في الفترة السابقة لحرب أكتوبر كنت في السنة الثانية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وكانت الجامعة والوسط الطلابي ترمومتر حالة القلق التي يعيشها الشعب المصري كله وتحديداً منذ 1972 عندما ترددت عبارات زادت من إحباط الجبهة الداخلية فما بالكم من الموجودين على خط النار مثل (اللاسلم واللاحرب) وأن عام 72 هو عام الضباب الذي جاء نتيجة الحرب بين الهند وباكستان واندلعت مظاهرات بالجامعة رافضة محاولات تكريس الأمر الواقع واستمرار أمد الانتظار، الأمر الذي مثل ضغطاً متزايداً على الرئيس أنور السادات الذي من حسن حظه في ذلك الوقت أن الإعلام لم يكن فضائياً، وبالتالي تأثيره أقل ولا يوجد ما يحث على الحشد والتحريض وتضخيم الأحداث، كان الإعلام في ذاك الوقت أقرب ما يكون للإرشاد والتعبئة والرأي الواحد المتمثل فيما تريده سلطة الحكم، ولكن الحركة الطلابية تحديداً في جامعة القاهرة لم تقتنع بمبررات تأجيل استعادة الأرض وتحرير سيناء، وبعد مرور 41 عاماً على حرب أكتوبر نؤكد أن كل ما طرح من مبررات لتأجيل المعركة كان «مقصوداً» للتغطية أو بالأحرى التعتيم على عمل عظيم يجري التخطيط له في صمت تام وتحمل الرأي العام تبعات هذا التعتيم وجاء استمرار حالة الغليان الشعبي متزامناً مع رؤية السادات في عدم الإفصاح عن حقيقة الوضع القتالي للقوات المسلحة ما أدى إلى وقوع العدو في شرك الاسترخاء ولم تساعده تقارير الاستخبارات التي ترد إليه يومياً من واشنطن والعواصم الغربية حول حالة الجبهة العسكرية بين مصر وإسرائيل في كشف عملية الاستعداد للحرب على الجبهة المصرية ولم تكن جبهة الجولان في سوريا مختلفة من حيث الهدوء والصمت ولو كان إعلام 73 مثل إعلام اليوم فلنا أن نتخيل ماذا كان سيحدث من تهييج للجبهة الداخلية ولكن يبدو أن لكل أيام رجالها فإن شخصية السادات لا تتفق مع هذا النوع من الإعلام الذي نعيشه اليوم وإن كنت أرى أن صورة التمويه على العدو كانت ستكون أكثر حبكة مما كانت عليه حينذاك ولهذا كانت حرب 6 أكتوبر مفاجأة للجميع في الداخل والخارج وكما يقولون الحرب خدعة فقد نجح أنور السادات في أن يخدع الجميع ويحقق عنصر المباغتة، فجاء صباح يوم السبت السادس من أكتوبر عام 1973 هادئاً وتوجه الناس إلى أعمالهم ولم يكن يبدو في الأفق أي شيء غير عادي وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل في يوم العطلة الأسبوعية التي تزامنت مع الاحتفال بأحد أعيادهم الدينية وهو يوم الغفران أو «كيبور» وعند دقت الساعة 1400 بدأت الضربات الجوية الأولى بشكل مفاجئ وغير متوقع من حيث التوقيت والحجم أعقبها قصف مركز بالمدفعية على طول خط القناة ثم بدأت الموجات الأولى للعبور وفتح سلاح المهندسين الثغرات في خط بارليف الذي وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه لن يقتحم ولا حتى بالقنابل الذرية، فجرى اقتحامه وتفجيره بالمياه وخلال ساعات قليلة ظهر للعالم كله الموقف، مصر بدأت معركة التحرير وفي الجبهة السورية تحرك السوريون لمواجهة العدو على نفس النسق ولا شك أن هناك وثائق عن حرب أكتوبر لم تكشف بعد توضح أبعاد قرار الحرب رغم الضغط والغليان الشعبي، وكيف لم يؤثر ذلك على معنويات المقاتلين على خط النار الذين أذهلوا العالم لحظة العبور.. لحظة نقلت المشهد من غياهب الهزيمة إلى فرحة الانتصار حيث ترددت في الآفاق عبارة واحدة «الله أكبر» كان لها فعل السحر في النفوس، وفي يقيني أنها كانت كلمة السر لنصر أكتوبر المجيد.