لم تكن سفينة السلاح القادمة من تركيا إلى ليبيا قبل أيام، والتي دمرها الجيش الليبي سوى حالة واحدة من حالات عدة تثبت تورط أنقرة في الأزمة الليبية لصالح دعم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها قوات فجر ليبيا التي تمثل الإخوان المسلمين وكذلك تنظيم داعش الإرهابي. ويؤكد المتحدث باسم الجيش الليبي الرائد محمد حجازي، أن السفينة كانت محملة بالسلاح بهدف توصيلها إلى تنظيمات إرهابية في مصراتة، موضحا أن تركيا حاولت عدة مرات تزويد الميليشيات المحسوبة على جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية بصواريخ حرارية مضادة للطائرات، عبر سفن ويخوت تحميها قطع بحرية تركية. وتمثل هذه الأنواع من الأسلحة تطورا نوعيا تزداد خطورته إذا علمنا أن تركيا حركت قطعاً من سلاحها البحري لحماية تلك السفن قبل وصولها إلى المياه الإقليمية الليبية. الاتهامات بتواطؤ تركيا لصالح دعم الميليشيات الإرهابية ليس عفو الخاطر. فقد اتهم عبدالله الثني، رئيس الوزراء الليبي المعترف به دوليًا، الشهر الماضي، تركيا بإرسال أسلحة لمنافسيه من المتطرفين الذين استولوا على العاصمة الليبية، طرابلس، العام الماضي. وقال في مقابلة سابقة مع التليفزيون المصري «إن تركيا بلدٌ لا يتعامل بصدقٍ معنا. إنها تصدر أسلحة لنا يقتل بها الليبيون بعضهم البعض». وفي يناير الماضي، ادعى المتحدث باسم البرلمان الليبي أن تركيا لا تزال تدعم الميليشيات الإرهابية في ليبيا. وفي ديسمبر، ادعى ناشطٌ بارز مستقر ببنغازي أن أنصار الشريعة في ليبيا، أحد الفصائل الموالية للقاعدة والتي قامت بأعمال عنف ضد الحكومة الليبية المعترف بها، ممولة جزئيا من قبل رجال أعمال تربطهم علاقات تجارية بتركيا. وقبل أسبوعين، ادعى القائم بأعمال وزير الداخلية بالحكومة المحاصرة في طبرق، أن الطائرات التركية والقطرية تحلق فوق وتنطلق من قاعدة معيتيقة الجوية، التي يسيطر عليها تحالف فجر ليبيا المعارض، ما يشير إلى «دعم واضح وصريح للإرهاب في ليبيا. وتعود تقارير تدخل تركيا في الشأن الليبي إلى يناير 2013، عندما أشارت صحيفة «حرييت» التركية إلى أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحة تركية على متن سفينة متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي ديسمبر من ذلك العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضًا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاويات من الأسلحة قادمة من تركيا ويعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية. وفي العام التالي، أغسطس 2014، ورد أن القائد العسكري لعملية الكرامة المؤيدة لحكومة طبرق، خليفة حفتر، أمر قواته بقصف سفينة متجهة إلى ميناء درنة الليبي ومحملة بأسلحة قادمة من تركيا. وبعد ثلاثة أشهرٍ، في نوفمبر 2014، ذكرت وسائل الإعلام التركية، أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشينكوف (AK-47) على متن سفينة متجهة من أوكرانيا إلى ليبيا. وقال الربان التركي إن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، ولكن السلطات الليبية قالت إن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أنها كانت متجهة إلى ليبيا. وفي الشهر التالي، وفقاً لتقرير أعدته الصحافة اللبنانية، اعترضت السلطات الليبية باخرة كورية كانت في طريقها إلى مدينة مصراتة الساحلية المحاصرة، وذكر التقرير أنها كانت منطلقة من تركيا. وكانت السفينة