سوزى الجنيدى شهد الأسبوع الماضى اجتماعات مكثفة سواء فى قمة الناتو بالمملكة المتحدة أم اجتماعات الجامعة العربية لوزراء الخارجية، تركزت حول مكافحة تنظيم داعش الذى أصبح محط الأنظار، ومن المنتظر أن تستمر تلك المناقشات فى اجتماعات الأمم المتحدة نهاية سبتمبر الحالى، لكن يبقى السؤال لماذا صمت الغرب على داعش حتى سيطرت على أجزاء كبيرة من أراضى سوريا والعراق؟ وهل فعلا يمتلك الغرب إستراتيجية واضحة لهزيمة داعش؟ وما الرؤية المصرية إزاء التحالف الذى يسعى الغرب لتشكيله؟ أسئلة مهمة خصوصا أن البعض يعتقد أن الهدف النهائى للغرب، هو إشعال الفتن والمواجهات بين السنة والشيعة منذ الغزو الأمريكى للعراق، ولهذا صمت الغرب أمام تمدد داعش حتى وصل إلى هذه الدرجة، لكن عندما بدأ خطرها يطول الكبرياء الأمريكى بعد فيديو قتل الصحفى الأمريكى، سارعت واشنطن بالتحرك بدون وجود إستراتيجية واضحة المعالم لكيفية القضاء على داعش. الواضح فقط حتى الآن أن الأفكار الأمريكية تركز على عدم التدخل البرى الغربى والاكتفاء بالهجمات الجوية مع تكثيف التعاون الاستخبارى مع الدول المعنية، خصوصا العراق واستخدام البشمركة فى العراق والجيش السورى الحر فى سوريا للتعامل مع داعش . وتشير التقارير إلى أن المحاور الأمريكية لمحاربة «داعش» فى المرحلة المقبلة تتركز على الدعم العسكرى للحكومة العراقية بعد تشكيلها، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب ومحاولة مواجهة تمويل «داعش» ومعالجة الأزمات الإنسانية، والأهم نزع الشرعية من أيديولوجية «داعش». وتوضح مصادر مطلعة أن تلك المحاور تحتاج إلى حرمان داعش من الرئتين السياسية والطائفية عن طريق نزع الغطاء السنى عن التنظيم ورفع الخلاف السياسى عنه ألا يكون ناطقا باسم السنة السياسية ولا باسم المهمشين بفعل الإقصاء فى المنطقة، ويجب ألا يظهر الغرب وكأنه يقف ضد السنة مرة أخرى . ويحتاج ذلك أيضا إلى تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لأن التركيز الدولى على محاربة داعش سيكون فى العراق وتجاهل على الأقل فى المرحلة الحالية تمدد داعش فى سوريا حماية سوريا هدف مصرى وتضيف المصادر أن واشنطن تسعى إلى إقامة تحالف دولى وعربى وتركى بغطاء من الناتو ومجلس الأمن، لكن تبقى سوريا معضلة، وهو ما يؤكده مصدر مطلع، فمصر لا ترغب بالدخول فى شراكة مع الناتو أو فى تحالف دولى إلا بشروط أهمها حماية سوريا من التقسيم عبر حل سلمى يشمل الجميع، واستعادة العراق عربيا وإسلاميا لكل أبنائه، والأهم عدم التورط فى عمل عسكرى برى تحت أى اسم كان. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أشار فى لقاءاته السابقة مع اعضاء بالكونجرس الأمريكى إلى أن هناك عدة عوامل متضافرة أدت إلى تفشى مثل هذه التوجهات الراديكالية فى المنطقة، وفى مقدمتها، الفقر والجهل والدور السلبى لبعض وسائل الإعلام والخطاب الدينى المغلوط، وهى جميعا تحتاج إلى تصويب، وأن هذا التصويب يحتاج إلى تضافر جهود جميع عناصر المجتمع، من خلال منظومة متكاملة تتشارك فيها الدولة مع المجتمع المدنى، دون تحميل طرف واحد مثل هذه المسئولية الجسيمة. مؤكدا أن عملية الناتو غير المكتملة فى ليبيا أسهمت فى تردى الأوضاع الأمنية والسياسية فى البلاد التى تم تركها دون شرطة أو جيش وطنى، مؤكدا أن مصر كانت تتوقع أن تجد الولايات المتحدة مساندة لها فى جهودها