أما الداخل الإيراني الذي يتباهي «هيكل» بأنه يمثل الحضارة الفارسية، فسنجد بعد أكثر من ثلاثين عاما من الثورة الخومينية، الانقسامات السياسية والعرقية والطائفية لتسود إيران بدءا بالصراع السياسي بين الإصلاحيين والمتشددين، والذي تمثل في تصفية وإقصاء أصحاب التيار الإصلاحي، وقتل وسجن أتباعه، إلي جانب صراعات عرقية وطائفية بين القوميات التي تشكل 40٪ من شعب إيران في المحافظات الحدودية، وهم العرب السنة في إقليم خوزستان «عربستان» في الجنوب حيث تتواجد معظم آبار النفط، والأكراد في الغرب، والأذريين في الشمال، والبلوش في الشرق حيث تسود هذه المحافظات الثورات والانتفاضات من حين لآخر.. كما لم يعد نظام حكم الملالي قادرا علي تحقيق الاستقرار أو حتي انفراج الحريات في حدودها الدنيا، فمازالت الشعوب الإيرانية تعاني الفاقة في معظم شرائحها الدنيا والمتوسطة، كما تعاني من نقص فادح في الحريات، ناهيك عن الفساد المستشري في الطبقة الحاكمة التي يسيطر عليها الحرس الوري ذو الفيالق الخمسة، وأخطرها فيلق القدس المسئول عن العمليات الخارجية وتصدير الثورة الخومينية الي الدول الأخري، ويقوده الجنرال قاسم سليماني الملطخة أياديه بدماء العرب في البحرين وسوريا ولبنانوالعراق. وأبرز دليل علي خطورة الانقسامات التي تسود الجبهة الداخلية في إيران، التحذير الأخير الذي وجهه الجنرال «رسولي ستابي راد» المساعد السياسي في الحرس الثوري الإيراني من الانقسام وتعميق الخلافات في داخل إيران، مطالبا التيارات السياسية الإيرانية بالحفاظ علي الوحدة وتجاوز الخلافات السياسية والالتفاف حول المصالح الوطنية بدلا عن «الأهداف السياسية والحزبية الحقيرة». أما عن تدهور الوضع الاجتماعي في إيران فإن أبلغ دليل علي ذلك ما جاء في التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول «الاتجار بالبشر» حيث أدرج هذا التقرير إيران في القائمة السوداء بين البلدان التي يقع في الاتجار بالبشر والعمل الإجباري و الدعارة، وأفاد التقرير بأن إيران أصبحت نقطة انطلاق ومعبرا ومقصد شبكات الاتجار بالبشر والعبودية الجنسية». كما اتهم التقرير المسئولين الإيرانيين بالتورط في الإتجار بالبشر واستغلال النساء والمراهقات وتهريبهن إلي بلدان أخري لأغراض جنسية، وقد وضع هذا التقرير «حول الإتجار بالبشر»، إيران الي جانب دول مثل زيمبابوي وكوريا الشمالية وروسيا وتايلاند وفنزويلا.. فهل هذا المستوي المتدني من الحضارة الذي يسود إيران هو المثل الأعلي والنموذجي الذي يتباهي به «هيكل»، ويستحق أن يكون موضع احترام وتأسي واقتداء من جانبنا؟! بالقطع إن الإجابة عن هذا السؤال هي «لا» فما أحطها تلك الحضارة الفارسية التي يتباهي بها «هيكل» وليذهب معها الي الجحيم. إن الأوضاع الداخلية المتدهورة في إيران علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخشية نظام حكم الملالي من ثورة شعبية كاسحة تطيح به بعد أن اكتشف الإيرانيون أنهم وقعوا في شباك الخديعة التي نصبها لهم رجال الدين، هي التي تدفع حكام إيران من الملالي ورجال الجرس الثوري الي ترحيل الصراع الداخلي أطول فترة، والاستعاضة عنه بصراع خارجي تمثل فيما يدعونه حول استعادة الإمبراطورية الفارسية. إلا أن التجربة