كنت شاهدا على واقعة تهديد شاه إيران محمد رضا بهلوى بإرسال سبع طائرات إلى دول الخليج العربية لسحب السفير الإيرانى منها، وذلك بسبب إعلان وزراء إعلام هذه الدول خلال اجتماعهم بالرياض عام 1976 تأسيس وكالة أبناء الخليج العربى، ولم يتراجع الشاه عن قراره إلا بعد أن قرر هؤلاء الوزراء فى جلسة عاجلة لهم حذف كلمة الخليج من اسم الوكالة، ومن ثم لم تعد كلمة العربى تتزاوج مع الخليج حتى فى اسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فوصف العربية هنا للدول وليس للخليج. ولأن ذاكرة العرب فى دول الخليج لم تعد ضعيفة مثل ذاكرة السمكة التى تعود أكثر من مرة إلى الطعم بالسنارة حتى يتم اصطيادها فإنهم لم ينسوا مد الشاه لإسرائيل وأمريكا والغرب بالبترول بعد قرار الحظر البترولى الذى أعلنه ونفذه بشجاعة الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان سببا من اسباب النصر فى حرب أكتوبر المجيدة، ولم ينسوا كذلك احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث ورفضها الإنسحاب منها والقبول بالتحكيم الدولى بشأنها واشعال وإطالة الحرب مع العراق لاضعافه باعتباره القوة العسكرية الاقتصادية والبشرية الضاربة فى الخليج، بل إن الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية فى قمتهم ال 28 بالدوحة بأنه دولهم جميعا دول الخليج الفارسى. وقد شكل ذلك قلقا متزايدا لدول الخليج العربية على أمن الخليج الذى أصبح اليوم أكثر تهديدا من أى وقت مضى بسبب الأوضاع المشتعلة فى العراق وسوريا، وتهديدات داعش والتنظيمات الإرهابية والتفكيرية الأخرى بنشر اعضائها التكفيريين العائدين إلى دولهم فى الخليج، ناهيك عن شذوذ قطر عن الإجماع الخليجى، بتأييدها ودعمها المطلق لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وتنظيمها الدولى بالمال والسلاح وتسخيرها قناة الجزيزة بوقا لاعضائها ضد مصر وإرادة شعبها. وفى مواجهة تحولات سياسات الدول الكبرى التى ترتبط باتفاقيات أمنية تعول عليها كثيرا دول مجلس التعاون فى دعم أمنها واستقرارها، ومنها على سبيل المثال تحول واشنطن وتقاربها المفاجئ مع إيران وتوصل دول 5+1 مع إيران إلى اتفاق بشأن النووى الإيرانى وقضايا أخرى على حساب أمن الدول العربية فى الخليج. أكان على قادة مجلس التعاون بناء على خبرتهم واستيعابهم للتحولات والتجارب المحيطة بهم، البحث عن عناصر جديدة لتوسيع نطاق ومجال الأمن الخليجى عربيا، لدعمه وتقويته، فكانت اشارة البدء لذلك هى ثورة 30 يونيو وما أحدثته من الإطاحة بحكم جماعة الأخوان الإرهابية إلى الأبد وبدء تأسيس دولة مصرية ديمقراطية حديثة وانتخاب عبد الفتاح السيسى رئيسا بإرادة شعبية كاسحة، كما كانت كلمة السر هى قول السيسى «أمن الخليج خط أحمر.. وإذا تعرض الأمن القومى العربى فى الخليج لما يستدعينا، ستكون استجابتنا» «مسافة السكة». فما أن قامت الثورة وأعلن السيسى التزام مصر بحماية الأمن العربى فى الخليج، حتى بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز بإعلانه تأييده ودعمه المطلق لمصر وشعبها، وقام بزيارته للقاهرة ودعا إلى عقد مؤتمر أشقاء وأصدقاء مصر وشركائها فى التنمية، وقد تبعه على الطريق نفسه قادة الإمارات والكويت والبحرين، حيث دعت الأخيرة إلى ضم مصر إلى مجلس التعاون، وذلك ايمانا من قادة الدول الأربع الشقيقة بأن مصر عندما تكون قوية، سيكون الأمن العربى الخليجى قويا، كل ذلك بمثابة بداية لإقامة محور مصرى سعودى إماراتى كويتى بحرينى جديد، من شأنه تحقيق مصلحة الجانبين المصرى والخليجى ودعم الأمن الخليجى بتعزيز القدرات الدفاعية للدول الأربع وتأمين حدودها عسكريا والتصدى للإرهاب والوقوف ضد الأطماع الأجنبية، بل أنه من الممكن التوسع فى هذا المحور عربيا فى جانبه الأمنى ليكون نواة لتشكيل «ناتو عربى». لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين