ما بين عشية وضحاها أصبح التنظيم الإرهابى الدولى المسمى «داعش» يستقطب شباباً فى عمر الزهور من جميع الجنسيات ومختلف الأعمار، تحت وهم التضحية والفداء لدين الله، والأمر أصبح أشد خطورة مما يستوعبه الساسة، لأن الدين له سحره وجاذبيته، والدعاة باسم الدين يصدقهم الغوغاء رغم كذبهم، وليس الغوغائيون فقط، بل قد يكون المتعلمون أيضاً ضمن وقود تلك المعركة الخاسرة، مثلما نجد خريجى كليات جامعية كبرى مثل الطب والصيدلة ينضمون إلى مثل هذه الجماعات الإرهابية، زعماً بأنهم السياج الآمن والدرع الواقية لهذا الدين. ولسنا فى حاجة الآن للنداء بالمراجعات الفكرية، لأن المشكلة أكبر من أى مراجعات، فهى تحتاج إلى علاج جذرى ثقافى ودينى وقانونى، بحيث يتكاتف عقلاء الجنس البشرى أجمع لمواجهة التطرف بكل أشكاله. والآن.. وبعد أن أصبح التنظيم الداعشى له وجود فعلى على أراضى عدة دول عربية وأفريقية مثل الجزائر ونيجيريا وسوريا ولبنان وباكستان، وبعد أن أصبح يهدد أمن المجتمع الإنسانى الدولى، وبعد أن استطاع استقطاب شباب فى عمر الزهور باسم الدين، وباسم الجهاد فى سبيل الله، هكذا بدون ضابط ولا رابط، وهكذا بدون قيد ولا شرط، كل ذلك يزيد المعضلة تعقيداً. لقد أعلنت طالبان الباكستانية ولاءها للخليفة البغدادى، وأرسلت له جنود وزودتهم بأحدث الأسلحة، وزعمت أن التنظيم جاء لخدمة الإسلام! وهنا مكمن الخطورة!.. هنا يتم سحر البسطاء باسم الإسلام، ويتم استقطاب أنصاف المتعلمين باسم الدين، وإلا لما وجدنا الهندى بجوار الصينى بجوار الإنجليزى والعربى فى هذا التنظيم. اختلفت ألسنتهم، واتحدت غاياتهم حول الباطل وأهله تحت تأثير إبليس وجنده، الذين نجحوا فى إجراء عمليات غسيل مخ لا مثيل لها فى التاريخ. ويتشدق التنظيم ومؤيدوه يوماً بعد يوم، فالصراع فى ليبيا التى أصبحت دولة ميليشيات على أشده، والإسلاميون هناك ينتظرون المدد من الخليفة البغدادى، ويتمنون الأمانى ويصدقون وهم الخليفة الذى صنعوه، والعراق وسوريا، واللتان هما أرض المعركة ووقودها بالأساس، يقعون تحت نير القصف والظلم والغدر، ويا ليته قصف إسرائيلي أو أجنبي حتى نصطف كلنا صفاً واحداً، ولكنه قصف من دعاة الإسلام وزاعمى الذود عنه، متى كان الإسلام قاصفاً؟.. ومتى كان الإسلام معتدياً؟.. عندهم، وعندهم فقط أصبح الإسلام متهماً من الجميع. وزادوا الإسلام عاراً بأن أنشأوا سوقاً للنخاسة يُباع فيه نساء النصارى، فيأخذون الجميلات للأمراء، ويبيعون فضل حاجتهم. إن الخطورة الحقيقية من وراء هذا التنظيم هو اتساع خريطته بسرعة مذهلة تحت تأثير الدين، ووهم الخلافة التى عادت على يد القتلة والظالمين، ثم تحويل هذا الصراع إلى داخل الجسد الإسلامى ليصبح صراعاً بين السنة والشيعة، ليذبح المسلمون بعضهم بعضاً باسم الدين، وليتحول الصراع من الأسباب السياسية، كما عهدناه فى الماضى إلى أسباب أيديولوجية يحكمها التعصب الأعمى وتسيطر عليها الأهواء، وتغذيها العقيدة، ويدفع ثمنها الأبرياء من الأطفال والنساء الذين لا ناقة لهم ولا جمل. إن التحول الكبير فى مجرى الخريطة الداعشية نذير خطر، وعلى عقلاء البيت الأبيض أن يدركوا مكمن الخطورة الحقيقية، فالدين أفيون الشعوب، والجهلاء وأنصاف المتعلمين ما أكثرهم فى عالمنا الشرق أوسطى، والشرر المتطاير من داعش سيحرق الجميع، لن ينجو أحد، فكلنا فى خندق واحد، إما عودة السلام والوسطية، وإما بحار من الدماء تجرى من شرق العالم إلى غربه، دون تفريق بين عظيم أو حقير، أو بين سادة وعبيد، فالكل خاسر فى تلك الفتنة القذرة، وشررها سيدمر الجميع، فهل تدركون يا ساسة قبل فوات الأوان.