المصرية التي أطاحت بنظام حكم الإخوان في مصرة ثورة 30 يونية تعطي المثل والقدوة في كيفية الإطاحة بالنظم الديكتاتورية بعد أن اكتشف المصريون أنهم كانوا مخدوعين ومضللين في جماعة الإخوان وحلفائهم السلفيين طوال 85 عاما، نتيجة المتاجرة بالشعارات الدينية البراقة واستخدامها للوصول الي السلطة والسيطرة علي الحكم، فأطاحوا بالإخوان بعد سنة واحدة من حكم مصر، وهذا هو نفس المصير الذي ينتظر نظام حكم الملالي في إيران.. شاء «هيكل» أم أبي. وفي ظل استمرار إيران في التخطيط لتصدير الإرهاب الي الدول العربية بدءا بدول الخليج، وهو ما كشفته أجهزة المخابرات الخليجية والمصرية وكان آخرها خلية «البحرين» التي نفذت عملية إرهابية في المنامة في الأسبوع الأخير من يوليو الماضي، فقد أثبتت التحقيقات أن عناصر هذه الخلية تدربوا مع سعوديين في إيران علي تهريب الأسلحة والمتفجرات، والتخطيط لعمليات تستهدف رجال الأمن في السعودية والبحرين، هذا فضلا عن كشف معسكرات متواجدة ف طهران لتنفيذ مخططات تستهدف تهديد الأمن في كافة دول الخليج خاصة السعودية والبحرين فهل بعد كل ذلك يمكن أن يكون هناك مجال للحديث عن المصالحة مع إيران التي يطالب بها «هيكل» وحواريوه! لقد أثبتت الأحداث عبر السنوات الثلاثين الماضية أن فكرة المصالحة مع إيران فاشلة، حيث تدير إيران منظومة عدوانية واسعة.. أطرافها نظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والأحزاب الشيعية في العراق، وحماس في غزة والإخوان في مصر، وأحزاب الله الخليجية التي يتم تشكيلها وتدريبها في إيران وجنوب العراق لتصدير الإرهاب الي داخل الدول الخليجية كما أبدت هذه الدول حسن النية في تعاملها مع إيران حين صدّقت علي المزاعم الإيرانية بحسن نواياها تجاه دول الخليج، ومدت يدها الي طهران وفتحت حدودها وعواصمها وحاولت وجربت وجري تبادل زيارات المسئولين في بلدان الخليج وإيران، وفتحت مكاتب تجارية لإيران في العواصم الخليجية، فماذا كانت النتيجة؟ اكتشفت الدول الخليجية أن النظام الإيراني زاد عدوانية ضدها، وأنه استغل طيب النية وحسن العلاقة لتهريب أسلحة وتجنيد معارضته، والتآمر داخليا وخارجيا، وبالتالي فإن ما يطرحه «هيكل» وحواريوه عن ضرورة التصالح مع إيران، يعبر عن منطق غير سليم في ظل التأكد الكامل من عدوانية إيران واستمرار مطامعها في العالم العربي كله، وليس دول الخليج فقط. أما ما يدعيه «هيكل» عن وجود تناقض بين أمريكا وإيران فهو ادعاء غير صحيح لأن كلا من الطرفين يخدم مصالح الآخر.. ذلك أن أمريكا تسعي لبسط هيمنتها علي المنطقة كلها من خلال أمرين: الأول تعريب الصراع العربي الإسرائيلي بأن تحوله الي صراع عربي - عربي، وهو ما لم يخفيه هنري كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الأمريكية منذ أكثر من نصف قرن وحتي اليوم، وقد شاهدنا معالم هذا الصراع واضحة في الصراعات العربية - العربية التي نشبت في السنوات الأخيرة، أما الأمر الثاني فهو تحقيق مخطط إحداث صراع آخر بين دول «الهلال الشيعي» و«القوس السني»، وهو ما نراه قائما وواقعا في الصراعات الدائرة في سوريا ولبنانوالعراق واليمن والبحرين، وفي كلا الأمرين فإن إيران هي الطرف الرئيسي لتنفيذ هذه المخططات