معظم شعوب العالم يعشق «الشوربة» وبالذات شعوب المناطق الباردة.. وأيضاً شعوب المناطق المعتدلة.. ربما يشذ عن ذلك شعوب المناطق الحارة. والشوربة توفر للناس الطاقة التي يحتاجونها.. لكي يواجهوا برودة الجو.. وتوفر لهم ما يساعدهم علي مواجهة البرد.. بشرط أن تكون رخيصة. مثلاً الشعب الروسي يفضل «شوربة الكرنب» لما فيها من سعرات حرارية عالية وهم أفضل من يصنع هذه الشوربة.. رخيصة الثمن. والشعب الفرنسي يعشق شوربة البصل.. ولهم في صنعها العديد من الطرق.. خصوصاً في فصول انخفاض درجات الحرارة وسقوط الأمطار والثلوج. والشعب الأمريكي يعشق شوربة الطماطم لما تحققه من «تليين» المعدة، خصوصاً لمن يشرب الخمور.. وأخذ الأمريكان حب هذه الشوربة عن الانجليز.. أما شعوب سيبيريا وألاسكا، وشمال كندا.. فانهم يضيفون علي شوربتهم كميات من الدهن الحيواني.. ويفضلون الأطعمة والشوربة الدسمة من الحيوانات المحلية.. وكذلك شوربة الأسماك الدهنية. والمصريون يعشقون أنواعاً مختلفة من الشوربة. ومن بين المصريين من يعشق شوربة العدس الأصفر. لرخص تكاليف اعدادها. وتبرع الست المصرية بإضافة مواد أخري إلي العدس الأصفر، لزيادة قيمتها الغذائية مثل البطاطس والكوسة والجزر والكرفس ويتم ضربها بعد تمام نضج كل هذه المكونات بالخلاط حتي تتجانس كل هذه المواد. والمصري يعشق شوربة العدس شتاء. وياسلام علي إضافة عصير الليمون لتزداد قيمتها الغذائية. ولكن سكان سواحل مصر الشمالية- في الدلتا- من بورسعيد ودمياط شرقاً إلي غرب الإسكندرية، يعشقون شوربة السمك.. وإذا كان أبناء بورسعيد ودمياط يشربون شوربة السمك البيضاء التي يطلقون عليها شوربة مستكة و«شيبة» أي يضيفون إليها المستكة والحبهان، أما «الشيبة» فكانت نوعاً من الأعشاب تزيد بياض هذه الشوربة.. وأفضل أسماك هذه الشوربة هي الدنيس والبلطي كبير الحجم. كما يشرب أبناء هذه المناطق شوربة السمك «بنية اللون» باستخدام البصل الذي يقلي في الزيت حتي يكاد لون البصل يتحول إلي الأسود أو البني الغامق.. والبصل المقلي هنا هو مصدر الطاقة التي يحتاجها المصري، في الشتاء.. وأفضل الأسماك التي تستخدم في هذه الشوربة «ويطلق عليها الدمايطة وأبناء بورسعيد» اسم شوربة الصيادية هي أسماك البوري كبير الحجم والقاروس واللوت والوقار.. والبلطي كبير الحجم.. لما فيها كلها من دهون.. وياسلام علي هذه الشوربة «لو سباتت» لصباح اليوم التالي التي تتحول إلي كتلة من الجيلي.. أو الألماظية تأكلها مثل الآيس كريم.. بالملعقة صباحاً. وللمصريين- أيضاً- عشقهم بشوربة الكوارع. وأنا شخصياً أفضل الكوارع العجالي كبيرة الحجم. والبعض يفضلون الكوارع البتلو.. وأحياناً الكوارع الضاني من الأغنام والماعز.. ولابد أن يكون معها فتة الخل والثوم ويمكن إضافة اللوبيا الجافة مع صلصة الطماطم والثوم.. وهات ياأكل! ويفضل كبار السن شوربة الخضار.. وشوربة لسان العصفور.. وشوربة الشعرية.. ولا يمكن أن ننسي شوربة الفول النابت مع النعناع الجاف وكل أنواع الشوربات يحتاج عصير الليمون. وعرف المصريون- في السنوات الأخيرة- شوربة «السي فود» وتصنع من الجمبري السليم. والكابوريا. وقطع من سمك الفيليه. وكذلك قطع من السبيط أو الكلماري.. مع الكرفس أؤ الكزبرة الخضراء.. والبعض يضيف علي كل ذلك اللبن أو الكريمة.. وان كنت شخصياً لا أرحب بذلك.. ولم تعد شوربة السي فود مقصورة علي أبناء المناطق الساحلية الشمالية من مصر.. بل امتدت إلي مدن الدلتا والقاهرة.. بعد انتشار مطاعم الأسماك- الساحلية- بهذه المدن.. ومنها ما يكفي ليشبع من يتناولها! وأخذت هذه الشوربة تنافس شوربة الكوارع، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الكوارع.. وارتباطها بطبق الفتة بالخل والثوم، التي كانت تقدمها «المسامط» سواء في الأحياء الشعبية، أو الراقية، أو فنادق الخمسة نجوم. ولكن من أشهر ما يتناوله أبناء المغرب- ونقلها عنهم أبناء الجزائر- هي شوربة الحريرة، وأصبحت من عشاقها منذ تناولتها للمرة الأولي عام 1975 في الجزائر.. ولكن «الحريرة» التي تناولتها في المغرب تفوق كثيراً ما تناولته في الجزائر.. وهي تصنع من أنواع عديدة من الخضراوات والحمص مع قطع صغيرة من اللحوم ولا ننسي العدس «أبوجبة» الذي يكون العنصر الأساسي في هذه الحريرة.. وتكاد تكون الحريرة طعاماً أساسياً سواء عند الفطور أو وجبة الغداء، أو العشاء.. ولكن تبرع الست المغربية في صنع هذه الشوربة عن الست الجزائرية. وتؤكل مع الخبز «الفينو» الفرنسي «الباجيت» أو غيره. أما شوربة الطماطم الساخنة فيفضلها الشعب الأمريكي.. بينما يفضلها الانجليز باردة.. ولهذا نجدها تباع في محلات السوبر ماركت وتشرب باردة من الثلاجة أو بعد تسخينها. وإذا كنت أعشق شوربة السمك المصرية وشوربة العدس وأحن كثيراً لشوربة الفول النابت.. فإنني كلما سافرت للمغرب فإن أول ما أطلبه هو شوربة الحريرة.. وجربت شربها في بعض المطاعم المغربية داخل مصر ولكنها ليست في جودة الأصل.. هناك في الدار البيضاء أو الرباط علي المحيط الأطلنطي أو في مراكش في الداخل أو مدينة فاس التاريخية أو حتي في أغادير.. وإفني ومدينة العيون عاصمة اقليم الصحراء.