أكد مفكرون سعوديون أن الواقع العربي المخجل، والمخيف، والمثير في تطوراته وتداعياته ترك لنا إرثاً ثقيلاً من التخلف، والإرهاب، والتعصب، ووصلنا معه إلى حالة يأس وإحباط وتأزيم، وبقينا نتفرج على نهاية مصيره، وتحديداً بعد أن تكالبت عليه ظروف داخلية وأخرى خارجية جمع بينهما الصراع، والثورة، والتحزّب، ووصلنا مع كل ذلك إلى طريق مسدود مع "خلافة مزعومة"، و"إمامة منتظرة"، وثائرون على الطريق، وأكثر من ذلك حكومات فاسدة وظالمة قتلت شعوبها، وصراعات على التقسيم، والتخوين، والضجيج الذي لا يتوقف في كل مكان. وأشاروا إلى أن الوضع السياسي والأمني في الوطن العربي، حتماً يتجه إلى الأسوأ، ولا مناص من تحمل التبعات التي ظهرت والتي لا تزال، والأهم تلك التي تسيّس على حساب المصالح؛ ليبقى المشهد مشوشاً، وحاضراً للتدخل في أي وقت ما دام الإرهاب ذريعته الكبرى، وفاتورته تدفع، وأجنداته تنفذ، والخافي أعظم!. جاء ذلك خلال "ندوة الثلاثاء" التي تنظمها أسبوعيًا صحيفة "الرياض" لمناقشة تداعيات الوضع العربي الحالي أمنياً وسياسياً. أوضح "د. عبدالرحمن الزهيان"، أن الشرق الأوسط كان في عين القوى الدولية منذ زمن بعيد، وسيبقى في عيون القوى الدولية إلى العقود المقبلة، وربما إلى القرون المقبلة أيضاً، وذلك لعدة أسباب، الأول نجده من خلال الدراسة الأولى التي أعدها السير "كامبل" قبل ما يزيد على (100) عام وأخذ بها درجة السير وهو ايرلندي، وهذه الدراسة موجودة على "الانترنت"، ويمكن أن يطلع عليها أي شخص حتى يدرك المخطط الأساسي لهذه المنطقة؛ لأنهم أدركوا منذ زمن بعيد القوى الكامنة لهذه المنطقة قبل ظهور البترول، حيث كان السير "كامبل" يفكر قبل ظهور فلسطين بإنشاء كيان ما يسمى ب"البفرزون" في منطقة الشرق الأوسط، حتى يمكن تفتيتها والسيطرة عليها، ولا تتمكن من السيطرة على العالم؛ لأن منطقة الشرق الأوسط تملك عناصر القوة الكاملة حتى قبل ظهور البترول مثل الحضارة والثقافة والقيم الإنسانية التي يمكن أن تنتشر من الشرق الأوسط، ذاكراً أن دعوة "كامبل" لتفتيت الشرق الأوسط جُددت عبر "برنارد لويس"، الذي يعد أحد الكتاب والخبراء في الشرق الأوسط، والذي درس الحضارة العربية والثقافة العربية والدين الإسلامي واللغة العربية بهدف إظهار مشاكل الشرق الأوسط، وأن هذه المشاكل لن تتم معالجتها إلاّ بتجزئة الشرق الأوسط؛ لأن فيها ثقافات من مكونات مختلفة وديانات مختلفة. وعلّق "د. محمد مظلوم"، موضحاً أن الموقف يختلف من دولة إلى أخرى، وطبيعة الدول العربية المحيطة بها، مشيراً إلى أن الدول العربية حالياً في حالة تفكك، وانهيار لكيان بعض الدول كالصومال ولبنان - الذي لا يزال بدون رئيس منذ عدة أشهر-، مبيناً أن الظروف التي تمر بها الدول العربية جعلتها تنكب على مشكلاتها الداخلية، وتكون في عداء مع دول الجوار المحيطة بها أو مع دول الاقليم بصفة عامة. وتساءل "سالم الغامدي"، عن خطر التفكك الداخلي العربي، وتحديداً تغذية الخلافات والتصنيفات والتحالفات وايديولوجيا الفكر المتطرف في كل دولة، وأجاب "د. آل بشر"، قائلاً: "الحرب المعنوية هي جزء من صراع نعيشه لمحاولة التفتيت من الداخل؛ ولذا عندما يطرق الأجنبي مرات عديدة لن يُفتح له ما لم يجد من يفتح له من الداخل، وهذا هو الشيء الذي تعاني منها المجتمعات العربية"، ذاكراً أن هذا هو النوع الثاني من الاستراتيجيات الدولية، وهو العمل على خلخلة الدول من الداخل بدون عمل عسكري، ومحاولة تفتيت الأسس الثقافية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف التماسك الداخلي وزرع الفرقة والاختلاف بين أفراد المجتمع. وطرح "د. أحمد الجميعة" سؤالاً عن دور إيران في المنطقة العربية، وأجاب "د. محمد السلمي"، موضحاً أن إيران لا تحتاج إلى ضوء أخضر في المنطقة، حيث أن لديها مشروع تعمل على إنجاحه مستغلة الفراغ الموجود في الوطن العربي، وتعمل على ملئه سواء في لبنان أو اليمن أو سورية، كما حاولت في مصر خلال فترة قليلة أثناء حكم الإخوان المسلمين، مضيفاً أن إيران تعاملت مع الثورات العربية بشكل ديني، حيث حاولت أن تصبغها بصبغة دينية وأسمتها الصحوة الإسلامية، وأنها امتداد للثورة الخمينية التي اندلعت في عام 1979م. وقال إن إيران لديها مشروع سياسي ممتد من زمن الشاه، وبالتالي ليس مشروعاً جديداً، وإنما استمرت تحت عباءة الفكر المذهبي، خاصةً في دولة اليمن التي تعد في غاية الأهمية بالنسبة لإيران، مشيراً إلى أننا نجد الآن في إيران تركيزاً قوياً عبر إعلامهم أن اليمن مرتبطة بها تاريخياً وقومياً، وينظرون إلى اليمن إلى ما قبل الإسلام عندما استعان ملك اليمن بهم لتخليصهم من الأحباش، ذاكراً أن اليمن خط أحمر بالنسبة لإيران باعتبارها بُعداً قومياً واستراتيجياً، وهناك مقابلات شخصية مع شخصيات في الحرس الثوري وشخصيات سياسية في الجامعات يقولون في أبحاثهم أنهم يسعون إلى إقناع الشعب الإيراني أن تدخلهم في الشؤون السورية واليمنية واللبنانية ليس تدخلاً خارجياً، وإنما قضيتهم لا تقل أهمية عن قضايا إيران الداخلية، وهم يعملون بجد وحرص على تحقيق ذلك. وعلّق "يوسف الكويليت"، قائلاً: أرى أن قضية إيران قضية شائكة، وهي الآن تستنزف نفسها بنفسها على العكس مما تطرحه من مخططات توسعية، حيث تسعى إلى بناء امبراطورية على حساب الوطن العربي من خلال الأقليات الشيعية، مضيفاً أن إيران أكثر هشاشة من الداخل مقارنة بالوطن العربي، وفيها مكونات تستطيع الدول العربية أن تلعب بها بسهولة لو وضعت استراتيجية لحرب وقائية من داخل إيران نفسها، بحيث يتم دعم هذه القوميات خاصةً من الدول الخليجية بفعل مضاد وبشكل إيجابي ومادي فقط، خاصةً إذا أدركنا أن إيران تستنزف نفسها في سورية واليمن ولبنانوالعراق، وهي الآن ليست قادرة على تحمل تكاليف إنشاء الامبراطورية، خاصةً أن (30%) من شعبها تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن إيران ليست بتلك القوة المرعبة التي وضعت أمامنا، وهو ما يحدث مع تركيا، التي لم تدخل الحرب بسبب خشيتها من الأكراد الذين يمثلون (30%) من عدد السكان الأتراك، بعمل ثورة داخلية تعمل على تفتيت تركيا من الداخل. وقال "أ. د. محمد البشر" : "المشهد الإيراني حاضر في كل القضايا، وأعطي أكثر من حجمه، واستكمالاً لما ينبغي أن يكون هناك ما يسمى بالحرب بالوكالة أو العمل بالوكالة، وفي الجانب الإعلامي نجد أن الذراع القوية للدول وربما في بعض الدول يفوق الذراع العسكرية، لهذا من المفترض أن تُستثمر الطاقات الإعلامية الموجودة في الوطن العربي أو الموجودة داخل إيران نفسها من أجل اضعافها من الداخل"، مضيفاً أن القضية تتمثل في توفر المال، مستشهداً بقصة شخص متمكن جداً في "بلوشستان" وكان يحتاج فقط إلى مبلغ معين من أجل أن يعمل في الداخل الإيراني، وبالتحديد يحتاج إلى قناة فضائية، مشيراً إلى أن ذلك يُعد عملاً قليلاً جداً مقارنة بالأعمال العسكرية، ولو تم لرأينا إيران منشغلة بالداخل أكثر من الخارج. وتداخل العقيد "إبراهيم آل مرعي"، موضحاً أن إيران تشهد وضعاً هشاً من الداخل، لكن قضيتها خاصة، ويجب أن تكون على مستوى القيادات العربية، ولكن هل بإمكان هذه القيادات اتخاذ سياسة المواجهة واستراتيجية الدول؟ مؤكداً على أنه عندما يتخذ مثل هذا القرار سيتغير المنظور الكامل الخاص بمواجهة إيران. وطرح "د. أحمد الجميعة"، سؤالاً عن الجماعات الإرهابية، ومن منحها فرصة الوقوف على المسرح وتحديداً في السنوات الأربع الأخيرة؟، وأجاب "د. محمد مظلوم" قائلاً: إن أغلب الجماعات الموجودة على المسرح في الوقت الحاضر هي فروع لتنظيم القاعدة، مع انخفاض دور قادة جماعات القاعدة في الوقت الحالي، مضيفاً أن الجماعات الحالية هي مجرد بؤر تابعة للقاعدة كالذي كان موجوداً في اليمن وفي جنوب الصحراء في أفريقيا، ومثلها التيارات الإسلامية المتطرفة في الدول العربية مثل الاخوان المسلمين في مصر، وأنصار بيت المقدس، وأنصار الشريعة، مبيناً أن جميعها فروع للقاعدة، غذتها نسبة كبيرة من الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهي التي أدت إلى وجودها في المسرح الدولي في الوقت الحاضر. وحول تشكيل المنظومة الإرهابية وسر توقيتها الآن، أجاب السفير "ضياء بامخرمة"، مبيناً أنه لا يوجد حزب أو تنظيم أو حركة أو جبهة على وجه الأرض يأتيها السلاح مطراً من السماء أو نبتة من الأرض، وكل قطعة سلاح موجودة على وجه الأرض اليوم معروف برقم متسلسل (صانعها وبايعها ومشتريها)، وعندما تظهر حركات إرهابية بهذا الكم الكبير فجأة وتمتلك هذه القدرة التسليحية فإن منطق العقل يصعب عليه أن يصدق أنها جاءتها هكذا، مضيفاً أنه إذا أخذنا "داعش" على سبيل المثال، فكيف يسمح لها أن تبيع النفط في السوق العالمية البيضاء والسوداء والحمراء والصفراء، فهذا في اعتقادي من أكبر علامات الاستفهام الآن، مبيناً أنه لا يعرف من أسسها وأتى بها ودعمها؟ مؤكداً على أن كل قوة على وجه الأرض مهما كان حجمها لا بد أن لها أرضية تنطلق منها. وأوضح "يوسف الكويليت" أنه معروف كيف نبت تنظيم "داعش" عبر السجون الأمريكية في العراق، حيث حدث تواطؤ كبير بين إيران ونظام "المالكي" مع أمريكا من أجل إطلاق هذا الوحش الجديد، متسائلاً: كيف سقطت الموصل بجيشها وعتادها وبنوكها وهي ثاني مدينة في العراق في يد تنظيم "داعش"؟ مضيفاً أن هذا التواطؤ حدث عندما انسحب الجيش العراقي من إيجاد مبرر من إيران و"المالكي" لإظهار الوجه الإسلامي السني المعادي للغرب، ومن خلال "داعش" يمكن أن يوضع الجانب الإسلامي السني في المواجهة مع الغرب وليس المذهب الشيعي، ذاكراً أن هذه العملية كانت استراتيجية خاطئة من إيرانوالعراق؛ لأن "داعش" نبتت مثل القاعدة وطالبان، وتتمدد بمساعدة دولية بما فيها تركيا، حيث وجدت فرصتها لضرب القواعد الكردية، لتقضي على حلم الدولة الكردية الممتدة من إيران إلى تركيا، مؤكداً على أن هذه لعبة أدوار يؤديها تنظيم "داعش".