هل يجوز أن نحذف بعض الأحاديث المشكوك فى صحة نسبها للرسول الكريم من كتاب البخاري؟، هل كتاب البخاري يتضمن بعض الأحاديث غير الصحيحة؟، هل كتب البخاري أصح الكتب بعد القرآن الكريم؟، هل الذي ينتقد البخاري يخرج من الملة؟ الذي يجب أن نتفق عليه أولا أن البخاري مثل سائر الباحثين أو المؤلفين، اجتهد وبحث وقام بتأليف عدة كتب، منها صحيح البخاري، التاريخ الكبير، الأدب المفرد، التاريخ الصغير، خلق أفعال العباد، رفع اليدين في الصلاة، الكنى، الضعفاء الصغير. ويسرى على هذه المؤلفات ما يسرى على غيرها، وطالما طرحها للقراء والعامة فلهم الحق في الإدلاء برأيهم فيها، بالنقد، بالرفض، بالإطراء مثل غيرها من الكتب. البخاري لم يكتب القرآن، وما يكتبه يمكن النظر إليه من حيث المنهج، ومن حيث المتن، وغير مقبول بالمرة أن نقدس البخاري أو صحيحه ونكفر كل من يتعرض له بالنقد أو نتهمه بالجهل. إذا كان صحيح البخاري من الكتب المفضلة فى مصر وبعض البلدان الخليجية، وقد عدوه الكتاب الثاني بعد القرآن، ففى المغرب العربي لم ينظروا له هذه النظرة، ولم يضعوه فى هذه المنزلة، وقدم أهل المغرب العربي كتاب صحيح مسلم على صحيح البخارى، وعدوا صحيح مسلم أصح الكتب بعد القرآن الكريم، وقد أكب علماء المغرب، حسب ابن خلدون، على صحيح مسلم، وأجمعوا على تفضيله على كتاب البخاري، كما أن بعض المغاربة فضلوا سنن النسائي علي صحيح البخاري، حسب ذكر أبو مروان الطنبي ويرويه عن بعض شيوخه فى فتح المغيث للسخاوي، وقد أطلق ابن السكن (353 ه) والدراقطني، وأمد ابن رشيد، لفظ الصحيح على سنن النسائي، وأكدوا حسب رواية السخاوى أن كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن، بل قيل بإنه أشرف ما وضع في الإسلام، قال ابن رشيد: إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا، وأحسنها ترصيفا، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم، مع حظ كبير من بيان العلل، وقال بعض المكيين من شيوخ ابن الأحمر: إنه أشرف المصنفات كلها، وما وضع في الإسلام مثله، قال الخطابي: إنه لم يصنف في علم الدين مثله، وهو أحسن وصفا، وأكثر فقها من الصحيحين، وقال أبو إسماعيل الهروي: هو عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم; لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وهو يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس(فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوى). يتضح مما سبق اختلاف الآراء حول كتب الصحاح، وأنهم كانوا ينظرون لهذه الكتب على أنها مصنفات أو كتب تم تصنيفها فى السنن، ويتضح كذلك أن البعض فضل مسلم علي البخاري، والبعض فضل سنن النسائي عن مسلم والبخاري، ولم يصلنا أن بعضهم أو أغلبهم أضفى على هذه المصنفات مسحة التقديس السائدة بين موظفي الأزهر وجامعته، ولم يصلنا من الموروث أن أحدهم أو بعضهم قال إن كتاب مسلم أو البخاري أو النسائي في منزلة القرآن أو في منزلة تالية للقرآن. السؤال الأخير: هل يجوز تنقيح أو حذف المشكوك فيه بكتب السنن؟، هل يمكن لنا حذف ما يختلف عليه بعض الباحثين أو المهتمين؟، الإجابة ببساطة شديدة بالنفي، لأننا لو أقدمنا على هذه الخطوة لن يتبقى من الكتاب سوى صفحات لعدم اتفاقنا واختلافنا الدائم، كما أن البخاري أو مسلم أو النسائي أو الترمذي أو ابن ماجة أو الإمام مالك أو غيرهما من المؤلفين أو الكتاب أو الباحثين قد اجتهدوا وأعدوا وصنفوا كتبهم ولا يحق لأحد أن يطالب بحذف أو تنقيح ما لا يتفق معه عليه، وكل ما نستطيع أن نعمله هو أن نحققه في طبعة جديدة، نخرج فيه أحاديثه، ونعرف أعلامه، ونبين الصحيح من الحسن من الضعيف، وأظن أن شركة حرف نفذت هذا المشروع في موسوعة الحديث التي أصدرتها منذ سنوات.