وعود زائفة مليئة بالتفاؤل والأمل استقبلها مزارعو قصب السكر بصعيد مصر، ظناً منهم بأن أزماتهم الطاحنة مع شركات قصب السكر التي تستورد منهم المحاصيل قد انتهت، حيث أكد الدكتور خالد حنفي وزير التموين والتجارة الداخلية فى تصريحات صحفية خلال الاجتماع الذي عقده مع رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية ورئيس شركة السكر «محمد عبدالرحيم»، أنه يتم إعداد خطة لتطوير وتحديث شركات السكر لتنوع وزيادة جودة منتجاتها بما يخفف العبء على عاتق المزارعين في أسرع وقت، ولكن تأتى دائماً الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث يوجد قصور يعكر صفو منظومة العمل داخل شركات السكر، فمازال الفلاح يشتكى من سوء المعاملة التى يلقاها من جانب تلك الشركات، التى تماطل فى منحهم مستحقاتهم المتبقية علاوة على اختلاقها مشاكل بين بنك الائتمان الزراعى والفلاح، وتتمثل تلك المشاكل فى رفض البنك إعطاء قروض للفلاحين بضمان المحصول، فى حين أشارت الشركات فى فواتيرها التي سلمتها للفلاح بأنها قامت بخصم مديونات تلك القروض، إلا أنه وفى حقيقة الأمر لم يتم إخطار البنك رسمياً بخصم تلك المديونيات. فى البداية يؤكد محمد أبوالعباس من مزارعي قرية المراشدة بقنا، أن المزارع مازال يعاني من سوء معاملة شركات السكر معهم فمازالت تماطل في إعطائهم باقي مستحقاتهم الواجبة، رغم قيامه بتوريد المحصول فى مطلع هذا العام، ولم يحصل علي باقي مستحقاته حتى الآن، وعبر «أبو العباس» عن استيائه من معاملة تلك الشركات. وقال: «إحنا تعبنا وتعبت قلوبنا.. أنا بروح الشركة كل يوم علشان نأخد باقي فلوسنا لكن مفيش حل واضح»، مضيفاً « كل ما يذكره لنا المسئولون كلام حلو لكن مافيش فائدة. كما أشار «أبوالعباس» إلى أن شركات السكر اختلقت لهم مشاكل مع بنوك التنمية والائتمان الزراعي، مؤكداً أن الفلاح يلجأ للبنك للحصول علي قروض بضمان المحصول لتوفير نفقات المعيشة، إلا أنه يظل الضحية الاولى والأخيرة، لأنه يتحمل مسئولية فوائد الأموال المقروضة من البنك، وأفاد «عباس» بأن شركات السكر قامت بخصم مستحقات تلك البنوك من إجمالي إيرادات الفلاح حسب مديوناته للبنوك وسلمتهم فواتير تفيد بذلك، إلا أنه تفاجأ بعدها عقب ذهابه لسحب أموال أخري من البنوك رفضت إقراضهم دفعات جديدة من الأموال بحجة أنه لم يتم سداد المديونات القديمة، متسائلاً: «كده الشركة بتضحك علينا.. بتقولنا فلوس البنك اتخصمت.. والبنك بيقول مفيش فلوس وصلتنى من الشركة»، وتابع مندهشاً: «المزارع أصبح في حيرة.. الفوائد اللى اتحسبت علينا مين اللي هيتحملها؟!»، وهو الأمر الذي وضع الفلاح فى مواجهة أزمات قوية هو فى غنى عنها. وأوضح عدد كبير من المزارعين أنهم يكدون طوال الموسم لإنتاج محاصيل جيدة، وينتظرون في النهاية من الدولة ومؤسساتها الأجر المناسب، إلا أن الشركة تؤكد لهم «معندناش حل للمشكلة دى، مفيش فلوس.. نعملكم إيه عندنا في الشركات أطنان كثيرة من السكر المخزون يكفي سنين.. واللي عاوز ياخد بفلوسه سكر يأخد وهو يتصرف ويبيعه براحته، وتساءلوا ولسان حالهم يئن من تلك المشكلة «ماذا يفعل المزارع المديون بالسكر؟!