لمكافحة الإرهاب من منطلق اضطلاع البلدين بمسئولياتهما تجاه تحقيق الاستقرار والسلم والأمن الدوليين أما موقف العالم العربى فقد ظهر واضحا فى اجتماعات الجامعة العربية الأسبوع الماضى حيث أعلن د. نبيل العربى أن الإرهاب أكبر من قدرة العرب وحدهم على مواجهته. ومن جانبه صرح صلاح الدين مزوار وزير خارجية المغرب ل «الأهرام العربى» أن اللجنة العليا المصرية المغربية المشتركة والتى بدأنا الإعداد لعقدها ستبحث موضوع مكافحة الفكر الإرهابى والمتطرف. وردا على سؤال حول وجود توجه دولى لمحاربة داعش وأهمية التنسيق المصرى المغربى لمكافحة الإرهاب قال مزوار إن خطورة الإرهاب تفرض التنسيق المستمر بين مصر والمغرب، مشيرا إلى أن هذا التنسيق متقدم ومتطور ونحن واعون بمخاطر الإرهاب، كما أننا نعى أن قدرة الإرهاب على التحرك تفوق قدرة الدول وتنسيقها، لهذا نحن نعمل على تجديد وتطوير الآليات بين البلدين لمواجهة كل هذه المظاهر، لأن قدرة الدول على التنسيق ووضع الآليات هى التى ستكون الأداة المحددة للحد من هذه الظاهرة، وكذلك التحكم فى تطورها ونحن واعون من الطرفين أن لدينا مسئولية فى تطوير آلياتنا وتجديدها وتفعيلها، وكذلك فى أن يستمر التنسيق المتقدم والقوى فى مواجهة كل هذه الأشكال مضيفا لن التنسيق الدولى هو ضرورة ملحة اليوم، لكن يجب أن يترجم عمليا وميدانيا بالقدرة على الفعل، فالإرهاب لديه قدرة على التحرك ويجب أن تواكب الدول ذلك بالمزيد من التنسيق المتطور والقوى..وتشير مصادر مطلعة إلى أن هناك اتصالات أمريكية مع مصر والسعودية والإمارات لمواجهة داعش . وهناك ترجيحات بأن يكون لهذه الدول تحديدا دور مهم ورئيسى فى إستراتيجية مواجهة داعش. وتضيف المصادر أن مصر ترى أن المواجهة ليست أمنية فقط بل لابد أن يساندها دعم شعبى ومواجهة فكرية ودينية وتراكم معلوماتى ومساندة إقليمية بقدر الإمكان، وتحرك سريع على الأرض وتنمية اقتصادية. أما بالنسبة للسعودية فمن الصعب عليها التدخل المباشر فى الحرب على «داعش» فى العراق، حتى لو كان ذلك فى إطار تحالف دولى، لكن يمكنها تقديم تسهيلات لوجستية ومادية على عكس إيران الموجودة بالفعل فى الأجهزة الأمنية العراقية تسليحاً وتدريباً ومخابراتياً، وهى بالتأكيد قلقة من أن تنقل معركتها مع «داعش» إلى داخل إيران، وهى مسألة وقت فإرهاب «داعش»السنية يهدد إيران الشيعية . إيران فى المعادلة وتبقى إيران جزءا أساسيا غير واضح فى الأفكار الغربية لمحاربة داعش، فمن مصلحة طهران القضاء على داعش السنية لكنها لا تعلن ذلك، كما أن واشنطن تتجاهل الدور الإيرانى فعندما سألت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، وفى شأن ما إذا كانت إيران ستُدعى للمشاركة فى هذا الائتلاف الدولي، أشارت هارف إلى أن واشنطن «لا خطط» لديها للقيام بأى تنسيق عسكرى مع طهران فى الحرب ضد تنظيم «داعش». وقالت: «كنا واضحين بأن تنظيم الدولة الإسلامية يشكّل تهديداً ليس فقط للولايات المتحدة بل للمنطقة بكاملها بما فيها إيران». وأضافت، رداً على تقارير صحفية بأن إيران وافقت على مثل هذا الترتيب، «لن نقوم بأى تنسيق عسكرى أو تبادل للمعلومات الاستخباراتية مع إيران، ولا خطط لدينا للقيام بذلك». لكن هارف أشارت إلى أن واشنطن «منفتحة أمام الالتزام» إلى جانب طهران فى قضايا محددة مثلما فعلت فى السابق، خصوصاً بشأن أفغانستان فى أواخر 2001، عندما