بعد الحوادث الإرهابية التى وقعت مؤخراً على أرض الوطن والتى أدت إلى استشهاد 30 جندياً وإصابة نحو 26 آخرين فى سيناء، صدر قرار لتحويل كل المتورطين فى قضايا الإرهاب المنظورة أمام المحاكم أخيراً إلى القضاء العسكرى لسرعة البت فيها، جاء ذلك بعد القرار الصادر بتعديل قانون القضاء العسكرى لإضافة ضمن اختصاصاته قضايا الإرهاب التى تهدد سلامة وأمن البلاد. فهل يمكن لمثل هذا القرار أن يحسم كل القضايا المعلقة حتى الآن فى المحاكم العادية وهل هو بالفعل الحل الأمثل لمواجهة حوادث الإرهاب فى تلك المرحلة الحرجة؟! أكد الخبراء ورجال القانون أن إحالة الإرهابيين إلى القضاء العسكرى يستند إلى ثلاث مواد من الدستور وهى المواد 156 و204 و237، وبعد تطبيق هذا القرار ستخضع كل جريمة تقع بعد إصداره للقضاء العسكرى بكافة أحكامه، علماً بأن قانون القضاء العسكرى والتعديلات التى أدخلت عليه قد غير تماماً مفهوم المحاكم العسكرية وجعل منها هيئة قضائية مستقلة تتكون من محاكم ونيابات وفروع قضاء أخرى مثل القضاء العادى وجعل من القضاة العسكريين قضاة مستقلين لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ووفقاً لخبراء أصبح لزاماً على القضايا المنظورة حالياً أمام محكمة الجنايات مثل قضيتى التخابر واقتحام السجون وغيرهما من قضايا الإرهاب إذا ما كانت تدخل فى اختصاص المعدل فى القضاء العسكرى فإنه يتعين على المحكمة التى تنظر تلك القضايا وأمثالها أن تأمر بإحالتها للقضاء العسكرى. التوافق مع الدستور أكد المستشار بهاء الدين أبوشقة، سكريتر عام حزب الوفد، الفقيه القانونى الكبير، أن قرار رئيس الجمهورية بإحالة المتهمين فى قضايا الإرهاب إلى القضاء العسكرى يستند إلى نصين دستوريين وهما المادتان 204 و237 من الدستور. وقال «أبوشقة»: الأصل العام أنه لا يجوز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، إلا أن المادة 204 من الدستور تنص على أن القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، وتقول ذات المادة أيضاً إن المدنيين لا يحالون للقضاء العسكرى إلا فى حالة الاعتداء على المنشآت العسكرية أو العسكريين، وفى نهاية ذات المادة أعطى الدستور السلطة للقانون فى تحديد ما هية الجرائم العسكرية، أما المادة 237 من الدستور فنصت على أن الدولة مهمتها مكافحة الإرهاب وأن القوانين هى التى تحدد موضوعياً وشكلياً وسائل مجابهة الإرهاب. ويضيف الفقيه القانونى بهاء أبوشقة: نص المادتين 204 و237 من الدستور يبيحان لرئيس الجمهورية إصدار قوانين تحدد الجرائم التى يمكن إحالتها للقضاء العسكرى. وأوضح سكرتير عام الوفد أن القرار بقانون الذى أصدره رئيس الجمهورية بإحالة قضايا الإرهاب إلى المحاكم العسكرية حدد سريان هذه الإحالة لمدة عامين قادمين، وقال أبوشقة مصر خلال العامين القادمين تستطيع أن تجتاز المؤامرة التى تحاك ضد الدولة المصرية وضد المصريين. سرعة البت يقول الدكتور مصطفى عبدالرحمن، نائب رئيس جامعة المنوفية سابقاً، إن المبدأ هو أن تكون لكل جريمة عقاب، وأن يقدم المتهم للعدالة وهناك اعتقاد سائد أن القضاء العادى من خصائصه البطء بينما القضاء العسكرى يتميز بالسرعة فى البت.. ولا شك أن اعتبارات العدالة وهى التى يجب أن تكون فى المقدمة، بحيث يخضع المتهم لإجراءات عادلة علماً بأن القضاء العادى ليس بطيئاً ولكنه مقيد بضمانات أهمها حق الدفاع والخضوع للإجراءات الجنائية، حيث إن الإدانة تتطلب اليقين كما ينص قانون العقوبات وهذه مبادئ دستورية