الأمريكية، ناهيك عما تجنيه أمريكا من مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية بزيادة اعتماد دول الخليج عليها في مواجهة الأطماع والتهديدات الإيرانية، لا سيما بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول 5 +1، والذي يصب بالكامل في صالح إيران، خاصة بعد اكتشاف وجود، بروتوكولات سرية لهذا الاتفاق لم يكشف عنها تمكن إيران من الاستمرار في برنامجها لتطوير سلاح نووي في غيبة رقابة الوكالة الدولية الطاقة النووية. ومما يدل علي توافق المصالح والأهداف الأمريكية مع الإيرانية، علي عكس ما يزعم «هيكل» هو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي «كيري» الأخيرة لمصر ودول الخليج بدعوي طمأنتها من الاتفاق النووي مع إيران، أنه اعترف بأن واشنطن تعتبر إيران الدولة الأولي الراعية للإرهاب في العالم، لأن أحدا في العالم لا يستطيع أن يتجاهل أو ينفي الدور القذر الذي تلعبه إيران في دعم تنظيم القاعدة الإرهابي، حيث استضافت زعماءها ومنهم بن لادن، وأبناؤه لعدة سنوات علي أرضها، ناهيك عما يمارسه عملاؤها من أعمال إرهابية في مختلف الدول العربية، كما أن تعهدات أمريكا بالدفاع عن دول الخليج في حالة امتلاك إيران سلاحا قويا هو نوع من «الهزار المرفوض في وقت الجد» أو كما يقول المثل الشعبي «ضحك علي الدقون»، وهو ما لا أعتقد يمكن أن ينطلي علي قادة دول الخليج وذلك لسببين رئيسيين: الأول: أن الجميع يعرفون جيدا أن إيران مع افتراض امتلاك سلاح نووي فهي لن تستخدمه أبدا لتنفيذ مخططاتها التوسعية في العالم العربي، بل تستفيد منه فقط لردع الدول العربية، وتخويفهم وبما يسهل لإيران إنفاذ مخططاها للهيمنة علي هذه الدول. أما السب الثاني: فهو أن التعهد الأمريكي اقتصر فقط علي حماية دول الخليج من السلاح النووي الإيراني، وتزويدها بأسلحة مضادة مثل الصواريخ «باتريوت» المضادة للصواريخ وهو ما يصب ضمنيا في المصلحة الأمريكية، لكن واشنطن لم تتعهد أبدا بالتصدي للمخططات التوسعية الايرانية في العالم العربي، وهو التهديد الرئيسي الذي تواجهه كل الدول العربية وليس الخليجية فقط، هذا رغم التصريح الأخير لوزير الخارجية الأمريكي «كيري» والمشار إليه معه آنفاً بأن «ايران دولة راعية للارهاب» وادراك الجميع أن ايران في حالة امتلاكها سلاحاً نووياً ومن المعتقد أنها تملك تقنيته - لن تعلن ذلك، بل ستتبع نفس الاستراتيجية النووية الاسرائيلية، والمسماة «الردع بالشك» أو «القنبلة في القبو» وهو ما يخدم استراتيجية الردع. بل إن الرئيس الامريكي أوباما كان واضحاً وصريحاً في أن أمريكا لن تدافع عن دول اخرى في مواجهة الارهاب، وعلى كل دولة أن تعتمد على نفسها في مواجهة ما تتعرض له من تهديدات ارهابية أو توسعية، وهنا يبرز سؤال حول أهمية أو قيمة ما تدعيه واشنطن من «تعهدها بحماية اصدقائها في الخليج»؟! تهجم هيكل على مصر ورئيسها - ولأن الرئيس السيسي رفض أن يكرر خطأ عبد الناصر عندما قرب هيكل اليه، وجعله عرّاب ثورة 23 يوليو وكاتب خطبه، وهو ما أدى الى اصدار عبد الناصر قرارات فاشلة ومهلكة، سبق الاشارة اليها، فإن هيكل كال في حواره الأخير مع صحيفة «السفير» الاتهامات للدولة المصرية التي يقف على رأسها السيسي حتي انه قال