كما اتفقنا منذ فترة تخصص مقال الجمعة عن الطعام وعادات الشعوب الغذائية وللأسف إذا كتبنا عن السياسة اختلفت الآراء، وزادت الاختلافات.. أما إذا تحدثنا عن الطعام، فالإعجاب يزداد.. يعنى فعلاً احنا شعب «همه.. على بطنه». وإذا كان المصرى يعشق صباحاً المدمس والطعمية وعجة البيض والشكشوكة.. فإنه يعشق على الغداء الكشرى.. ويا سلام على طبق البصارة بالتقلية.. والمصرى يموت فى الكوارع: شوربة.. وفتة بالخل والثوم.. أو طاجن العكاوى.. أما الحمام محشياً بالأرز أو بالفريك أو مشوياً على الفحم، فالمصرى يحبه، ويفضله وبالذات ليلة الدخلة.. أو مساء كل يوم خميس!! ولا يساويه إلا السمان المحشى أيضاً ولكن بالطريقة الدمياطى، أى «بالمرتة» أو مشوياً، ولا تنافس شوربة الكوارع العجالى، إلا شوربة العدس، خصوصاً فى الشتاء، بشرط أن يضاف للعدس الأصفر كميات من الجزر والكوسة والطماطم والبطاطس والكرفس بنوعيه البلدى والأفرنجى، ويعلو مطبقية الشوربة هنا كمية من البصل المقلى فى الزيت!! ورغم أن المصرى عرف شراء الطعام جاهزاً من الأسواق منذ مئات السنين، حتى وجدنا محلات «الرواسين» أى باعة لحمة الرأس المطبوخة وعرفت أقدامهم الطريق الى المسمط لتناول الكوارع والشوربة والفتة ربما أكثر من محلات الكبابجية.. والسمك المقلى والمشوى.. إلا أن المصريين عرفوا أخيراً الوجبات السريعة وأقبل عليها الشباب: من البيتزا بكل أنواعها، الى الهامبورجر الى السجق أو «السوسيس» حتى السوشى عرفها المصرى!!. ولذلك انتشرت فى مصر الآن هذه المحلات التى تقدم هذه الوجبات السريعة.. وهى للأسف: غزو أمريكى لبلادنا. وخلط الناس بين المسميات. البعض يعتقد أن «الدهان» هو بائع الكباب والكفتة وبالذات الملبسة.. ولكن الدهان، كان هو بائع الدهن، والدهن هنا هو الزيوت العطرية والعطور والروائح.. وأبناء السعودية والخليج يطلقون على هذه العطور الدهون العطرية وربما جاء الاسم من أشهرها وهو «دهن العنبر» الذى يستخلص من غدة معينة فى نوع من الحيتان يطلق عليها اسم حوت العنبر، فالعنبر هو دهن غالى الثمن للغاية.. ولا يدانيه «فى السعر» إلا نوع معين من «خشب العود» الذى يعشقه الأشقاء فى السعودية والخليج ويباع بالجرام، بسبب ارتفاع قيمته، وهو أفضل أنواع البخور الشرقية وموطنه جنوب، وجنوب شرق آسيا. ولأن العرب جميعهم، يختلفون فى السياسة.. فهم أيضاً اختلفوا حتى فى الأسماء التى أطلقوها على طعامهم.. فنحن نطلق على الخضار الشهير بأنه فاكهة البطيخ ولكنهم فى الشام يطلقون عليه اسم الشمام، وفى السعودية والخليج يطلقون عليه اسم «الحج» أما التوانسة نجاهم الله من حكم الإخوان فإنهم يطلقون عليه اسم «الدلاع». ونحن نعرف الخوخ..ولكن الشوام يعرفونه باسم البرقوق!! والكمثرى عندنا هى الإجاص عند الشوام واللبنانيين. وعندنا الليمون.. وعندهم «الحامض» ونسمى عندنا القرنبيط..وهم فى الشام ولبنان وفلسطين يسمونه «الزهرة» والكرنب عندنا هو الملقوف عندهم.. والبطاطس عندنا هى البطاطا عندهم،بينما البطاطة عندنا هى البطاطة الحلوة عندهم. حتى البرسيم عندنا هو «الجت» عند الخليجيين.. والسريس عندنا هو الهندباء!! وكذلك نختلف فى أسماء طعامنا البحرى فنجد أن المصريين يعشقون الجمبرى.. وهو عند غيرنا من العرب «القديرس.. أو الروبيان» والبورى عندنا هو البياح فى الخليج العربى. والسردين عندنا هو العومة فى دول الخليج، والبربونى عندنا هو السلطان إبراهيم فى لبنان وفى دول الخليج، وهو من ألذ الأسماك لأنها تتغذى فقط بأكل الجمبرى.. وأفضله هو البربونى صغير الحجم، وليس الكبير حجماً.. أما أشقاؤنا فى شمال أفريقيا من تونس الى الجزائر الى المغرب، وحتى إقليم الصحراء الغربية فيطلقون على الأسماك اسماً واحداً هو.. الحوت!! وتأثر أبناء الخليج بوجود جاليات آسيوية عديدة ولذلك هم يطلقون على «المانجو» اسم «الهامبا». وكما لنا فى مصر وجبات شعبية يعشقها الأغلبية.. للأشقاء كذلك وجبات شعبية وهم فى الكويت يفضلون سمك الزبيدى على ما عداه وهو الأغلى سعراً، خصوصاً الذى يصاد من الخليج.. يليه فى الجودة الزبيدى الإيرانى.. ثم فى المرتبة الثالثة يأتى الزبيدى الباكستانى.. ولكن سمك الكنعد هو الأكثر شعبية للطبقات المتوسطة لأنه قليل الشوك والقشور.. وهو عبارة عن لحم صاف، ويصلح لعمل «الصالونة» أى طبخه فى صلصة الطماطم.. ويقدم مع «العيش» أى الأرز البسمتى. وهناك من يعشق «المندى» أى لحم الضأن أو الماعز بطريقة خاصة و إذا كنا نعشق الكابوريا مشوية أو مسلوقة فإننا نفعل ذلك عوضاً عن ارتفاع سعر الاستاكوزا.. وأبناء بورسعيد يأكلون الكابوريا «عرايس» أى مخلية ومطبوخة ثم يعاد وضعهاداخل صدفة الكابوريا. وإذا عشق أهل السعودية الكبسة باللحم، وأحياناً بالدجاج.. فإن أبناء الأردن يفضلون المقلوبة.. بالباذنجان ولكن كلهم مع أهل الخليج يعشقون أيضاً «اللومى» المجفف أى الليمون المجفف الذى يضاف الى الطبيخ بكل انواعه..وكذلك أبناء المغرب حتى انهم غنوا لهذا اللومى!! وللشعوب فى أكلها..طقوس ومسميات حتى وإن اختلفنا معهم.