بمناسبة حوادث المرور المتكررة ، التي وقعت في الآونة الاخيرة، وراح ضحيتها العديد من الأرواح البريئة، والذي اطلقت عليه الحكومة، عبارة الإهمال. في الحقيقة هذا الإهمال ما هو إلا صورة مصغرة من الأمراض العديدة التي ابتليت بها سلوكيات الشعب المصري طوال العهود السابقة ، نتيجة التسيب واللامبالاة وعدم احترام القوانين . لقد دأبت العهود السابقة علي التغاضي في الكثير من الأحيان عن الاخطاء التي يرتكبها العديد من أفراد الشعب وعدم مساءلتهم، وبالتالي عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. فقد كان كل ما تصبو إليه الحكومات في ظل هذه العهود، خاصة عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ان تستمر في الحكم لأطول مدة ممكنة. وفي سبيل ذلك كانت تتغاضي عن العديد من السلوكيات المرفوضة التي ترتكب من بعض الأفراد، حتي تفشي الفساد واللامبالاة والتسيب وعدم احترام القانون بين اغلبية الشعب المصري. لقد اهتمت الانظمة السابقة بكيفية بقائها في مقعد الحاكم اطول مدة ممكنة، وفي سبيل ذلك كانت تلجأ الي الاستعانة بأهل الثقة دون أهل الكفاءة. لذلك فقد دأبت هذه الأنظمة علي تزوير إرادة الشعب، حتي اصبح التزوير في الانتخابات طوال الستين عاما الماضية أمراً معروفاً ومفضوحاً، بدءاً من النتائج التي كانت تعلنها بفوز النظام الحاكم بنسبة 99.9% وصولا إلي إعلان نجاحه بنسبة 80 أو حتي 70%. وبطبيعة الحال حينما فطن الشعب إلي هذا التزوير المفضوح، الذي انتهجته الأنظمة السابقة، وبعد أن تيقن من فساد إدارات الحكم العليا، أصبح الفساد والتزوير بالنسبة لعامة الشعب أمراً يسيراً يمكن الاعتماد عليه في المعاملات والتصرفات. ومع مرور السنين أصبح الفساد واللامبالاة والتسيب وعدم احترام القانون سمة معروفة ومنتشرة لدي غالبية شعبنا. الشعب يري حكومات وحكاماً لا يحترمون القانون، بل يزورون إرادته جهارا نهاراً، فكان من الطبيعي انهيار الخلق والقيم بين غالبية أفراد الشعب. إن ما نشهده هذه الأيام من صور للفساد، سواء أكانت في صورة الإهمال أو التسيب أو اللامبالاة أو عدم احترام القانون، بدءاً من قواعد المرور، مروراً بقوانين البناء أو في المحليات، وصولاً الي الانضباط بين أغلب العاملين بالدولة والتزامهم بقواعد وسلوكيات العمل الوظيفي. كل هذه الصور من صور التسيب والفساد أصبحت الآن من الأمور الطبيعية لدي غالبية الناس، كل هذا كان بسبب تقاعس الحكومات والأنظمة السابقة طوال السنين الماضية في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، كل هذا بسبب رغبتهم في المكوث علي مقعد الحكم لأطول مدة ممكنة. إصلاح القيم والأخلاق يحتاج لوقت طويل وجهد مضنٍ ،لهذا فلابد ان نبدأ اول خطوة الإصلاح بتقديم القدوة الحسنة للناس . ان كان حقا أولو الامر لديهم رغبة صادقة في إصلاح قيم واخلاق هذا الشعب ، فلابد لهم ان يعطوا القدوة الحسنة للناس، سواء في احترام القانون أو احترام الإرادة الشعبية في الانتخابات، وان يكونوا جادين في أقوالهم والأفعال، فإذا ما بدأت الحكومة بنفسها وأصلحت ما كان يجري عليه العمل في الماضي من فساد، فلا شك ان ذلك سينعكس بالضرورة علي جماهير الشعب وبالتالي سينصلح حالنا ونبدأ بالفعل علي الطريق الصحيح للتقدم والرخاء . ما أسهل الهدم وما أصعب البناء، إصلاح القيم والأخلاق والمبادئ ليس بالأمر العسير، ولكنه يحتاج منا شيئاً من الجد والمثابرة، خاصة وان شعبنا نشأ وتربي علي حسن الخلق والتدين الصحيح ومراعاة الله في كل تصرفاته وأقواله. حفظ الله مصر، وألهم أولي أمرنا الصواب.