تعاون الجانبان لتسليم حميد كرزاى السلطة بعد إطاحة نظام طالبان. ثم عادت وشددت على «عدم حصول أى تنسيق ثنائي» بين الجانبين فى شأن العراق. كما استبعدت هارف أى تعاون مع الأسد فى سوريا ضد تنظيم «داعش» لأن واشنطن تطالب الرئيس السورى منذ سنوات بالتنحى لوضح حد للنزاع فى بلاده. وكانت ال «بى. بى. سى» نقلت عن مصادر لم تحدد هويتها فى إيران قولها إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله على خامنئى وافق على التعاون مع الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم «داعش». إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارحية الإيرانية، مرضية أفخم، نفت المعلومات. ولكن تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي» أمد أن ضباطاً إيرانيين التقوا نظراءهم الأمريكيين فى إقليم كردستان للتنسيق فى مواجهة «داعش»، بعد تحرير مدينة آمرلى، وأن اللقاء تم بموافقة خامنئى. وكان مساعد وزير الخارجية الإيرانى عباس عرقجي، الذى رأس وفد بلاده خلال اجتماع مع الوفد أمريكى برئاسة مساعد وزير الخارجية وليم بيرنز، أكد عدم وجود مؤشرات فى الوقت الحاضر تدفع طهران إلى التعاون مع واشنطن فى مواجهة «داعش»، لكن «هناك مصلحة مشتركة بين البلدين للقضاء علي هذا التنظيم». ومن المتوقع أن يصل إلى المنطقة قريباً وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بقصد التباحث مع الدول المحيطة بالعراق وسوريا حول آلية تشكيل التحالف العسكرى المطلوب. فى حين اقترح الوفد البريطانى ضم جميع دول الجامعة العربية بحيث تتم عملية المواجهة كموقف سياسى موحَّد. ويرى المراقبون أن تركياوإيران قد يُطلب منهما المساهمة فى عملية تحرير المناطق الشمالية من سوريا، والغربية من العراق. وفى حال قبلت إيران هذا العرض، فإن مشاركة «حزب الله» فى حماية السيادة السورية قد تصبح شرعية ومطلوبة لإسقاط التنظيم المتشدد. التنافس الأمريكى - الفرنسي وكانت مكافحة داعش محور عشاء لقادة دول الحلف مساء 4 سبتمبر فى قصر كارديف فى ويلز، وقال الأمين العام للأطلسى أندرس فوغ راسموسن، إن الحلف سيدرس «بجدية» أى طلب يقدمه العراق لمساعدته فى حملته ضد «الدولة الإسلامية». وأعرب هولاند عن ترحيبه بفكرة تشكيل «قوة للرد السريع»، موضحاً أن ذلك يجب أن يتم «بموجب القانون الدولي». وتحاول باريس من جهتها تنظيم مؤتمر دولى خلال الشهر الجاري، شرط أن يتم تشكيل الحكومة العراقية. و يرى البعض أن هناك تنافسا أمريكياً فرنسياً حاليا لاتخاذ خطوات فى اتجاه الحرب على داعش، حيث تفضل واشنطن تنظيم تحالف بينما تفضل باريس تنظيم موتمر دولى لوضع إستراتيجية للحرب، بينما اتخذت برلين خطوات فعلية ولأول مرة للتسليح قوات البشمركة وتزود سبع دول، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وأيضاً ألمانيا وإيطاليا، مسلحى «البيشمركة» بالسلاح أو تعهدت بذلك. وتستعد ألمانيا خصوصاً لتسليم 30 منظومة مضادة للدبابات و16 ألف بندقية و8000 مسدس آلى الأكراد. أما بريطانيا التى تعتبر محط الأنظار بسبب الاشتباه بأن المتطرف الذى أقدم على إعدام الصحفيين الأمريكيين يحمل جنسيتها، فقد تركت الباب مفتوحاً. وقال كاميرون إن بلاده مستعدة للمساهمة ب3500 عنصر فى قوة «التدخل السريع» للحلف لمواجهة التهديدات الجديدة التى تشكلها الأزمة الأوكرانية والمتطرفون الإسلاميون فى سوريا