"لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن شدوها أرخيتها، وإن أرخوها شددتها". لعل هذا مما يُؤْثَر عن داهية العرب معاوية بن أبي سفيان. السياسة وصل وتواصل واتصال فعّال. وصل بالدائرة الواسعة من أبناء المجتمع، وتواصل مع كافة التيارات السياسية والفكرية والمجتمعية، واتصال فعّال مع مختلف الشرائح في محيط العلاقات الاجتماعية والسياسية. وإدارة التواصل مع المتوافقين والمختلفين والمحايدين من أهم علوم وفنون العمل السياسي خاصة في المجتمعات الحديثة والمركبة، والاتصال الفعّال لا ينتظر الآخرين حتى يأتوا صاغرين مستسلمين، ولا يحاصرهم بالشُبَه والشائعات حتى يذعنوا، فهذا شكل خبيث من أشكال الهيمنة لا يبني وطنًا ولا يُنجِح أعمالًا ولا يحفظ أمنًا، ولا يديم حكمًا. والتواصل السياسي في واقعنا المصري لن يكون فعّالًا إلا إذا تم بناؤه على افتراض أن الناس قامت بثورة حقيقية على نظام مبارك لفساده ولاستبداده ومحاولته توريث الحكم لابنه ولم تكن أسباب الثورة خلافًا شكليًا حول بعض أسماء الزمرة الفاسدة وطبيعة الفاسدين، إنما كانت انتفاضة مصيرية تكثفت فيها إرادة الحياة، وكانت محاولة للارتفاع إلى مستوى البشر المختارين لمصائرهم المحددين لنهج حياتهم، وكانت الثورة في جوهرها ترفعًا من شعب مصر عن السقوط إلى مستوى الأشياء والممتلكات التي تورث. لذلك فإن إدارة التواصل الفعّال تفترض أن المواطنين هم بشر واعون مختارون راشدون لا يمكن العمل على غشهم أو استغفالهم أو تسويق الوهم لهم، فهذا من عدم احترام عقولهم،وكما يقولون: إنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. كما تفترض إدارة التواصل الفعّال أن سفينة الوطن تسع الجميع: متوافقين ومختلفين، مؤيدين ومعارضين، وأن الخلاف حول أولويات الوطن وقضايا المرحلة لا يشكل اختلافًا بحد ذاته ولا مسببًا للصراع، وأن المختلفين السياسيين والشركاء في علمية بناء الوطن ليسوا خصومًا سياسيين ولا أعداء، وأن المستقبل يسع أطروحات الجميع، بل ويسع طموحات الجميع: حقًا في الحكم إذا اختارهم الناس، وحقًا في تنفيذ مشاريعهم إن أصلحت واقع الناس. التواصل الفعّال ضد تخوين الخصوم أو اتهامهم بالعمالة أو تلقي أموال من الخارج أو العمل ضد مصلحة الوطن، فالنظام الحاكم لا يحتكر مصلحة الوطن، وليس الوحيد المعبّر عنها، وبالطبع ليس هو الناطق باسم العدالة الإلهية. وإدارة التواصل الفعّال تفترض أن شركاء الوطن لديهم من الحرص عليه ما يدفعهم إلى محاولة تحقيق مصالحه العليا، وإن اختلفت التوجهات، ذلك أن الخلاف السياسي مرجعه إلى تعدد طرق تحقيق تلك المصلحة الوطنية العليا. إنما لغة التخوين وكيل الاتهامات فهي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا تجمع. لذلك فإن التواصل الفعّال يتنافى مع الفُجْر في الخصومة، ومع تشويه سمعة المختلفين، ومحاولة إعدامهم معنويًا وأخلاقيًا. السياسة تواصل، والاستعلاء الكاذب عن شركاء الوطن ليس من السياسة في شيء. السياسة تواصل، والاستخفاف المهين بعقول الناس -حتى المؤيدين منهم- ليس من السياسة في شيء. السياسة تواصل، وترويج الإنجازات الوهمية كذب في دين الله ودنيا السياسة. السياسة تواصل، وخلق الخصوم وتكثير الأعداء ليس من السياسة في شيء. السياسة وصل ما انقطع، وبناء ما تهدم، وإصلاح ما فسد، واستئناف ما تعطل. وأؤكد على ما ذكرته من قبل في مقال سابق: إن السياسة إصلاح وصلاح وصلاحية. السياسة وصل وتواصل واتصال فعّال. السياسة وصل: ومن ثم فإن التقوقع على الذات والحزب والجماعة ليس من السياسة في شيء. والسياسة تواصل: ومن ثم فإن توهم احتكار الحقيقة والترويج بين الناس أن الحزب والجماعة والرئاسة هو الفصيل الوطني الوحيد تزيف لوعي الناس وتجارة حرام بالدين، وإفساد لمستقبل الوطن. والسياسة اتصال: ومن ثم فإن تخوين الخصوم وترويج الإشاعات على خصوم الجماعة والحزب والرئاسة ليس من السياسة ولا الدين في شيء، إنما هو حقارة ووضاعة لا تنم فقط عن جهل بالسياسة وجهل أفظع بالدين، إنما تنم عن قلّة أصل وانعدام شرف وغياب مروءة. إن إدارة التواصل لابد أن تسبقها إرادة التواصل، ولن تنجح الأولى ما لم تستوف الثانية الشروط والأركان الواجبة. ولابد من التأكيد كذلك على حقيقة هي أوضح من الشمس: إن التواصل فن وعلم، فن لا يحسنه الهواة، وعلم لا يتقنه المدعون. آخر كلام: كنّا نتكلم عن ماكينة انتخابية تحشد الناس حشدًا، وتتغير بها توجهات الرأي العام، وربما كان هذا مقبولًا في ظل صراع سياسي يديره البعض بعقلية صفرية، إنما للأسف أصبحنا نرى ماكينة غير أخلاقية تقوم على تشويه سمعة الخصوم والمختلفين سياسيًا وفكريًا، وربما كانت هذه أشد شراسة وأشد إجرامًا، عن الجماعة وحزب الحرية والعدالة والرئاسة أتحدث.