لمحاوره: «إن مصر كلها في أزمة.. وأنت أمام بلد لايزال يدعي أنه كويس وهو مفلس»!! وهو التصريح الذي أغضب ملايين المصريين، وأثار استهجان كثير من القراء والمحللين، هذا في الوقت الذي كان يتحدث فيه هيكل - وهو من يصفه حواريوه بأنه «المناضل السابق» و«الثوري المتقاعد» - من فيلته المليونية الخاصة على واحد من أغلى الشواطئ المصرية على البحر المتوسط، وكان يدخن سيجاره الكوبي الفاخر، وقد تساءل كثيرون: كيف يتحدث هيكل عن «فقر بلده» وهو يمتلك مثل هذه الفيلا المليونية، ويدخن مثل هذا السيجار الذي يكفي ثمن واحد منه أن يسدد ايجار بيت أحد المصريين لسنة كاملة» - على حد تعبير أحد المعلقين على حديث هيكل، وهو في هذا الافتراء والتطاول على بلده الذي صنع فيها اسمه ومكانته الزائفة.. يتجاهل حقائق كثيرة حول التقدم الاقتصادي الذي حققته مصر في عهد السنة الأولى من حكم السيسي، ربما كان أولها انهاء الازمات الحادة التي كان يعاني منها المصريون، مثل توزيع الخبز، وتوفير الوقود للسيارات، وانقطاع الكهرباء.. وآخرها وليس بآخر افتتاح قناة السويس الجديدة، والتي ستوفر موارد مالية اضافية لمصر ستستفيد بها في مشروعات التنمية التي تحتاج تمويلاً، ناهيك بالطبع عن نجاح الدولة المصرية في السنة الأولى من حكم السيسي في أن تقضي على نسبة كبيرة من الارهابيين وروافدهم ومصادر تمويلهم وتسليحهم، فضلاً عن تنفيذ معظم مراحل المرحلة الانتقالية.. آخرها الانتخابات البرلمانية المقرر لها نهاية هذا العام، وهو ما جعل مصر موضع احترام وتقدير معظم دول العالم التي عززت علاقاتها مع مصر، وأعادت لها مكانتها الدولية بعد أن صارت مؤثرة بدرجة كبيرة في السياسة العالمية، خاصة بعد أن تخلصت مصر من الضغوط الأمريكية بتنويع مصادر السلاح، ورغم كل هذه الانجازات علي كافة الأصعدة، نحد الحاقد هيكل يدعي «عدم وجود رؤية واضحة لما ستكون عليه مصر مستقبلاً»!!، وكلها انجازات لا ترضي الحاقد هيكل، بل تأكل قلبه لأنه يريد أن يرى مصر محطمة ومنهزمة ومفلسفة.. خدمة لرغبات أسياده وأولياء نعمته في طهران، في حين أنه هو المفلس فكرياً وأخلاقياً ولا يتمتع بأي قيم وطنية ولا دينية ولا أخلاقية، فلم يكن له ولاء لمصر اطلاقاً.. حتى في زمن عبد الناصر، حيث كان ولاؤه فقط لنفسه وفرعونه. - ومما يدل على جهل هيكل باتهامه لمصر بعجزها عن بناء تحالف عربي، وهو كذب وافتراء ينفيه انخراط مصر في تحالف العشر دول عربية المشتركة في تحرير اليمن من الحوثيين عملاء ايران، وحيث تقوم أربع قطع بحرية مصرية بتأمين مضيق باب المندب الذي تحاول ايران السيطرة عليه والتحكم فيه لتعيق مرور السفن من وإلى قناة السويس، فضلاً عن مشاركة المقاتلات المصرية في قصف مواقع الحوثيين، وتعزيز دفاعات المقاومة الوطنية في عدن، والتي انطلقت منها قوات يمنية وطنية لتحرير باقي اليمن من الحوثيين، ناهيك عن المناورات التدريبية العسكرية برية وبحرية وجوية التي تشارك فيها القوات المصرية مع دول الخليج دورياً، كذلك مشاركة مصر في بناء قوة عربية مشتركة. فهل بعد كل هذه الانجازات يمكن الادعاء بغياب مصر عن محيطها العربي على حد زعم الموتور هيكل؟! إن تعهد الرئيس السيسي بأن مصر ستلبي أول نداء من جانب شقيقاتها - الدول