انتشرت في الآونة المعاصرة وفي مناطق مختلفة من العالم العديد من التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة والتكفيرية والتي ربطت نفسها دائماً بالإسلام، وارتكبت العديد من الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان والمجازر البشرية مما يمثل إساءة بينة للإسلام والذي يتم تصويره في الغرب نتيجة لهذه الممارسات بأنه يحرض على العنف والإرهاب، رغم أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال والتسامح، وقد اتخذت هذه التنظيمات أشكالا مختلفة ومتعددة ومسميات كثيرة وفي مناطق جغرافية مختلفة، في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وبلاد المغرب ونيجيريا وسورياوالعراق وليبيا، وبحيث أصبح الإرهاب يعبر عن ظاهرة عامة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي ويكاد لا ينجو أحد من آثاره التدميرية، ويعتبر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام والذي يطلق عليه اختصارا لفظ «داعش» أحدث هذه التنظيمات وهو ما يثير تساؤلات متعددة تتعلق بالنشأة والأهداف ومصادر التمويل والمصادر المعلوماتية ومصادر التسليح وعلاقة الدول الكبرى والأجهزة الاستخباراتية بهذا التنظيم والهدف منه وتأثير ذلك على المنطقة العربية وخصوصا تنفيذ مخططات التقسيم والتجزئة واستنزاف الأموال والموارد العربية على أكثر من مستوى، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: إن الدول الكبرى والقوى العظمي مسئولة مسئولية مباشرة عن نشأة هذه التنظيمات وتمويلها وتسليحها وذلك لتحقيق أهدافها في المنطقة من خلال استغلال التعددية والانقسامات والصراعات العرقية والطائفية والدينية والثقافية التي يعاني منها عديد من الدول العربية من جانب هذه التنظيمات الإرهابية وخصوصا داعش لتنفيذ مخططات التقسيم والتجزئة والتفتيت من خلال العنف والاقتتال بعد أن فشل المخطط في شكله الأول من خلال ما اصطلح على تسميته «ثورات الربيع العربي»، ولعل من المؤشرات المهمة المعبرة عن تورط القوى العظمي في هذا المخطط ما يلي:- أ- محاولة التهوين في البداية من نشأة هذه التنظيمات وخصوصاً تنظيم داعش من خلال أساليب الإعلام والدعاية والتي وصلت إلى أن هذا التنظيم شديد المحدودية ولا يتجاوز عدد أعضائه عدة آلاف، ثم أقرت وكالة المخابرات الأمريكية مؤخرا أن عدد أعضاء تنظيم داعش يصل إلى أكثر من ثلاثين ألفا وربما العدد الحقيقي لأعضاء التنظيم يتجاوز ذلك، وخصوصا مع وجود أعضاء في التنظيم من الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى الولاياتالمتحدة بطبيعة الحال. ب- إن هذا التنظيم الإرهابي يحقق للقوى الكبرى فائدة مزدوجة تتمثل في الاستمرار في استغلال بترول العراق والعمل على تقسيمه، فضلا عن العمل على القضاء على الجيش السوري تماما وهو ما يحقق منفعة استراتيجية لتلك الدول في اطار محاولتها إعادة تشكيل المنطقة وفرض الهيمنة عليها. ج - إن تنظيم داعش يحصل على معلومات استخبارية مهمة تمكنه من إجراء تقدم على الأرض وربما لا تستطيع القيام بهذه المهمة أي تزويد التنظيم بمثل هذه المعلومات سوى أحد الأجهزة المخابراتية العالمية شديدة التقدم، وبالإضافة إلى هذه المصادر المعلوماتية فهناك تساؤلات أخرى تتعلق بمصادر التمويل والتسليح سواء كانت إقليمية أو دولية. ثانيا: إن الولاياتالمتحدة تحاول بناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة داعش وذلك على غرار الحرب ضد العراق لإخراجه من الكويت وبحيث دفعت الدول العربية الخليجية نفقات هذه الحرب، كما شاركت في أعمال المجهود العسكري لتحرير الكويت وخصوصاً بالقوات البرية، ولكن يلاحظ أن الوضع بالنسبة لداعش شديد الاختلاف عن حرب تحرير الكويت وذلك لأن السحر انقلب على الساحر وأصبح التنظيم الإرهابي يمثل تهديداً للجميع على المستويين الإقليمي والدولي وليس تهديدا فقط للعراق وسوريا، ولذلك ليس من الإنصاف أن يتحمل العرب وحدهم تكلفة الأعمال العسكرية ضد التنظيم بل يتحملها الجميع أو يتقاسمها الجميع، كذلك فإن التدخل في سوريا دون موافقة سوريا إنما يمثل انتهاكاً شديد القواعد القانون الدولي، فالتدخل لكي يكون مشروعاً يتطلب الأمر موافقة الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة أي أن يصدر قرار من مجلس الأمن بهذا التدخل العسكري. ثالثا: إن التدخل ضد الإرهاب يجب أن يكون كاملا وشاملا، بمعنى ألا يتم التدخل الدولي أو الإقليمي ضد تنظيم معين وعدم التدخل ضد تنظيمات ارهابية في مناطق أخرى، فالظاهرة الإرهابية هي ظاهرة متكاملة ومترابطة، والتدخل ضد بعض التنظيمات وإهمال التدخل ضد تنظيمات أخرى يساعد على استمرارية الإرهاب، كذلك فإن التدخل يجب أن يكون حاسما ورادعا بمعنى الاستئصال الشامل والكامل للظاهرة الإرهابية وليس مجرد توجيه ضربات فقط مع تجنب الانتقائية في مواجهة الإرهاب، بمعنى ألا يتم توجيه الضربات ضد الإرهاب في الدول البترولية على سبيل المثال (ليبيا والعراق) أو الدول ذات الأهمية الاستراتيجية مثل سوريا فقط، وألا يكون الهدف من هذه الضربات تدمير القوات العسكرية النظامية لتلك الدول أو هدمها وإعادة بنائها مما يؤدي إلى تنشيط اقتصاديات تلك الدول وشركاتها من خلال صفقات الأسلحة، كذلك ليس المطلوب أن يكون هذا التدخل على نفقة الدول العربية وحدها، فالإرهاب كظاهرة يهدد الجميع أي الدول العربية ودول الإقليم والقوى الدولية، وبالتالي لا يجب أن يصبح الإرهاب تهديدا ثنائيا أو ثلاثيا تكتوي الدول العربية وحدها بناره وتتحمل وحدها نفقات المواجهة اقتصادياً وعسكرياً، ويتحتم عليها بعد الانتهاء منه دفع نفقات إعادة البناء الذي سينتج عن التدمير المترتب على المواجهة، يجب على الجميع أن يشارك ويتقاسم أعباء هذه المواجهة للظاهرة الإرهابية والتي تمثل تهديداً لكافة الأطراف مع التأكيد على أن تكون هذه المواجهة في إطار من قواعد وتنظيمات القانون الدولي. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة