة الفصل . ظل لفترة طويلة وإلي الآن يشرف علي تلاميذ المرحلة الابتدائية معلمو مدارس المعلمين ، حتي مطلع التسعينيات ، عندما استحدثت وزارة التعليم العالي شعبة جديدة بكليات التربية وهي شعبة التعليم الأساسي وخصصت منها ما يسمي ب" حلقة التعليم الابتدائي " ، لتكون تلك الحلقة دورها تخريج معلمين متخصصين في تعليم أطفال النشأ ما يلزمهم ، وحيث يكون الطفل مثل العجينه اللينه أو الطمي الطري الذي يسهل تشكيله علي أي هيئة أو شكل تريد !! مع كل هذا تلتمس شيئا من الإهمال داخل تلك المرحلة فالمعلم غير المتخصص بالابتدائية ، وكثيرا ما يخطئ في بعض المعلومات ، حتي أن أحدهم ذات مرة وهو يقرأ أحدي السور القرآنية داخل الفصل ، أخطأ في قراءة بعض الآيات ، وفوجئ بأحد التلاميذ الصبيه ، يبادره بتصحيح القراءة للآيات القرآنية علي الوجة السليم. ولك أن تتخيل رد فعل المدرس الغير متخصص لمادته أن قال للأولاد جميعا بنبرة مرتبكه ضاحكة " كنت باختبركم " وقد صارت من بعدها تلك الكلمة هي الحجه الواهيه ، والرد العبثي الهزلي الغير مقبول الذي يلجأ إليه كل معلم مقصر في مادته ودائم التكرار الخطئي ، ولا رقيب إلا الله ،، والضحية هو التلميذ !! . وربما يكون وجد معلم القرآن - الغير متخصص - حيلة سريعه يهرب بها من الاحراج الذي سببه له ضحالة خبرته ، وعدم معرفته الجيدة بمادته ، وانغماسه فيما ليس له به علم .. أما إن كان يدرس لطلاب الاعدادية أو الثانوية لوجد نفسه أمام عقليات تهفو نحو إعمال العقل ودائمة الاستفسار والتساؤل . وتري علي النقيض، أن بعض المعلمين يطلبون ويلحون الطلب ، ويستعطفون الادارات التعليمية لأن يثبت عملهم بمرحلة التعليم الابتدائي فقط لا غير، ظنا منهم أن تلك المرحلة عبارة عن " كلمتين يتشرحوا وأريح دماغي ، بعيدا عن مشاكل مراحل الكبار". بل أن معلم الابتدائية إذا شرح معلومة في مادته وصادف أنها لم تكن صحيحة ، أو نطق كلمات وجمل في مواد اللغات ، بنطق غير صحيح سواء عن تعمد أو بدون قصد ، فلن يجد من يكتشف خطأه أو يصحح له ما وقع فيه إلا نادرا ، خاصة أنه يدرس للأطفال يتعلمون بطرق التلقين التقليدية ، ولا يفقهون إلا كلمتي نعم وحاضر ، ويؤكدونها - دوما - بهزالرأس. والطفل - غالبا - لايبدأ في الاستفسار لمعرفة محتوي درس ما أو تفسير معلومة بعينها ، إلا عندما ينتقل للصف الثالث أو الرابع الابتدائي حيث يبدأ يدرك - بشكل شبة كلي - معني كلمة موضوعات ووحدات واختبارات ، ودرجات وما يلازم كل ذلك من عملية تفوق أو إخفاق . علي الجانب الآخر تجد بعض الادارات التعليمية تنتدب بعض معلمي التعليم الابتدائي للعمل بالمرحلة الاعدادية ، حيث يلجأ عدد من المعلمين لهذا الأمر هربا من تلك المرحلة المجهدة ذهنيا وجسمانيا ، وكذا عدم رغبتهم في تصدع أذهانهم بفتح الفاء وكسر العين وضم النون كمثال أبسط القواعد النحوية لأطفال الحلقة الابتدائية !! ولنا أن نذكر أنه عندما استحدث قسم التعليم الاساسي بجامعات مصر ، صادف وجود دفعة قليلة العدد من خريجو المعلمين ، والذي سمح لهم مجموعهم بالالتحاق بالدراسة بإحدي كليات التربية ، حيث قامت إدارة الكلية المقيدون بها ، بضمهم إلي شعبة التعليم الأساسي المستحدثه ، فما كان منهم إلا أن سارعوا مهرولين بالذهاب لمكتب عميد الكلية ، يلتمسون تحويلهم لشعبة التعليم العام ، كما هو مثبت بجوابات ترشيحهم ، وأبدوا عدم الرغبة في الدراسة بتلك الشعبة التي ستجعلهم يتعاملون مع الأطفال حديثي السن ، وتحتاج لجهد ومشقة وهم في سن قارب الأربعين . كان رد السيد عميد الكلية ، أشبة بالصدمة التي أصابتهم ، عندما أخبرهم بأن طالب الطب عندما يقدم علي التخصص ، لا يعينه أن يكون طبيب أطفال أو طبيب كبار ، بمعني " أهو كله طب وشغل لصاحبه " !! مرحلة لا شك في خطورتها ، ومع ذلك نري الكثيرون يهربون ويرفضون ويتراجعون ويغضبون ، إذا اسندوا اليهم العمل بتلك المرحلة الهامة . أليس له حق أن يغضب التعليم الابتدائي ؟؟ أليس له كل الحق أن يكشر عن أنيابه التي لا تكاد تراها . من يراضي التعليم الابتدائي ، حتي يراضي - هو - أبناؤنا التلاميذ ، ويصنع منهم جيلا ثابت الأساس العلمي والمنهجي والسلوكي الواضح ، ويجعل عجينة تلاميذ الابتدائية التي بين يدي المعلم ، مشكلة علي نحو مقبول نوعا ما. بعض الاهتمام من وزارة التعليم ، واستمرار الرقابة علي المعلمين ، وأن يوضع كل معلم في تخصصه ، وتوفير التدريبات للمعلمين علي المناهج الحديثة ، وانتقاء طرق التدريب الحديثة ، يساهم بشكل أو بآخر في الخروج من تلك الأزمة التي أغضبت تعليمنا الابتدائي الذي نرفع له القبعة عرفانا بأهميته ! ولتعلم أنه يدا بيد يمكننا أن نطفئ الغضب الذي ساد وجة التعليم الابتدائي المصري ، وبدورنا ندعو المعلمون العاملون البنائون بحق إلي تكلمة مشوار البناء ... بناء الأساس والتأكيد علي سلامة ذلك البناء !!