يعتبر مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط أحد أهم المهرجانات العربية بما يحمله من تاريخ كبير، كما يعتبر المهرجان الأهم مصرياً بعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، نظراً لكونه نافذة تطل علي القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا التي يجمعها البحر المتوسط ودوله التي تجاوزت سينمائياً لتشكل مدارس مختلفة نهضت بفن السينما وأضافت إليه الكثير. ولكن رغم تاريخ المهرجان الكبير الذي اختتم دورته الثلاثين مؤخراً فإن كثيراً من دوراته، خاصة خلال العقد الأخير لم تحقق الهدف الثقافي أو تسهم في التأصيل لحالة من الوعي في محيط المهرجان أو جعله منصة لإطلاق قذائف السينما المصرية صوب أوروبا ولم ننجح في ترويج فيلم مصري واحد وهي أزمة المهرجانات المصرية بأثرها لا الإسكندرية وحده، كما يجمعهم أيضاً سوء التنظيم كسمة مميزة لا تختلف من مهرجان لآخر، ولكن الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية فاقت التوقعات من حيث التخبط وسوء التنظيم والتربص، أيضاً من قبل البعض للنيل من منظميه وهو ما لا يعفيهم من مسئولية الفوضي التي ضربت الدورة الثلاثين لمهرجان الإسكندرية. في نهاية الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان أعلن الناقد الأمير أباظة رئيس المهرجان، رئيس مجلس إدارة جمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة له، بدء التحضيرات للدورة الثلاثين علي اعتبار أن الدورة التاسعة والعشرين كانت تقام في ظروف استثنائية، خاصة أن مد الإرهاب كان يضرب أوصال مصر ويحتجزها بعد فرض حظر التجوال في الوقت الذي انطلقت فيه الدورة، وبعدها بأيام نشرت صورة ل «أفيش» الدورة الثلاثين للمهرجان التي صممها الفنان السكندري أحمد الباز وهو ما يعني شروع مجلس الإدارة في العمل الفعلي، حتي أنهم اختاروا أفيش المهرجان ولكن للأسف فالمقارنة هنا قد تكون لصالح دورة حظر التجوال والتخطيط للدورة الأخيرة يبدو أنه لم يتجاوز اختيار أفيشها الجميل. فأولي قواعد التنظيم هي اختيار الأفلام ثم الاتفاق مع صناعها علي شحنها قبل المهرجان بوقت مناسب وبغض النظر حول الزوبعة التي أثيرت حول فيلم «فيلا توما» الفلسطيني الذي اتهم بالحصول علي تمويل إسرائيلي، رغم أن كافة المخرجين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة ويحملون هوية إسرائيلية ممن يطلق عليهم «عرب 48» يحصلون علي تمويل من صندوق دعم السينما الإسرائيلي ويقدمون بأموال إسرائيل أفلاماً مناهضة لها، لأن القانون يسمح لهم بهذا الحق كمواطنين إسرائيليين من وجهة نظر القانون، وللأسف فإن إسرائيل دولة قانون والتمييز ضد مواطنيها موجود ولكنه غير معلن، وإذا تجاوزنا هذه النقطة التي حاول البعض استغلالها للهجوم علي منظمي المهرجان بإلقائهم في بئر التطبيع، فقد أعلن رئيس المهرجان عرض الفيلم بغض النظر عن شائعة كونه فيلم الافتتاح من عدمه فقد تأجل عرض الفيلم مرة تلو الأخري، ثم أعلن المهرجان عدم مشاركته لاحتجازه في الجمارك، وهذا الاحتجاز شأن المهرجان الذي تسهم في تنظيمه جهات رسمية منها وزارات الثقافة والمالية والطيران المدني والسياحة وكان علي المهرجان إخراجه من الجمارك أو استبعاده قبل المهرجان بوقت كاف. وعلي ذكر الاحتجاز يضع عشاق السينما الكثير من علامات الاستفهام حول منع المخرج السوري محمد ملص من المشاركة في المهرجان للمرة الثانية علي التوالي، رغم مشاركة فيلمه «سلم إلي دمشق» الذي حصد جائزة الإبداع الفني ولم يتسلمها لأنه من