والعراق. وشدد على أن الحلف يجب أن يكون قادراً على التدخل، معرباً عن أمله فى أن تتوصل الدول الأعضاء إلى على تشكيل هذه القوة ومقرها بولندا ويكون بالإمكان نشرها «فى أى مكان من العالم فى غضون يومين أو خمسة أيام لا غير». وثمة «مدرستان» فى باريس، تقول الأولى إن المطلوب هو أن تتقدم بغداد من فرنسا بطلب رسمى للمساعدة العسكرية، وأن يصدر قرار عن مجلس الأمن يجيز التدخل العسكري. أما «المدرسة» الثانية، فترى أن قرار مجلس الأمن رقم 2170 الصادر بالإجماع تحت البند السابع بتاريخ 14 أغسطس كافٍ بنفسه ولا حاجة لقرار جديد يصدر عن الهيئة الدولية. بيد أن تصريحات الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته لا تدل على رغبة واشنطن فى العودة إلى مجلس الأمن، إلا إذا وجدت أن المجلس «جاهز» لتمرير قرار جديد «يؤطر» عمل التحالف العسكرى الذى يسعى الجانى الأمريكى إلى بنائه. لكن البحث بقرار جديد سيفضى بالضرورة إلى البحث فى تحدى الإطار الجغرافى الذى يفترض أن يطبق فيه، مما يعنى طرح مسألة العمليات العسكرية ضد «داعش» فى سوريا. روسيا والخوف من تكرار تجربة ليبيا أما بالنسبة لموقف روسيا فالأمر غير واضح فقد سبق أن انتقدت بقوة التحالف الغربى الذى أطاح بالعقيد معمر القذافى فى ليبيا، إذ اتهمته باستغلال القرار لدولى الذى دعا إلى حماية المدنيين، وتوسعت بتفسيره، واستخدمته لتغيير النظام الليبي. ولا تريد موسكو بالطبع تكرار التجربة الليبية فى سوريا، برغم أن المقصود هنا هو محاربة «داعش» وليس ضرب النظام. خصوصا أن النظام السورى سارع ربما بإيعاز من موسكو لعرض خدماته وطرح شروطه التى أولها تنسيق العمليات معه، بحسب ما طالب به وزير الخارجية وليد المعلم.و لكن حتى الآن، لم يحلّ الغربيون هذه الإشكالية، إذ يكتفون بالقول إنه «لا مكان» للنظام فى التحالف الذى يسعون إليه، وإنهم ليسوا مستعدين للتعاون معه. ولكن هذا الموقف قد يتغير خلال الأيام المقبلة. تركيا والخوف من الدولة الكردية ربما يكون الموقف التركى أكثر حساسية من الإيرانى بسبب مخاوف انقرة على أرواح الرهائن الأتراك ال48 المحتجزين فى الموصل منذ اجتياح «داعش» للمدينة العراقية، تحاول تركيا أن تبتعد عن الأنظار علنا فى التنديد بممارسات التنظيم.. ولكن كانت هناك مطالب خلف الكواليس من تركيا خلال قمة «الناتو» لمنع دخول المقاتلين الأجانب عبر حدودها إلى سوريا، حيث إن الآلاف عبروا الحدود التركية للانضمام ب«داعش». ورصدت المملكة المتحدة وحدها حوالى 500 من مواطنيها الذين سافروا إلى تركيا ولم يعودوا وتشتبه بأنهم انضموا إلى صفوف «داعش». وبدورها طلبت تركيا من حلف الشمال الأطلسى بالتأكيد خلال القمة على «التهديد من الجنوب» فى إشارة إلى المجموعات المتطرفة المنتشرة فى الشرق الأوسط، والتأكيد على ضمان سلم جميع الحلفاء، بمن فيهم تركيا، من تلك التهديدات، بدلا من التركيز على روسيا فقط. وتخشى أنقرة أيضا من تسليح الأكراد خوفا من أن ينقلب السحر على الساحر ويسهم ذلك فى نجاح محاولتهم إقامة الدولة الكردية فى المستقبل القريب. إسرائيل بدون تهديد مباشر تتعامل إسرائيل مع داعش وكأنه لا يمثل تهديدا مباشرا لها، وبالتالى فهى تفضل ترك الأمر للولايات المتحدة للقيام بكل الجهود لإثارة الصدام بين السنة والشيعة فى المنطقة، وتكتفى تل أبيب بالتاكيد على أن حماس مثل داعش تحتاج للقضاء عليها.