تسير التحولات الكبيرة التي تهدف إليها الثورات في خط مستقيم أو وفق خطوات محسوبة, بل تمضي عبر مراحل وموجات يرجو الثوريون أن تكون متتامة من أجل استمرار الثورة حتي تحقق أهدافها. لايري بعض المراقبين الغربيين أن الاحتجاجات الثورية في مصر انغرزت في روتين سياسي. فثوار التحرير لا يعرفون وسيلة إلي الأمام غير الميدان ومواصلة ما سبق أن نادوا به, إسقاط النظام وإعادة البناء ابتداء من الصفر دون إلمام بالضرورات العملية التي يتطلبها ذلك, أي موقف الكل أو لا شيء. وقد يتوق المصريون إلي انتقال ميدان التحرير إلي الأمام في تحقيق أهداف الثورة علي النطاق الاجتماعي العام, خصوصا في ظل صعوبات اقتصادية. أن المجلس العسكري وكذلك أنصار الإسلام السياسي, يلصقون اللوم بلا أساس يدعمه بشباب الميدان كسبب لما أصاب مصر بعد الثورة. فمن الواضح أن هؤلاء الشباب تنقصهم قيادة منظمة مما عاق حركتهم في اللعبة المعقدة لسياسة مابعد الثورة في الانتخابات مثلا, فهم لا يواصلون الثورة إلا من خلال الاحتجاجات ووسائل الإعلام والاتصال, ويري بعض المراقبين في الغرب أن شباب التحرير ينقصه تبني تكتيكات وأساليب جديدة وحتي أهداف عملية جديدة والبحث عن فرص جديدة للمشاركة في النظام السياسي الجديد, وبدون ذلك قد يواصلون في زعم هؤلاء انزلاقا إلي فقد الشعبية والفاعلية. وهناك في الغرب قالبان جامدان للثورة المصرية. والقالب الأول للربيع العربي عموما شديد الجمال لنساء ثوريات يشرحن بلغة انجليزية سليمة أهدافهن في الحرية المدنية مستخدمات وسائل الاتصال الأكثر حداثة, فمرحبا بهذا القالب, والقالب الثاني لرجال إسلاميين ملتحين يستغلون لحظة عابرة من الديمقراطية لفرض قمعهم المتستر بالدين المعادي للمرأة والإبداع, فليسقط هذا الربيع لأنه شتاء. من الواضح أن القالبين يفتقدان الحقائق الأشد أهمية. أولا إن العقبة الأكبر والأشد مباشرة أمام الحرية في مصر اليوم, والقوة التي تحاول بنشاط أن تعمل علي تراجع الثورة في رأي بعض المحللين الغربيين ليست الإخوان المسلمين ولكن دولة الأمن البوليسية المسلحة التي أدارت مصر طوال عقود. فهي تمتلك مئات الجواسيس والبلطجية وممارسي التعذيب الذين أرهبوا الشعب زمنا طويلا. ويزعم المراقبون الغربيون أن هناك صراعا بين المجلس العسكري والبرلمان حول وزارتي الداخلية والدفاع, فالإسلاميون فازوا وهم ليسوا أنصارا للدولة المدنية وليسوا من كانوا في صدارة ميدان التحرير. إن طريق الثورة متعرج نحو خط النهاية, نحو الانتقال إلي الديمقراطية, فمنذ سنة صوت المصريون بأعداد قياسية لإصلاح الدستور ووضع مسارا للديمقراطية بعد حكم مبارك ثلاثين عاما ووثقت أغلبية كبيرة في المجلس العسكري لرعاية البلاد نحو الحكم المدني. وقد تبعثر الكثير من تفاؤل ما بعد الثورة فمجالس الوزراء الانتقالية أثبتت أنها شديدة التردد ومفتقدة الصلاحيات والثقة بالنفس أو ضئيلة الحظ من الخيال, ولم تحاول إنجاز إصلاح حقيقي. ويري بعض المحللين الغربيين أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة كسلطة تنفيذية مؤقتة قد اتبع سياسات بعضها متناقض وعنيف تاركا انطباعا ملتبسا حول موقفه من الثورة التي صرح بأنه يدعمها. وقد وضع المجلس في وقت قريب جدولا لنهاية فترة الانتقال بعد انتخابات الرئاسة. ولكن هذا الرئيس سيتسلم بلدا يعاني من الانقسام له اقتصاد ضعيف وبيروقراطية بالية. كما أنه سيتسلم منصبا دون تحديد لاختصاصاته التي ستحدد بعد وضع دستور جديد, حيث تدور المفاضلة بين نظام رئاسي أو برلماني أو مختلط مثل فرنسا وفيه تعين الأغلبية التشريعية الحكومة وليس الرئيس. ويري الكثيرون أن انتخابات الرئاسة الوشيكة ستكون اختبارا للإرادات بين الإسلاميين الذين يسيطرون علي البرلمان وبين المجلس العسكري. ورغم كل العقبات التي واجهت الثورة فإن جسارة النضال من أجل تحقيق أهدافها وما كسبه الشعب من وعي وحريات صارت كلها تراثا عميقا معاصرا يتغلغل في وجدان الشعب. ومهما يتعرج المسار فإن الأمل في استمرار الثورة وانتصارها ساطع يضيء الطريق, فهي ثورة اعتمدت علي جذور شعبية عميقة. المزيد من مقالات ابراهيم فتحى