تحدثت فى مقالى السابق عن كيفية الحصول على برلمان وطنى يعاون الدولة ويعاون الشعب فى تحقيق أهداف التنمية والتقدم والازدهار، وذكرت ثلاث وقائع على سبيل المثال وقلت فى نهاية مقالى إن هذا الحديث اليوم سيكون حول كيفية تحديث الخطاب ليس الدينى فقط بل الثقافى بالكامل، فالدين هو جزء من الثقافة المصرية الإسلامية الرصينة. ثم تابعت خطاب السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما ذكر أن هناك دولاً دمرت من جراء الحرب المعلوماتية والنفسية فقط، فذهبت إلى أعماق التاريخ لأرى تطور هذه الحرب النفسية والمعلوماتية والذى ينبغى أن تكون جزءًا تاريخيًا وثقافيًا من تطوير الخطاب الثقافى الذى يشمل تطوير الخطاب الدينى. وإذ بى أجد أن تحتمس الثالث عندما هم بفتح مدينة «يافا» فى فلسطين واستعصى عليه أمر فتحها، وكيف استخدم الحرب النفسية والمعلوماتية لينتصر فى هذه الحرب، وكيف استدرج حاكم يافا ليخرج لمقابلته، وكيف أقنع حاكم يافا أن سر قوة فرعون هو عصا سحرية يضرب فرعون بها الأرض فيعطيه الرب ما يشاء، وطالب حاكم يافا بأن يشاهد العصا فوافق تحتمس الثالث بشرط أن يكون على انفراد مع حاكم يافا، ولما دخلت المعلومة إلى عقل حاكم يافا واختلى به تحتمس عاجله بضربة قوية فصرعه وأمر رجاله المتخفين بالدخول إلى قلب يافا وانطلق الجنود المصريون واحتلوا مرافق المدينة، ولذلك أقول للرئيس القائد عبدالفتاح السيسى إنك أصبت الهدف فى قراراكم بالاهتمام بالحرب المعلوماتية والحرب النفسية، والتاريخ ملىء بالأمثلة ففى الحروب النفسية قد تستخدم وسائل غير مألوفة وغير عادية لإثارة الفزع فى نفوس العدو. كما أن التاريخ الإسلامى ملىء بعشرات الأمثلة ولعل من أروعها هو ما حدث بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» بساعة واحدة، وانتشار النبأ فقد استغل الكفار هذا الخبر على الفور وأخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين زاعمين أن الإسلام انتهى ولن تقوم له قائمة، الأمر الذى حدا بابن الخطاب «رضى الله عنه وأرضاه» أن يخرج من بيته مذعورا حاملا سيفه فى يده مهددا الكفار ولولا أن خرج أبوبكر الصديق «رضى الله عنه وأرضاه» وقال فى خطبته الشهيرة: «أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت»، وأضاف ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين. ومن الأمثلة البارزة فى التاريخ الإسلامى أيضا ما قاله طارق بن زياد عندما قام بفتح الأندلس وكان جيشه أثنى عشر ألفًا وكان جيش العدو مائة ألف فقال فى خطبته الشهيرة: «أيها الجنود، العدو أمامكم والبحر وراءكم وليس لكم والله إلا الموت أو النصر». فثبت الجنود وقاتلوا حتى انتصروا. وقد مررنا فى الدراسة بأمثلة كثيرة فى التاريخ الإسلامى العظيم وتاريخ البشرية وحروب جانكيز خان وحروب القراصنة حتى الحرب العالمية الثانية، أو كيف استطاع الطرفان المتحاربان الإنجليز والحلفاء من ناحية والمحور والألمان من ناحية أخرى أن يستعمل كلاهما فى نطاق الحرب النفسية والمعلوماتية إحدى عشرة وسيلة وهى الخداع عن طريق الحيل والإيهام، وإثارة القلق باستخدام وسائل غير مألوفة، والشتائم، وافتراءات العدو وعرض قضيته التى يحارب من أجلها، وخلق قوة خاصة جبارة لا تقهر، والتهديد بواسطة التسليح، وبث الذعر وإطلاق الشائعات، والتحقير من قوة العدو، والإغراء والتضليل والوعد، واستغلال الخلافات الدينية والعقائدية، والإرهاب. ولا ننسى أبدا الدروس التى مرت بنا سواء فى الحروب العالمية الماضية أم فى حروب الجيل الرابع والخامس التى استطاعت الدول الاستعمارية أن تبدأ فى لعبة الشرق الأوسط الجديد وتقسيم المنطقة العربية بما سمته بثورات الربيع العربى وما هى إلا نكسات الربيع العربى. لمحة فى حياة كاتب