الثورة العرجاء والواد مزيكا تسير التحولات الكبيرة التي تهدف إليها الثورات في خط مستقيم أو وفق خطوات محسوبة, بل تمضي عبر مراحل وموجات يرجو الثوريون أن تكون متتامة من أجل استمرار الثورة حتي تحقق أهدافها،أما ثوارنا فلا يعرفون وسيلة إلي الأمام غير الميدان ومواصلة ما سبق أن نادوا به,إسقاط النظام وإعادة البناء ابتداء من الصفر دون إلمام بالضرورات العملية التي يتطلبها ذلك,أي موقف الكل أو لا شيء،وقد يرجع ذلك إلى أن الثورة كحدث اجتماعي كان بمثابة الصدمة التي أخرجت المصريين من صمت طويل ، كما أن الأحداث المتواصلة والسريعة التي عاشها المواطن،سواء أيام الثورة أو فيما بعدها كانت بمثابة مواقف حياتية جديدة على المجتمع والتي اصطحبت معها مفردات ومصطلحات خاصة بها،وأصبحت هي اللغة المتداولة في الشارع المصري،ونظراً لتواصل تلك الأحداث على مسرح الحياة وعدم توقفها تحولت بدورها إلى واقع يعيشه المصريين تداخل مع حياتهم اليومية وأصبحت جزء لا يتجزأ منها. فالواد مزيكا_ تلك الشخصية التي جسدها الراحل نجاح الموجى في مسرحية المتزوجون_ أصبح يفهم بجد في السياسة وأصبح يغرد على تويتر قائلا: ثورجي وفيسبوك والفلول والدستور وائتلاف وانفلات أمني وحزب الكنبة والطرف التالت والمظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات الفئوية وإسقاط النظام وقلة مندسة وانفلات أمني وحكومة انتقالية وعسكرة ودولة مدنية وبلطجة وشهيد واعتصام وعصيان مدني،وأخيرا توك شو،والقائمة طويلة من الكلمات والعبارات التي فرضت نفسها على لغة الشارع المصري بعد الثورة،وباتت واضحة في أسلوب خطاب مواطنيه،سواء بطريقة جدية لمناقشة كل ما يطرحه الواقع السياسي وتصريحات المسئولين اليومية،أو حتى بطريقة لغة التفاهم السريعة والساخرة التي يجيد الشعب المصري استخدامها في حديثه اليومي. والغريب أن العنف أصبح هو النشيد الوطني الذي يعزف في كل الاحتفالات،سواء من النخبة أو من العامة،مع اعترف الجميع بان من يمارس العنف مدان،ومن يشكل مظلة لممارسة العنف مدان أيضًا،ولكن من يسيء إدارة شؤون الدولة ويؤسس لمناخ سياسي يمثل بيئة مناسبة لتفريخ العنف هو مدان أيضًا ومسئول عن هذا كله،الجميع أخطأ في حق أمه أجمل نساء العالم وما زال مصر على الخطأ،وما يحدث في مصر الآن أن الدولة لا تدار بالسياسة وإنما تدار بالعناد وركوب الرأس والحسابات التنظيمية الضيقة الأفق والمتعجلة على قطف الثمار والاستخفاف بالآخرين والاستهتار البالغ في السلوك السياسي مع القوى الوطنية وخاصة المعارضة،وهو ما يفضى حتمًا وبالبديهة لما نحن فيه من اضطراب وفوضى وعنف وخراب اقتصادي وتمزق وطني وغياب اليقين بمستقبل البلاد،وخوف الكل من الكل وخوف الشعب من المستقبل،والمؤسف أنه كلما قدمت النصح لأولى الأمر الآن قبل أن ينهار كل شيء،قالوا لك إن هذا ليس أوانه،وكان من قبلنا ينتظر ثمانين عامًا على النصح تحت نفس الذريعة "ليس أوانه"، لكن الثمانين سنة الماضية كنا في المعارضة والمطاردة والسجون،فهل مطلوب منا أن ننتظر ونحن في السلطة ثمانين عامًا أخرى حتى يأتي أوان النصح وأن ننصر أخانا ظالمًا كما نصرناه مظلومًا؟ ولا تعليق!! ولكن المؤكد أن الثورة المصرية لم تمت بعد ولكنها تعانى أمراض الشيخوخة وهى في المهد لذا تحتاج إلى أطباء مصرين بجد متخصصين في جميع التخصصات،لهم من الخبرة والعلم والأمانة والضمير والحب لها ولأهلها ما يكفي لعلاجها وشفائها بإذن الله،تحتاج أن يتضافر الجميع مسيحيين قبل مسلمين لتحقيق هدف محدد وهو علاجها والسهر عليها لمداواتها،تحتاج إلى العلم والثقافة والدراسة بلا تقوقع على الذات،ورغم كل العقبات التي واجهت الثورة فإن جسارة النضال من أجل تحقيق أهدافها وما كسبه الشعب من وعي وحريات صارت كلها تراثا عميقا معاصرا يتغلغل في وجدان الشعب،ومهما يتعرج المسار فإن الأمل في استمرار الثورة وانتصارها ساطع يضيء الطريق, فهي ثورة اعتمدت علي جذور شعبية عميق ولن يسهل أبدا حذفها أو اختصارها في سطرين بكتب التاريخ!. إلى اللقاء في المقال السابع والخمسون مع تحيات فيلسوف الثورة سينارست وائل مصباح عبد المحسن [email protected]