المغضوب عليهم من قبل الجهات السيادية المصرية ولم يلتفت المهرجان أنه المسئول عن استخراج تأشيرات الدخول لضيوفه من الجهات الرسمية، فلماذا لم يقم المهرجان بمخاطبة الجهات المعنية واستصدار التأشيرة أو الرفض قبل المهرجان لرفع الحرج عن هذا المخرج الكبير وعن دولة لا تقدر الإبداع بمعزل عن خرافات السياسة أو الأخطاء الشائعة في قوائم المنع التي لا يلتفت إليها أحد. وعلي الرغم من أزمة الفيلم المصري التي تواجهها المهرجانات لانحسار الإنتاج السينمائي التي تخطفه أيضاً المهرجانات العربية، نجح المهرجان في وضع فيلمين مصريين علي قائمته.. الأول هو فيلم «قبل الربيع» للمخرج أحمد عاطف الذي اختلف عليه الحضور أيديولوجياً وفنياً.. والثاني فيلم «بعد الحب» للمخرج محمد نادر وهو التجربة الأولي له كتابة وإخراجاً وإنتاجاً، لكن الغريب أن المهرجان قام بتنظيم عرض كبير في سينما «جرين بلازا» لفيلم «بعد الربيع» باعتباره الفيلم المصري الوحيد.. في الوقت نفسه اكتشف ضيوف المهرجان وجود فيلم مصري آخر هو «بعد الحب» لم يعرف عنه أحد إلا لجنة التحكيم التي أشاعت وجوده قبل عرضه بيوم في قاعة الندوات الصغيرة، وهو تمييز واضح لا يليق باسم مهرجان الإسكندرية ويشير لاستعمال المهرجان من قبل صناع فيلم أقل من العادي وكأنه اشتري وجوده في المسابقة الرسمية للمهرجان. وقد يكون هذا التمييز راجعاً لشطارة المخرج الأول في الترويج لنفسه وضعف خبرة المخرج الثاني، خاصة أنه يقدم أولي تجاربه الروائية الطويلة، ولكن حتي مع هذه النظرية ستقع المسئولية علي المهرجان إذا افترضنا أن تأخر توزيع جدول العروض علي ضيوف المهرجان ليومين وراء هذا والاعتماد علي «الشطارة» في الترويج للأفلام، فإن هناك يومين عاش فيهما المهرجان الكثير من التخبط علي صعيد عروض الأفلام مع غياب جداول العروض وإلغاء المركز الصحفي، وهو التخبط نفسه في ندوات التكريم التي عدلت مواعيدها اكثر من مرة فاعتذر محمد منير عن ندوته، وعدلت نادية الجندي موعد ندوتها وحدث تمييز ضد المخرج داود عبدالسيد بعد أن نال ما ناله فيلم «بعد الحب» واحتجز العشرات من معجبيه في قاعة الندوات الصغيرة، بينما حظي باقي المكرمين بقاعة مؤتمرات لم يمتلئ ربعها بالحضور رغم أنها الندوة الوحيدة التي أدارها الناقد أحمد شوقي، وكان هناك تجاوب وكثير من النقاش بين الجمهور و«عبدالسيد» علي العكس من باقي الندوات التي لم تزد علي شهادات قدمها الحضور وخلت من أي حوار مع المكرم. وإذا أردنا الموضوعية فقد نجحت إدارة المهرجان في تنظيم مسابقة أفلام محمد بيومي لشباب الإسكندرية التي تعرضت أيضاً لانتقادات، خاصة مع ضعف مستوي لجنة تحكيمها وضعف الفيلمين اللذين تم تصعيدهما للمشاركة في المهرجان. يحسب للمهرجان تنظيم سمبوزيم للفن التشكيلي، أشرف عليه محمد يوسف عضو مجلس إدارة الجمعية الذي قدم العديد من اللوحات لفناني حوض المتوسط، بالإضافة لتقديم حفلي افتتاح وختام ملفتين، لا من حيث العرض ولكن من حيث حشد النجوم المشاركين فيها، بعيداً عن حفل الافتتاح يتضح من حفل الختام أنه لم يكن منظماً مع فتح الكلمات لكل من يمر علي المسرح وعدم القيام ببروفة قبل العرض حتي لا يعتقد الجميع أن الحفل انتهي قبل تقديم ثلاث جوائز. حفل الختام لم يحظ بتنظيم قوي بقدر التأمين الذي حاصر مكتبة الإسكندرية وأغلق الشوارع المؤدية إليها من جميع الاتجاهات ووقف المحافظ بنفسه يشرف علي التنظيم حتي أنه اكتشف خروج مصور صحفي من المكان المخصص له فهدده بكسر الكاميرا الخاصة به إذا لم يقف خارج مكتبة الإسكندرية.