معروفة. ومما يلفت النظر أن القضاء العسكرى الآن أصبحت تحكمه منظومة جديدة ويخضع لضمانات مشابهة للقضاء العادى أهمها ضمانات الدفاع الموجودة فى كلا القضاءين، إذن فهناك نوعية من الجرائم تتطلب عرضها على القضاء العسكرى خاصة ونحن نمر بظروف استثنائية الآن، ولا يحول ذلك دون أن يظل القضاء العادى أيضاً مختصاً لأن الجريمة قد تأخذ أكثر من جانب. أمر طبيعى ويقول المستشار محمد الدكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة سابقاً، إن عرض قضايا الإرهاب على القضاء العسكرى من أجل سرعة الفصل يتفق مع توجه الدولة الآن وهو قرار صائب وهو أمر طبيعى أن يتم عرض تلك النوعية من الجرائم على القضاء العسكرى خاصة فى الظروف الراهنة علماً بأن القضاة العسكريين لهم نفس حصانات رجال القضاء العادى والإدارى، فضلاً عن أن كل وسائل المحاكمة العادلة متوافرة وقابلة للطعن عليها وهذا أمر لم يكن متوافراً من قبل، باختصار أن ما نمر به الآن يبرر تماماً القدوم على هذه الخطوة والتى لا تتعارض مع مبادئ الدستور الذى ينص فى المادة 204 على «جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على معسكرات القوات المسلحة ومعداتها ومركباتها وكافة المناطق العسكرية والحدودية»، وهذا ما يحدث بالفعل الآن من اغتيالات لرجال الجيش والاعتداء على معسكراته ومعداته. مصير القضايا المنظورة أما بالنسبة للقضايا المنظورة حالياً أمام محاكم الجنايات مثل قضيتى التخابر واقتحام السجون وغيرهما من قضايا الإرهاب، فقد أكد المستشار إسماعيل حمدى، عضو مجلس القضاء الأعلى،رئيس محكمة أمن الدولة العليا طوارئ سابقاً، أنها إذا ما كانت تدخل فى اختصاص المعدل فى القضاء العسكرى، فإنه يتعين على المحكمة التى تنظر تلك القضايا وأمثالها أن تأمر بإحالتها للقضاء العسكرى لتوقيع العقاب السريع والرادع على مرتكبى تلك الجرائم. مكافحة الإرهاب وأكدت الدكتورة سعاد الشرقاوى، أستاذة القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن الدستور الحالى لا يمنع محاكمة الإرهابيين أمام المحاكم العسكرية، فالمادتان 156 و204 تسمحان بمقاومة الإرهاب، كما أن قانون العقوبات منذ عام 1992 يمتلئ بالعديد من المواد التى تمنح السلطات المختصة اتخاذ كل التدابير اللازمة للحفاظ على أمن الوطن ومكافحة الإرهاب والتطرف ضد منشآت عسكرية وشرطية أو عناصرها بداية من المادة 86 إلى 102. وأضافت: إحالة الإرهابيين إلى المحاكم العسكرية مهم جداً حالياً، لكى يستطيع الجيش التعامل مع تلك العصابات الإرهابية، وحتى يمكن سرعة إنجاز العدالة. ومن جانبه، قال الدكتور صفوت جرجس، مدير المركز المصرى لحقوق الإنسان، القرار الجمهورى المتعلق بإحالة الإرهابيين إلى المحاكم العسكرية، أمر مطلوب لأنه يتعلق بقضايا الإرهاب التى تعتدى على منشآت وأفراد القوات المسلحة والشرطة وتهدد سلامة وأمن البلاد. وطالب بسرعة إنجاز مشروع القانون مع تطبيقه بأثر رجعى حتى تتمكن الدولة من معاقبة كل من ارتكبوا أعمالاً إرهابية فى الماضى، واعتدوا على أفراد الجيش والشرطة بحيث تحال قضاياهم الإجرامية إلى المحاكم العسكرية فور صدور القانون تحقيقاً للأمن القومى، مؤكداً: مثل هذا القانون لابد منه لتتمكن الدولة من إخضاع هؤلاء الإرهابيين للعدالة الناجزة المطلوبة والردع القوى الحاسم الذى يحقق القصاص العادل مما يشفى غليل الشعب المصرى وأسر شهداء الواجب. بعد تطبيق القانون أحمد عودة، أستاذ القانون، نائب رئيس حزب الوفد، يرى أن وفقاً للقاعدة