الإهمال مرض اجتماعي محصلة لعديد من الامراض الاجتماعية الاخري, كما أن الاهمال عندما يتأصل يكون وسيلة لأمراض اكثر خطورة, من صورها أيضا اللا مبالاة. وهي صفة تجمع بين الاهمال وعدم الاحساس بالمسئولية وعدم تقدير العواقب, وكذلك عدم تقدير ما يترتب علي كل ذلك من نتائج وحوادث ليصل بمعظمها إلي دائرة الكوارث, ومعاناة المجتمع من الاهمال واللا مبالاة معاناة شديدة حيث قد لا نري الاهمال ذاته ولكن نري نتائجه تهز اشطلمجتمع كله جزعا وأسفا ونقدا. ومن كثرة الاهمال وكثرة حوادثه والتعود عليها أصبح معظم الناس لايتابعون أحداثها لمعرفة أسبابها الحقيقية. ومن تكرار ما يحدث أصبح الإهمال شيئا مكتسبا ينمو ويكبر وتتعدد حوادثه وبنفس الاسباب, ومن شدة الاهمال والتسيب واللامبالاة افتقد الكثير من أفراد المجتمع ثقافة المسئولية وثقافة الوقاية وهي ثقافات عندما يتم افتقادها يصبح المجتمع كله في خطر, ومن كثرة تفشي ظواهر الاهمال والتسيب واللامبالاة أصبح هناك مدافعون عن هذا الاهمال بحثا عن اسباب أخري للكوارث برغم أن الكوارث يقتصر حدوثها علي الاعمال عدا الكوارث الطبيعية, وحتي في ذلك فإن ثقافة الوقاية منها مسئولية يجب الاهتمام بها والعمل عليها والاستعداد لمواجهة نتائجها, وبغير ذلك يصبح ذلك أيضا من ظواهر الاهمال. والاهمال كظاهرة واسعة الانتشار أحد اهم اسبابها التعود عليها, ويساعد علي ذلك عدم العناية الكاملة بالتوعية والتدريب علي وسائل الوقاية منها, كما أن عدم المحاسبة الشديدة لمرتكبيها وطول فترة إثبات التهم عليهم والتلاعب بثغرات القوانين لإفلات مرتكبيها, وبرغم كل ذلك فان افتقاد ثقافة المسئولية ظاهرة خطيرة تحتاج لعناية فائقة لأن ثقافة المسئولية سياج يحمي كل المجتمع. ومقاومة الإهمال وبناء ثقافة الوقاية يتطلب جهودا مكثفة لمواجهة هذه الظواهر بالقدوة في تحمل المسئولية في كل مكان من المنزل إلي المدرسة والجامعة والعمل للصغير والكبير, وبقدر الاهتمام بثقافة الوقاية يكون الاهتمام بالتحفيز علي تحمل المسئولية وعدم التهاون في المحاسبة مهما كانت الظروف وفي أسرع وقت ممكن قبل أن يطولها النسيان وتختفي اثار العبرة للآخرين فلا قيمة ولا عبرة لحساب مهمل علي كارثة بعد سنوات, وهو سر من أسرار تفشي الاهمال, وهنا تجدر الاشارة أن احد أسباب نجاح المؤسسة العسكرية في مواجهة الاعمال أن الحساب سريع وبات بالتوزاي مع التدريب العملي المتكرر للوقاية من الخطر ومواجهته بسرعة إذا حدث لمنع أو تقليل آثاره. ولمواجهة الاهمال واللامبالاة علي كل جهة مسئولة عامة أو خاصة أن تضع مسئوليات محددة لكل فرد وتحديد دوره في الأزمات والكوارث, كما يجب أن يكون لديها مؤشرات لهذا العمل وأن تضع نصب عينيها دائما علي مصادر الخطر وأن تكون هناك تجارب ميدانية علي المواقف المحتملة لحدوث كوارث أو أخطار من أي نوع والتدريب علي مواجهتها, كما يجب علي الهيئات والمؤسسات تعويد افرادها علي المسئولية الذاتية في رفض الاهمال واللامبالاة والعمل علي أن يتذكر العاملون باستمرار أن عواقب الاهمال لاتعود علي الشخص المهمل فقط بل تتعدي ذلك بكثير فهي تعود علي كل المجتمع اقتصاديا واجتماعيا, والمهمل ذاته من الخاسرين في كل ذلك فقد يفقد حياته أو جهة عمله أو أحد أحبائه. ومن الظواهر المؤسفة عدم استخلاص الدروس المستفادة من الحوادث والكوارث فتتكرر نفس الحوادث بنفس الاسباب ولعديد المرات, ويمثل هذا التعود علي الكوارث أو علي الاهمال سوس ينخر في جسد المجتمع, كما يؤثر بشدة علي جهود الدولة في تنمية بنيتها الاساسية في كل اتجاه ومئات البلايين من الجنيهات, وفي اطار بناء ثقافة ضد الاهمال وثقافة تحمل المسئولية يجب أن نبدأ بالتعليم الاساسي الذي يتم في خلال هذه المرحلة السنية بناء ثقافة المسئولية والاتقان ورفض الاهمال وان يراها الطالب الصغير ويتدرب علي نتائج الاهمال وعلي نماذج توضح ذلك قبل أن يراها في الواقع فالطالب الصغير في اليابان مثلا يتعلم أن خط المرور علي الارض حائط يجب عدم الاصطدام به, ولذلك يجب أن تتبني الجهات عامة وخاصة سلوكيات وثقافة الجودة والاتقان لأن الاهمال ببساطة يعني عدم الاخذ بأي من أساسيات نظم ادارة الجودة وهي مسئوليات هذه الجهات لأن هذه النظم تحدد مسئوليات كل فرد في منظومة العمل وكيفية متابعتها. ومن أهم ما يبني ثقافة المسئولية بخلاف النشأة والتربية والتعليم الاهتمام بالأفراد مهما كانت درجاتهم الوظيفية واعطاؤهم سلطة اتخاذ القرار في إطار لامركزية تعطيهم هذه الثقافة المطلوبة مع عقد دورات التوعية والتدريب المرتبطة بالترقية للوظائف مع التركيز فيها علي تحمل المسئولية. والخلاصة أن عوامل الخطر كامنة في الاهمال والتسيب المؤدي إلي الكوارث يغلفها جميعا عدم تحمل المسئولية وعدم الحساب الفوري والرادع علي كل فعل يحتمل أن يكون مصدرا للخطر, والوقاية من الخطر أهم من مقاومة الخطر ذاته, والكوارث يجب أن نتوقعها ونتدرب عليها أمثلة كثيرة ومتكررة والعواقب دائما ضخمة تستدعي اليقظة ومحاسبة ومعاقبة المهملين بالردع السريع لأن خطرها علي المجتمع وعلي التنمية أخطر بكثير ممما يتعدي الكارثة ذاتها. وفي النهاية فإن الاهمال والكوارث تتطلب دراسات اجتماعية ونفسية وبرامج للتقليل من أثر هذا الإهمال وتوابعه الخطيرة ودراسة تخصيص دوائر قضائية متخصصة لحوادث الاهمال للبت السريع في عقاب مرتكبيها لتكون عبرة للآخرين ومآسيها مازالت ساخنة ودون اخلال بحقوقهم التي كفلها القانون في الدفاع عن أنفسهم بكل وسائل الدفاع, لأن كوارث الاهمال تأكل منجزات التنمية وتولد ظواهر اجتماعية علي المواطنين أكثر خطرا.