، فلا يجنون سوى خسارة فادحة لعدم قدرتهم علي سداد مديوناتهم المتزايدة تباعاً». أحد مسئولى مركز الوقف بمحافظة قنا، «حمام عمر»، أكد أن الفلاح قام بتوريد المحصول منذ 6 أشهر ولم يتقاض مستحقاته المتبقية والتى تمثل 25% والتي حل موعد سدادها، فى الوقت الذي أغلقت فيه المصانع أبوابها وأعلنت انتهاء موسم «العصير»، علاوة علي تأخر الشركة القابضة للسكر عن موعد سداد مديونات بنك الائتمان الزراعي الملقي علي كتف المزارع، تلك العملية التى تتم كل عام وتقوم بموجبها شركة السكر بدفع أموالاً البنك وسداد ال50% المتبقية من مستحقات القصب إلى الفلاحين، حيث تلعب هنا الشركة دور الضامن بين المزارعين وبنك التنمية، حيث يقترض الفلاح من البنك أموالاً لتوفير نفقاته علي المحصول بفائدة 5.5%، وكان لزاماً على الشركة سداد تلك الأموال من مستحقات مزارعى القصب لدى الحكومة، فى30 من يونية الماضي، لافتًا إلى أنه حتى الآن لم تسدد الحكومة المستحقات للمزارعين أو للبنك، وهو ما يُحمل الفلاحين أزمات مالية لا ناقة ولا جمل له فيها، خاصة أن بنك التنمية والائتمان الزراعي اشترط أن أى تأخير عن موعد السداد المتفق عليه، تحسب الفائدة على الفترة الإضافية 13% بدلًا من 5.5%، وهو الأمر الذى يحمل منتجى القصب أعباءً إضافية لا يستطيعون سدادها نظرًا لمحدودية دخولهم، مشيراً إلى أن شركة السكر أخلت ببنود العقد بينها وبين البنك مما ترتب عليه بدء حساب الفوائد على الفلاحين وارتفاع السقف الائتماني الخاص بهم لدى البنك، مما يصعب إقراضهم منه مرة ثانية، فالتأخير يؤثر على المستوى المعيشى للفلاحين وأسرهم، مما يؤثر سلباً على المحصول الجديد. وأكد «حسين فايز» عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة مركز دشنا في تصريحات ل«الوفد» أن سبب أزمة مزارعي القصب تكمن في وجود كميات باهظة من السكر داخل مخازن الشركات، بسبب قيام مؤسسات الدولة باستيراد السكر من الخارج، ورفضها شراء السكر من الشركات الوطنية، الأمر الذي نتج عنه وجود فائض كبير من إنتاج السكر المحلي داخل أروقة المصانع، موضحاً أنه تحدث مراراً وتكراراً تحت قبة البرلمان أثناء انعقاده، مطالباً بمراعاة المزارع والاهتمام به لأنه يعد بمثابة عمود رئيسى من أعمدة الاقتصاد المصري من خلال إنتاجه للمحاصيل الاستراتيجية المختلفة. وتابع البرلمانى السابق فى حديثه «رغم قيام ثورتين متتابعتين أثرت بشكل ملموس علي أحوال الناس المعيشية، إلا أن المزارع هو الفئة الوحيدة التى التزمت وآثرت العمل بكل جهد، ولم يستغل الأوضاع الصعبة التى مرت بها البلاد للنداء بطلباته، ولم يدخل فى أى إضراب عن عمله رغم عدم وجود الأسمدة الزراعية الكافية وكذا المياه اللازمة لإنتاج المحاصيل، بل استمر فى عمله حتى حاصرته الأزمات من كل حدب وصوب، متسائلاً: «هل يقف المزارعون مكتوفى الأيدى فى ظل تزايد تلك الأزمات الطاحنة؟!». وناشد «فايز»، المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، والدكتور خالد حنفى وزير التموين، والدكتور هانى قدرى وزير المالية وجميع الجهات المعنية سرعة التدخل لإيجاد حلول سريعة وفعّالة وجذرية لصرف باقى مستحقات مزارعى القصب، وحل أزماتهم، فالمزارع ضاق به الأمر ولم يعد يطيق صبراً فوق طاقته فى ظل تلاحق الأزمات والديون عليه من كل جانب. أوضح المهندس «مجدي زيدان» رئيس قطاع مصنع سكر نجع حمادي، أن الشركات تعاني من مشكلة استيراد السكر من الخارج، وهو ما يؤثر بالطبع علي أحوالها المادية، وتابع «زيدان»: «السبيل الوحيد للحفاظ علي حقوق وواجبات المزارعين، هو إيقاف عمليات استيراد هذا المنتج، لابد من المحافظة علي الصناعة الوطنية المحلية». مؤكداً أن الشركات بدأت تتعافي من تلك الأزمات، وقامت بصرف جزء كبير من مستحقات الفلاحين والمتمثلة في 75%، وسيتم صرف باقي مستحقاته المتبقية قريباً، أما فيما يخص فوائد بنوك التنمية والائتمان الزراعي، أكد رئيس السكر «أنه سيتم إعفاء المزارع من تلك الفوائد بالاتفاق مع وزارة الزراعة. كانت «الوفد» أشارت من قبل عبر عدة تحقيقات عن معاناة المزارعين مع الشركات ومع بنك التنمية الزراعى لأزمة قصب السكر والتى تهدد بتشريدهم وحبسهم.