العامة أو للقوانين الجنائية يعاقب على الجريمة بالقانون المعمول به وقت ارتكابها، أما مسألة صدور قوانين أو عقوبات جديدة. فهى تطبق على ما يقع من وقائع أو جرائم إرهابية، وهنا لا يجوز التطبيق بأثر رجعى فى مسألة قوانين التجريم والعقاب.. وإذ ما صدرت جرائم جديدة من هذا النوع شديد الإجرام.. فيجب تشديد العقوبة فوراً على هذه الوقائع. وأوضح «عودة»: إن القاعدة تطبق على الوقائع التى تحدث بعد سريانه أو تطبيقه.. وإذا كنا نطالب بتشديد العقوبة فى مواجهة التصاعد فى موجات جرائم الإرهاب.. فإن القانون الجديد يسرى على الوقائع التى تحدث بعد ذلك، موضحاً أنه لا يمكن الطعن بعد صدور القانون، لأن هذا القانون الذى يصدر الآن لمواجهة حالة استثنائية مستجدة وهى الجرائم الإرهابية التى تمس الصالح العام وتعتدى على أمن الوطن والمواطن أو الأرواح والأموال، وهنا يكون لا مجال للطعن. موضحاً أننا أمام مشهد مأساوى يبعث على إعلان حالة الطوارئ فى محافظة شمال سيناء، لمواجهة الجرائم الإرهابية، وبالتالى يجب مواجهتها بشدة وبقاعدة تحترم وتطبق القانون الجديد بحسم وحزم، مؤكداً أن الرأى العام ينتظر الثأر لما حدث والقصاص العادل بأحكام قضائية سريعة، ومن ثم ليست هناك إشكالية من صدوره نهائياً. إنقاذ الوطن الدكتور شوقى السيد، الفقيه القانونى والدستورى، يرى أن المادتين (200 و204) فى الدستور الجديد تلزمان من يعتدى على المناطق والمنشآت العسكرية وقوات الجيش والشرطة، بإحالته إلى المحاكمات العسكرية فى جرائم إرهابية، وحماية الأمن القومى للبلاد، مؤكداً أنه ضرورى لإنقاذ الوطن من الإرهاب الذى عشش فى أركانه. الدكتور أبوالعلا النمر، أستاذ ورئيس قسم القانون بكلية الحقوق جامعة عين شمس، يرى أن وقت صدور القانون مناسب، خاصة بعدما استفحل الإرهاب فى البلاد، وهو يردع المعتدين على منشآت عسكرية تابعة للقوات المسلحة والشرطة أو أفرادها. وأضاف الدكتور «النمر»: إن الإرهاب تضخم خلال الفترات السابقة بسبب التراخى أو التهاون فى قواعده المعاقبة أو المحاسبة لهؤلاء المجرمين، والتى رأينا أنها عادة ما تأخذ وقتاً طويلاً ليطبق العقاب على مرتكب الأفعال الإجرامية، مما أعطاهم امتيازات كثيرة لدرجة أنهم أرسلوا رسائل خطيرة وهم فى محبسهم. وتابع: المجتمع ضاق واختنق من انتشار الإرهاب الأسود، وازدياد حوادث القتل والاغتيالات والتفجيرات التى حدثت خلال الفترات الماضية، وبالتالى وجود القانون الرادع الآن ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الكبرى التى يشهدها مجتمعنا، مؤكداً أنه سوف يسرى بأثر فورى من تاريخ صدوره، بحيث إن ما ارتكب من جرائم إرهابية من قبل لا ينطبق عليه هذا القانون الجديد، مؤكداً أن القضاء العسكرى هو قضاء شرعى ومنظم، له قواعده وأحكامه ولا يمكن بأى حال من الأحوال الطعن على شرعيته ومن يصدر أحكامه هم قطاع كبير من رجال القانون فى هذا المجال. اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجى والأمنى، يرى أن مكافحة الإرهاب ضرورة قصوى فى الوقت الحالى، وهو ما يتطلب إقرار هذا المشروع سريعاً، خاصة بعد تكرار حدوث الأعمال الإرهابية التى ترتكب ضد أفراد أو منشآت تابعة للقوات المسلحة أو الشرطة، حتى يمكن مواجهة كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع الذى يلجأ إليها مرتكب الجرائم الإرهابية لتنفيذ مشروعه الإجرامى فردى أو جماعى، بما يهدف إلى إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو يخل بالنظام العام.