الخليجية - لن يزيد زمن تلبية النداء على «مسافة السكة»، يثبت ويؤكد بطلان مزاعم هيكل من عزلة مصر اقليمياً ودوليا، وانهماكها في حل مشاكلها الداخلية، وينفي ادعاءه «بغياب مصر» عن محيطها العربي. - أما ادعاء هيكل بأن «مشكلة العالم العربي تتمثل في عدم وجود ارادة لدى المسئولين فيها لصنع تاريخهم» فهو ادعاء باطل وسخيف ينفيه الواقع الذي يشير الى وجود ارادة قوية لدى الحكام العرب اليوم لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.. أبرزها التهديد الايراني، والارهاب الذي تتزعمه جماعة الاخوان وحلفاؤها الذين خرجوا من عباءتها - مثل داعش وأنصار بيت المقدس والقاعدة.. وغيرهم، ومواجهة الفكر المتطرف بالفكر الديني السليم، فضلاً عن مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد نجحت مصر في استصدار تصريح أخير من وزير الخارجية الأمريكية «كيري» بأن «بلادها لديها معلومات عن تورط بعض قيادات الاخوان في أعمال العنف»، وهو التصريح الذي شكل كابوساً لجماعة الاخوان الذين تكالبوا علي الادارة الامريكية والكونجرس الامريكي لدعم حملتهم السوداء ضد بلدهم مصر. خلاصة القول - إن من يراجع حوار هيكل الأخير مع صحيفة «السفير» اللبنانية يلاحظ تكرار عبارات معينة حرص هيكل أن يحتوي عليها حواره مع رئيس تحرير هذه الصحيفة.. مثل التأكيد على «دقة الذاكرة عند الرجل»، وأن «ذاكرته المتميزة تحتفظ بشبابها، وأنها كانت حاضرة بقوة في الحوار»، وفي فقرة ثانية وصف المحاور ذاكرة هيكل بأنها «نضرة» وفي فقرة ثالثة قال المحاور «أن لهيكل ذاكرة فيل، فهو نادراً ما ينسى»، فماذا يعني ذلك؟ إن هيكل في حرصه على أن يضم الحوار هذه العبارات إنما يريد أن ينفي عن نفسه اتهام الخرف الذي كان سمة احاديثه في الآونة الأخيرة، وهى حقيقة ليس فقط بسبب تعديه العقد التاسع من عمره، ولكن لتركيبة نفسه المريضة بالبارانويا منذ زمن طويل، حيث لا يرى سوى نفسه وفرعونه الذي رحل في عام 1970، لم يعد أمام هيكل سوى عبادة نفسه والتهجم على كل من يرفض الاعجاب به ولا يستجيب لإلحاحه في التقرب اليه، حقيقة الأمر أن تصريحات هيكل الأخيرة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه تعدى مرحلة الخرف الى الموت الاكلينيكي والتي يعيش فيها منذ 45 سنة حين رحل عبد الناصر، أما تهجم هيكل على السعودية ومصر فهو يمثل المادة الخام للخرف السياسي والأخلاقي عند هذا الرجل. - كما تؤكد كلمات هيكل في حواره مع صحيفة السفير أن لديه عنصرية ضد دول الخليج عامة، هذه العنصرية التي ظهرت بوضوح عند غزو العراق للكويت عام 1990 حين علق عليها هيكل قائلا: هذا صراع بين سكان مدن الصحراء وسكان مدن الحضارة أما حرب تحرير الكويت في «عاصفة الصحراء» عام 1991 فقد وصفها بأنها «حرب صليبية جديدة» وبنى ذلك على أساس تفسيرات هى أشبه بهلوسات منها للحقائق، كما تؤكد تصريحات هيكل وكتاباته عبر أكثر من نصف قرن أنه من صنع الطغاة والظلمة في العالم العربي، ولا ينطق الا عن الهوى، ناهيك عن أن صعود السعودية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على المستويين الاقليمي والدولي أثار حقد وحنق وغيرة هذا العجوز التسعيني، فضلاً عن كذب نبوءاته بتكبد السعودية خسائر كبيرة جراء