نجحت الثورة ولكن بكام مادة؟!! إن نجاح الثورة يعنى تحقيق أهدافها،فهل تحققت أهداف الثورة بالفعل؟ المؤشرات كافة على الساحة السياسية المصرية تؤكد أن الثورة المصرية نجحت فقط في الإطاحة بمبارك،لكنها فشلت في إسقاط نظامه،ومن ثم إمكانية خلق مصر جديدة تتحقق على أرضها "العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة"،حيث كان تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 مجرد تهدئة سرعان ما تمت،وتفرق الثوار عائدين إلى بيوتهم متصورين أن ثورتهم قد نجحت،ليتم الانقضاض عليهم،ومن جانب آخر يتم بشكل منظم ضرب الشعب في استقراره بارتفاع الأسعار واختفاء السلع الأساسية والانفلات الأمني الذي يعاني منه الجميع، أما الخداع والكذب والنفاق والانفلات السياسي لذبح الثورة والثوار فحدث عنه ولا حرج!! انطلاقا من ذلك و في ظل الأوضاع الحالية التي تجري في مصر واستمرار نفس الفكر والنهج والأسلوب الذي كان للنظام السابق في التعاطي مع ومواجهة مختلف أشكال القضايا والأزمات والإشكاليات؟ هل نستطيع القول بفشل الثورة المصرية؟ وإذا لم تفشل فبِمَ نفسر استمرارية فكر ونهج وأسلوب النظام السابق وكأنه يولد من جديد؟ يجب أن نسمي الأمور بأسمائها وأن نضع خطاً فاصلاً بين كلا من الثورة والصراع السياسي،فالثورة الحقيقية ما هي إلا طهارة ونبل واتحاد وإرادة شعبية واضحة لا تقبل اللبس،أما الصراع السياسي فهو مكر واحتيال وتزييف وشد وجذب وإقصاء للآخر بلغ حد التخوين والاتجار بدماء الشهداء من أجل المصالح الخاصة للأسف الشديد،فالثورة لا تقبل التقسيم على متناحرين،خصوصًا في ظل الفوضى التي أفسحت المجال لبعض أركان النظام البائد باندساس وسط الثوار،بل والتحدث بلسان الثورة استغلالاً للفرصة،ولم يلمهم لائم،لأن المناخ كله صار فاسدًا حد الجنون،وإذا كنا نرفض إدارة الصراع السياسي باسم الدين،كما حدث ويحدث للأسف من بعض الأحزاب،فإننا أيضًا نرفض إدارة الصراع السياسي باسم الثورة، فما من فصيل يحتكر الدين،وما من فريق يهيمن على الثورة!! ألا تتذكرون كيف حسب كلا منا فى بداية الثورة كم سنجنى من الأموال المنهوبة لو عادت،وعاش الناس على هذا السراب,وعندما تمت محاكمة النظام ورؤوسه لم تعد أموال،ولم يغتنِ الفقراء ولم يعتدل ميزان الكون،بل وضحت ظاهرة خطيرة هي سياسة التخوين والتشويه وعدم المصداقية،واحتار الناس من تختار؟ وتثق في من؟وما فائدة كل هذه الأشياء التي حدثت طالما "يبقى الوضع على ما هو عليه" فبدأت تظهر علامات الاستفهام الكثيرة،وكذلك تسرب الإحباط الشديد،أسأل أي شاب أو رجل أو امرأة ماذا تريد الآن؟ وما رأيك في الثورة؟ سوف يسب ويلعن سلسفين أبوها ويقولك بالفم المليان "ولا يوم من أيامك يا حسنى"!!،هذا بخلاف ارتفاع الأسعار واستخدام نفس آلية إألهاء الناس مرة بالغاز ومرة بالسولار ولا يزال المواطن المصري مطحونا بين فكي الرحى،بل ظهر بلطجية جدد لم يكن لهم وجود على خريطة المجتمع بخلاف التجارة في الأعضاء البشرية وخطف الفتيات، كل هذا لترويع الناس كي يقولوا لهم بشكل مباشر (أدى الثورة) وأصبح كل إنسان يبتز أخاه وزميله وجاره وبشكل علني ودون حياء، انتشت المظاهرات الفئوية للضغط لتحقيق المطالب،وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة والأخيرة في حياة المواطن المصري كي يأخذ بها حقه الآن،وهنا ظهرت سحابة من العنف تظلل سماء مصرنا الطيبة!!وهذا ما أكدت الدكتورة نسرين البغدادى_ مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية_ في حوارها مع جريدة الأهرام الشهر الماضي بقولها:أن أخطر الجرائم التي يشهدها المجتمع المصري بعد ثورة يناير هي جريمة السطو المسلح،فلقد أصبحت الشخصية المصرية بعد الثورة عنيفة، وباتت حالة التربص تسيطر على الجميع. نعم اعلم إننا في مرحلة انتقالية صعبة ودقيقة بكل ما تحمله من ايجابيات وسلبيات حيث لا يمكننا أن نغير كل شيء بين يوم وليلة،وإنما هو مخاض طويل لا بد ألا نفقد فيه صبرنا ولا إيماننا بثورتنا التي ولدت لتبقى نموذجا يحتذي لإصرار أمة وإرادة شعب،ولكن لا تضحكوا علينا برغيف عيش وفم باسم_ عودة وليس يوسف_ لا تختصروا كل مشاكلنا في ذلك،المجتمع المصري سار فئتين فقط،إحداهما تستغل الأخرى،لذا فلا بديل عن التوقف قليلاً لنعرف إلى أين نحن ذاهبون،وأن تكون البداية من الذات وأن نؤمن جميعا بأهمية التغيير من أنفسنا جميعا نخبة وشعبا،نراجع مواقفنا ونمارس النقد الذاتي مع أنفسنا ونعترف بأخطأنا،وأن يلتزم كل منا بميثاق شرف بأن يعمل ويبذل من الجهد في مجاله، وأعتقد أن ما طرأ على الشخصية المصرية هو أمر استثنائي نتيجة الظرف المجتمعي وأيضا نتيجة للضغوط التي تعرض لها المواطن المصري من النظام السابق،ويجب أن نراهن جميعا على الانتماء لهذه الأرض،لان هذا الانتماء هو كلمة السر،وفصيلة الدم. إلى اللقاء في المقال الستون مع تحيات فيلسوف الثورة سينارست وائل مصباح عبد المحسن [email protected]