محملة بحاويات الأسلحة والذخائر التي يقال إنها كانت موجهة للميليشيات الإسلامية. وفي يناير الماضي أيضا، ادعى مسئول بالجيش الليبي أن كلًا من تركيا وقطر كانتا تزودان عملية فجر ليبيا بالأسلحة عبر السودان، التي طالما كانت نقطة عبور للأسلحة الإيرانية للجماعات المتطرفة بالشرق الأوسط. وسواء عن طريق البر أو البحر، يمثل أي إرسال لمساعدات قتالية انتهاكاً مباشراً لحظر الأممالمتحدة على الأسلحة. أوضح تقرير صدر عن الأممالمتحدة أن تركيا كانت إحدى 10 دول – منها بيلاروسيا واليونان والمجر وأوكرانيا – تورطت في إرسال أطنان من الذخيرة للفصائل الليبية المتناحرة رغم الحظر. وأشار التقرير إلى أن خرق الحظر لا يهدد الأمن الليبي فقط، وإنما يمثل أيضا تحديا أمنيا كبيرا لدول المنطقة الأخرى، لاسيما من منظور الإرهاب. ولا يقتصر الأمر على إمداد إرهابيي ليبيا بالأسلحة، إذ توفر تركيا ملجأ لهم. ففي يناير، أكدت أنصار الشريعة، إحدى الميليشيات الليبية، مصرع قائدها، محمد الزهوي، بمستشفى تركي، حيث كان يتلقى علاجا لإصابة لحقت به في معارك بنغازي. وأرسلت تركيا جسده ليدفن في مصراتة. لكن «مصالح تركيا» هي كلمة السر في تورط حكومة حزب العدالة والتنمية في الصراع الدائر في ليبيا بين حكومة معترف بها دوليا وميليشيات إرهابية. ذلك لأن أنقرة تدعم المسلحين الإسلاميين هناك، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي خسرت السلطة في مصر وتونس. هذه المصالح كانت سببا في اختلاف موقف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوجان حيال ثورات الربيع العربي من بلد لآخر، فبينما كان أردوجان من أوائل من سحب ثقته في الرئيس المصري حسني مبارك وطالبه بالاستقالة، إلا أن هذا الموقف تغير عندما انتقل الأمر إلى ليبيا، وبقيت ردود فعله على المظاهرات الشعبية التي اجتاحت الشوارع والمدن حذرة لفترة طويلة. ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى العلاقات الاقتصادية الوثيقة القائمة بين تركيا وليبيا، حيث تبني شركات تركية منذ سنوات مصانع، وطرقا، ومناطق سكنية، ومجمعات للتسوّق ضخمة. وفقط عندما تحولت المظاهرات إلى حرب أهلية دامية واضطرت تركيا إلى إعادة عشرات الآلاف من مواطنيها من ليبيا بدأ أردوجان في أنقرة يطالب القذافي بالرحيل. ولا عجب في ذلك، إذ إن الأمر يتعلق بصفقات تبلغ مليارات عدة، ما يفسر الموقف الدبلوماسي المضطرب الذي مارسته أنقرة في بدايات اندلاع الثورة الليبية، وصل إلى حد إحجامها عن تأييد عملية الناتو في ليبيا برغم عضويتها في الحلف. لكن سرعان ما بدأت تركيا في إعادة ترتيب أوراقها، وقدمت دعمها وتأييدها لضربات الحلف في هذا البلد العربي، بعدما رأت في الثورة الليبية فرصة أكبر تضمن فيها مصالحها الاقتصادية الضخمة من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين، التي ستضمن استمرار مصالح الشركات التركية فضلا عن أنها ستكون أداة طيعة في خدمة توجهات السياسة الاردوجانية الحالمة بإعادة الخلافة العثمانية وفرضه هو شخصيا سلطانا جديدا. ومنذ ذلك الحين، وضعت أنقرة كل بيضها في سلة الإرهابيين، الذين تتصدرهم جماعة الإخوان، من أجل نيل مكاسب اقتصادية لن تستطيع الفوز بها في حالة وجود غيرهم على رأس السلطة، وهي الآن تقاتل بشراسة من أجل أن تكون الكلمة الفصل لهؤلاء الإرهابيين حتى تضمن سيطرتهم على العملية السياسية هناك، وفي وجهة نظرها أن هذا لن يكون إلا بقوة السلاح.