المقال: ذهبت لمراقبة انتخابات ألمانيا عندما رشحت ميركيل نفسها رئيسا لألمانيا، وكنت رئيسًا لوفد برلمانى يشمل جميع الأطياف السياسية. وحضرت مؤتمرًا صحفيًا إعلاميًا اقامته الحكومة الألمانية بعد انتهاء المهمة، وسئلت من جانب الصحفيين الألمان وغيرهم: «هل لديكم فى مصر حرية مثل حريتنا وصحافة مستقلة مثل صحافتنا» فقلت لهم هل لديكم فى دستوركم باب كامل يحمى الحريات وحرية الصحافة والإعلام ويجعلها سلطة مستقلة مثل دستورنا فقالوا لا، فقلت لهم نحن فى مصر أكثر منكم حرية وحماية للصحافة والإعلام. فسئلت على الهواء مباشرة وما رأيك فى حرياتنا، فقلت يؤسفنى أن أقرر أن ألمانيا دولة محتلة بالجنود الأمريكان بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية وبالتالى فإن إرادتكم ليست كاملة أما مصر فقد نالت الاستقلال الكامل. وعندما عدت إلى مصر اتصل بى السفير الألمانى فى ذلك الوقت ودعانى على العشاء على مائدته على مطعم شهير بالزمالك وأثناء العشاء طلب منى أن أتحدث للمدعوين عما قلته فى هذا المؤتمر الصحفى عن التباين بين الموقف المصرى الحر والموقف الألمانى المحتل، فأخذت الحديث وشرحت للجالسين وهم نخبة من الدبلوماسيين الأمر تفصيلا، وهنا قام السفير الألمانى طالبا الكلمة وقال لى بالحرف الواحد: لا تنس أيها المستشار رجب أن الشرق الأوسط الجديد سيحل محل الشرق الأوسط الحالى فلا تتعجل الأمور، وكان ذلك فى عام 5991. فالشرق الأوسط الجديد وتقسيم الدول العربية إلى دويلات والقضاء على قوتها كان فكرة استعمارية نقلت إلينا صراحة، وكان يجب علينا أن نستعد لمواجهة هذا الغزو النفسى والسيكولوجى والاقتصادى منذ هذا التاريخ بل وقبل هذا التاريخ. لعل ذلك يدفعنا إلى محاولة تعريف الحرب النفسية والصراع الأيديولوجى وما يعبر عنه من مصطلحات حاولت أن أجمعها كالآتى فهو: الحرب الباردة، وحرب الأفكار، والنضال من أجل الحصول على عقول الرجال وإرادتهم، والحرب من أجل السيطرة على عقول الرجال، وحرب الفكر، والحرب الأيديولوجية أو العقائدية، وحرب الأعصاب، والحرب السياسية، والاستعلامات الدولية، واستعلامات ما وراء البحار، وحملة الحقيقة، والدعاية، والدعاية الدولية، وحرب الدعاية، وحرب الكلمات، والعدوان غير المباشر، والإعلام الدولى. وعلى ذلك أيها المصريون الأعزاء علينا أن نتبع توجيهات الرئيس بتجديد الخطاب الدينى والسياسى والثقافى، وبهذه المناسبة فإننى بعد أن تابعت انتخابات المستشار الألمانى «ميركيل» اكتشفت أثناء المتابعة أن ألمانيا مليئة بمعاهد تسمى بمعاهد التثقيف السياسى: «SLOOHCE NOITACUDE CIVIC». وتبين لى من زيارة بعض هذه المدارس أن الحكومتين الألمانية والإيطالية بعد هزيمة النازى بقيادة هتلر وهزيمة الفاشيست موسولينى قرروا لعدم تكرار هذه الهزيمة أن يغيروا من تثقيف الشباب الألمانى والإيطالى الذى آمن بالتطرف فحطم العالم وحطم بلاده فأنشأوا مدارس التثقيف السياسى بتشريعات منضبطة تمنع من التطرف وتضبط ايقاع الثقافة السياسية ولا تسمح بأى مواطن ألمانى أو إيطالى أن يشغل منصبا حكوميا أو مهنيا إلا بعد اجتياز اختبارات التثقيف السياسى. وفى مصر هنا فإن توجيهات الرئيس بتجديد الخطاب الدينى تقتضى فى رأيى أن يقوم الأزهر الشريف بإنشاء فروع التثقيف السياسى والدينى من أجل محاربة التطرف على أن يكون واضعو هذا البرنامج من رجال الأزهر وأساتذة العمل السياسى والاقتصادى وعلماء الاجتماع والقانون، وأن يقوموا هم أيضا بالمساهمة فى التدريس فى هذه المعاهد وألا يسمح لغير الخريجين من هذه المراحل التثقيفية بالعمل بالحكومة أو القطاعات الأخرى ما لم يكونوا حاصلين على اجازة التثقيف السياسى والدينى حتى تنجو البلاد من التطرف الذى هو المهد الخصب لبذور الإرهاب. وللحديث بقية