شنها عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، فعلى عكس هذه النبواءات الخائبة حققت هذه العاصفة نتائج مبهرة في التصدي للحوثيين وقوات عبدالله صالح، وتحرير مدن يمنية من الهيمنة الايرانية.. بدءاً بعدن وقاعدة العديد ومحافظة لحج ثم باقي المدن اليمنية وصولاً الى صنعاء. - كما أن حوار هيكل الأخير يؤكد ما سبق أن أشرنا اليه في مقالات سابقة بأنه «كذاب أشر» حيث يجري الكذب على لسانه مجري الدم في العروق، وهو ما وصفه به ضباط ثورة 23 يوليو - وآخرهم زكريا محيي الدين وجلال ندا - الذي أكد أن «هيكل قلب الوقائع.. وأنه أقام حوارات وهمية لا أساس لها من الصحة»، بل ونشر في «أخبار اليوم» أثناء حرب 1948 أخباراً عن انتصارات وهمية في عراق سويدان ومدن أخرى، كانت في حقيقتها هزائم وانكسارات، فضلاً عن حقيقة مهمة كشفها جلال ندا عن هيكل.. وهى ادعاؤه انه البطل في كل حكاياته التي رواها، رغم أن جميع الشهادات اكدت زيف الادعاء الهيكلي، وتؤكد في نفس الوقت أن هيكل ليس إلا نتاج اسطورة، والاسطورة تُصنع من كذبة تتكرر حتى تصبح واقعاً، ولكنها تظل كذبة مهما طالت.. فقد ظل هيكل لسنوات طويلة بوق فرعون وصانع هيبته في نظر العامة وتبرير قراراته الفاشلة، وجعله اسطورة انهارت مع هزيمة يونيو 1967 ثم انتهت تماما في سبتمبر 1970 بوفاة فرعون متحسراً بهزائمه العديدة وليس هزيمة 67 فقط، فقد سبقتها هزائم اخرى ثم الاشارة اليها آنفا في السويس وسوريا واليمن. - ولقد حاول هيكل في حواره أن يمارس هوايته الحقيرة في الايقاع بين مصر والسعودية، والادعاء بأن مصر تفكر في اعادة العلاقات مع ايران، على عكس ما تسعى له السعودية، وهو ما نفاه المسئولون في البلدين، بل وأكد الرئيس السيسي في احتفال الكلية الحربية بتخريج ضباط جدد، والتي حضرها نائب نائب ولي العهد السعودي، وقوله الذي كرره أكثر من مرة: «إنكر لن ترونا إلا معاً»، وأضاف: إن ذلك «رسالة الى كل العالم»، ودعم ذلك بوثيقة تعاون بين البلدين فيما يعرف ب «اعلان القاهرة»، وتمديد تواجد القوات المصرية في التحالف العربي الخاص بحرب اليمن لمدة 6 أشهر أخرى، فضلاً عن زيارة وزير الخارجية السعودي لمصر وإجرائه حواراً استراتيجياً مع نظيره المصري، مع وعد من الملك سلمان بزيارة مصر في القريب. - أما علاقات مصر بإيران.. فتحكمها سياسة ايران العدوانية ضد مصر.. وكانت أبرز معالمها ماقاله الجنرال قاسم سليمان قائد فيلق القدس في 24 نوفمبر 2012 في مدينة «اكيهان» بجنوب ايران أمام حشد ضم 50 ألفاً من الحرس الثوري و«الباسيج»: «إن مصر ستكون ايرانية شاءوا أم أبوا»!! وهو بهذا التصريح انما كان يعبر عن حقيقة الأهداف في النوايا الايرانية تجاه مصر ووجود جماعة الاخوان ولوبي صحفي على رأسه هيكل وهويدي يروجون لايران وسياستها لتحقيق أهدافها في مصر، وهو ما أكدته عمليات التجسس الايراني ضد مصر، وكان ابرزها عام 2010 عندما تم اكتشاف مؤامرة ايرانية بواسطة خلية ارهابية يرأسها سامي شهاب من حزب الله لتنفيذ أعمال تخريبية فى منطقة القناة وسيناء، وهو ما اعترف به حسن نصر الله المعجب به هيكل عندما قال في حواره الأخير للسيد حسن نصر الله: إشعاع يعنى.. فلا تحمله ما لا يطيق ثم يبرر هيكل تدخل حزب الله في سوريا، فيقول «قتال حزب الله في سوريا هو للدفاع عن نفسه وليس معركة إثبات نفوذ»، فإن ذلك يعني دفاعاً عن الدور القذر الذي يلعبه حزب الله، ليس فقط في لبنان، بل وفي سوريا مساهمة في تقسيمها، وبإنشاء وتدريب «أحزاب الله الخليجيين» لتصدير أعمال إرهابية إلي دول الخليج، ناهيك بالطبع عن محاولات إيران للسيطرة علي مضيق باب المندب لعرقلة الملاحة في قناة السويس. - كل هذه العداوة التي تكنها إيران لمصر تجاهلها هيكل في محاولاته البائسة لتلميع إيران، ولم يكن ذلك غريباً عمن يحمل جنسيتها، أما ادعاء هيكل بأن «ضغوطاً تمارس علي السيسي لثنيه عن التقارب مع طهران» فإنه لم يكشف لنا عن مصدر هذه الضغوط، وهل هي عربية أم مصرية؟ متجاهلاً حقيقة مهمة يعلمها الجميع عن الرئيس السيسي، وهي أنه رجل لا يقبل بأي ضغوط تمارس عليه.. سواء من الداخل أو الخارج، لأنه بحكم رؤيته الواضحة يعلم حقيقة من هم أعداء مصر في الداخل والخارج وما هي أهدافهم، والتمييز بينهم وبين أصدقاء مصر الحريصين على أمنها ومصالحها، وهذه الحقيقة أيضاً لم يدركها هيكل لأن حقده علي السيسي وما يمثله من نظام سياسي في مصر طمست علي عقله وبصره.. فلا يري سوى أسياده في إيران وأمريكا. - وعندما نستعيد كلمات هيكل عن أمريكا، وإظهارها بأنها لا تجد في المنطقة من يتصدى لمخططاتها سوي إيران، متجاهلاً حقيقة وقوف مصر ودول الخليج في وجه هذه المخططات وإفسادها.. بدءاً بإفساد الرهان الأمريكي علي الجماعات الفوضوية فريدم هاوس الذين تربوا فى أمريكا وصربيا تحت اسم «الربيع العربى» لإحلال الفوضى في دول المنطقة، ثم إفساد الرهان الأمريكي علي جماعة الإخوان، فضلاً عن فشل أمريكا في استخدام سلاح المساعدات الأمريكية للضغط على مصر لتغيير سياستها، بل ورد مصر السريع علي ذلك بتنويع مصادر تسليحها في روسيا وفرنسا والصين، ناهيك عن تحدى شن الحرب في اليمن ضد إيران والحوثيين.. فإن هيكل يريد أن يخفي حقيقة أنه كان ولايزال عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية، وهو ما كشف عنه كتاب «لعبة الأمم game of nations ل«مايلز كوبلاند» في صفحات 97 و108 و210، وأكد علاقة هيكل القوية مع جهاز المخابرات الأمريكي، وأنه كان يخدم أهدافها ومخططاتها بالنظر لاعتمادها علي قرب هيكل من عبدالناصر. أما ما يدعيه هيكل بقوله «لا أعرف كيف ومتي ستنتهي المصائب التي يقع فيها العالم العربى ويتوقع لها ما بين 12 - 15 سنة».. مضيفاً: «الكارثة أن كل ذلك يحدث في غياب مصر» فهو حديث إفك واستمراراً لما عُرف عن هيكل من محاولات لتصدير اليأس والقنوط وفقدان الأمل والثقة في النفس إلي الدول والشعوب العربية، وذلك عبر تاريخه منذ ابتُليت به مصر بظهوره في عالم الصحافة، ثم عندما نجد هيكل يحدد -طبقاً لرؤيته المريضة- أن «مشكلته في العالم العربى أنك لا تجد بين المسئولين من لديهم الإرادة لصنع تاريخهم.. فلا يبقي أمل»، فهو بذلك يؤكد أنه مصدر شؤم ونحس لن يصيب إلا نفسه وحوارييه الذين يدافعون عنه ويتلمسون بركاته، فهل افتتاح قناة السويس الجديدة في الموعد المحدد لها وبتمويل مصري خالص بلغ 64 مليار جنيه تم جمعها في 8 أيام، ألا يشكل هذا المشروع الضخم، وما يواكبه من مشروعات تنموية أخرى، انعكاساً لإرادة سياسية وشعبية ورؤية مستقبلية واضحة للتنمية والبناء في مصر يشارك فيها الشعب مع قيادته السياسية؟ وينفي بالتالى ما يزعمه هيكل في نفس الحوار بأن «لا يملك أحد المصداقية المطلوبة في العالم العربي»، مضيفاً: «المصداقية تائهة في مكان ما وهي خارج العالم العربى»، فإن هيكل بذلك يؤكد أنه يعيش في عالم آخر غير عالمنا.. عالم من صنعه هو يملأه بالأكاذيب والأراجيف والادعاءات الباطلة، متجاهلاً حقائق ناصعة يشهدها العالم كله تؤكد وجود مصداقية عالية يتمتع بها حكام مصر ودول الخليج لدي شعوبهم.. تمثلت في دعم الشعب المصري بأمواله لتنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، ومن قبله إسقاط نظام حكم الإخوان والحرب ضد الإرهاب، وأيضاً في دعم شعوب دول الخليج لحكامه.. سواء في سياستهم الخارجية تجاه إيران واليمن، أو في دعم المشروعات التنموية التي تجني شعوب هذه الدول ثمارها أولاً بأول. - أما قول هيكل بأن «جماعة الإخوان ومصدر قوتها أنها وريث التنظيمات الصوفية ذات النفوذ القوي في مصر»، موضحاً أن «حسن البنا كان صوفياً»، فإن ذلك يثبت افتقار هيكل للمعلومات الحقيقية عن تاريخ حسن البنا وجماعته، ولتصحيح معلوماته وإنعاش ذاكرته أدعوه لقراءة مقال الكاتب عباس العقاد في صحيفة (الأساس) في 2/7/1949 تحت عنوان «فتنة إسرائيلية» كاشفاً أن جد حسن البنا -عبدالرحمن الساعاتى- كان يهودياً يعمل بإصلاح الساعات في المغرب وانتقل إلي مصر ليخدم أهداف الماسونية العالمية تحت ستار الدين، وليثير فتنة إسرائيلية في مجتمع يخوض حرباً ضد الحركة الصهيونية في فلسطين، هذه هي حقيقة جماعة الإخوان التي كشف حقيقتها الشعب المصري بعد عام أسود واحد حكمت فيه مصر، فأسقطها المصريون في 30 يونية، وهو ما لا يعجب هيكل الذي يزعم أن للإخوان «نفوذاً قوياً في مصر». - وفى الختام أقول: إن هيكل لا يهمه إلا هيكل، يعيش عيشة الأباطرة، يملك بيوت الصيف والشتاء، ومزارع الفاكهة، عارض السادات ومبارك بلا حياء، وها هو يعارض السيسي بشىء من الحياء حتي تتكشف الأمور ثم يقرر إلى أي جانب ينضم.. هذا بينما أبناؤه يثرون وينضمون لقائمة المليونيرات في بلد يزعم هيكل أنه «مفلس» أما علاقاته بأمريكا وإيران لم تفتر يوماً، وعلاقاته بالإنجليز مستمرة منذ تبناه الإنجليز وقاموا بتعيينه رئيساً لتحرير (الإيجيبشن جازيت) في أواخر أربعينات القرن الماضى، وأُرسل علي حساب واشنطن لتغطية حرب كوريا وانقلاب مُصدق في إيران، يعيش في الماضي ولا يري في الحاضر إلا صورته، حتى معلوماته الرقمية أكل عليها الزمن وشرب، يردد معزوفاته القديمة غير آبه بما أصاب من وصفهم «دول الهامش» من تطور في الموارد البشرية والعمران والتحالف مع التقدم وصنع المستقبل. إذا كان أفضل شىء هو إهماله وتجاهله لكونه لا يستحق الرد، إلا أننا أردنا أن نكشف بمقالنا هذا لأبنائنا -جيل المستقبل- حقيقة هذا الرجل الدجَّال حتي لا ينخدعوا فيه مرة أخرى كما انخدع الكثير من جيلينا بتصديق أراجيفه وأكاذيبه وترهاته، ويقعوا فريسة ما يستهدفه من إصابتهم باليأس وفقدان الثقة في أنفسهم وقادتهم، وذلك خدمة لأسياده في واشنطن ولندن وطهران، وفي النهاية نكرر لهيكل ما طالبناه به في مقالات سابقة «نسألك الرحيل.. نسألك الرحيل».