لا شك أن إهمالاً ما، نال من جهودنا المبذولة في سبيل إنتاج برلمان ثوري يعبر بصدق عن قيم ومبادئ وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، باعتبارها الثورة الأم، وقد تواصلت مع أبنائها في الثلاثين من يونية، لتصحح من مسارها، حفاظاً علي مكتسباتها، واستمساكاً بأهدافها. فلم يكن تبكير الانتخابات الرئاسية، وتأخير الانتخابات البرلمانية إلي نهاية خارطة المستقبل، إلا لتوفير أكبر قدر ممكن من متطلبات نجاح أبناء الثورة في فرض سيطرتهم علي المشهد السياسي، تحت غطاء قانوني يقنن تمكين الثورة من إنفاذ ما جسدته من إرادة شعبية حرة؛ وليس في ذلك إلا كل تأكيد علي ما جاء في الدستور الجديد من اعتراف وإقرار بثورة الخامس والعشرين من يناير، وثورة الثلاثين من يونية. غير أن واقع الأمر يشير إلي غير ذلك، فبعد إخفاق القوى السياسية الثورية في تعديل قانون الانتخابات بما يدعم وجود الأحزاب بوصفها أداة سياسية من شأنها تفعيل مفهوم «العمل المؤسسي»، كأحد المفاهيم الغائبة عن حياتنا السياسية، والثابتة في كل عقيدة ديمقراطية سليمة، بات الأمر يبدو وكأن الانتخابات البرلمانية قد تأجلت لعدم أهميتها في حركة الشارع السياسي.! فليس من شك أن مجمل الأوضاع يميل باتجاه ترجيح كفة أعداء الثورة في الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ يستوي في ذلك أبناء مبارك وأتباع بديع علي السواء، وإن اختلفت السبل فيما بينهما؛ ومن ثم نكون قد أوكلنا إلي أعداء الثورة مهام السلطة التشريعية المنوط بها وضع القوانين التي تُجسد دستور الثورة!، بل وحق لهم تشكيل الحكومة كسلطة تنفيذية قائمة علي إدارة شئون الدولة الجديدة التي أفرزتها الثورة!؛ ومن ثم تبتعد الثورة عن المشهد السياسي إلا من رئيس للدولة، سحب الدستور من صلاحياته واختصاصاته الكثير لصالح أطراف تملكتها قوى أعداء الثورة!، وإلي هنا فإن الثورة بالقطع باتت محل شك كبير ومشروع. من هنا، فقد كانت التحالفات سبيلاً متاحاً، وإن لم يكن سهلاً، نحو توحيد الصف الوطني في مواجهة ما تتعرض له الثورة من مخاطر تهدد بسيطرة أعدائها علي أول برلمان يشهده الوطن بعد أن صححت ثورة يناير مسارها في الثلاثين من يونية، بعد انحراف الجماعة الإرهابية بها إلي حيث أغراضها المضادة لمفهوم الوطن. ولا يخفي علي القاصي والداني ما للبرلمان المقبل من أهمية بالغة، تصعد بها جملة من المهام والمسئوليات التاريخية، بموجبها تتحرك الثورة من موقعها الحالي، في طريقها إلي بلوغ أهدافها، إن لم تنجح جهود أعدائها في الانحراف بها، مرة أخرى، إلي حيث منافعهم الذاتية المنافية لكل ما اعتلي حناجر الثوار من مطالب مشروعة في حياة أفضل. وبالنظر إلي حداثة فعاليات الشارع السياسي في التجربة المصرية، تبدو التحالفات الانتخابية والسياسية مثيرة لتساؤلات منطقية حول دواعيها، وجدواها؛ ومن ثم فرص نجاحها، وهنا تجدر الإشارة إلي أن اندماج الأحزاب سمة مشتركة غالبة في العديد من تجارب التحول الديمقراطي، خاصة في ظل ثورة شعبية حقيقية، الأمر الذي من شأنه تقليص التباينات، ودفع أصحاب الرؤى السياسية المتقاربة إلي توحيد الصفوف والجهود؛ ومن ثم يمكن إعادة تشكيل المشهد السياسي وفق أيديولوجيات أساسية متعارف عليها؛ ومن ثم تجتذب مشاركة سياسية واعية. غير أن إدراكاً حقيقياً لأعباء الديمقراطية، ينبغي في ظله أن نتوقع فرصاً مواتية أمام عودة الأنظمة التي أسقطتها الثورة، بتشكيل أحزاب وكيانات سياسية، تحت مسميات مختلفة، وبوجوه أخرى، غير تلك التي شوهتها ممارساتها السابقة، وأدانتها الثورة، ونهضت لتقضي علي كل أثر لها يدعم فرص عودتها إلي السلطة. وعلي أبناء القوى الثورية الحقيقية يقع عبء مواجهة تلك «القوى الرجعية القديمة»، وكشف زيف ادعاءاتها الانتماء إلي أي فكر ثوري يلتقي بطموحات الشعب في حياة أفضل، وعليه... فإن استمساكاً بالقواسم المشتركة بين القوى الثورية هو أمر لا بديل عنه، وإن نالت منه مقتضيات المنافسة السياسية، وحدت من مجالاته دواعي الصراع السياسي. فليس إلا مصلحة الوطن تجمعنا، نحن القوى الثورية، علي سواء السبيل الوطني، تحوطنا الآمال الشعبية المتصاعدة في اللحاق بركب المجتمعات المتحضرة، وهي أمانة ومسئولية وطنية لا يدانيها شرف أو جاه، متى أخلصت الجهود، وتسامت فوق المزايدات والأهواء. فلتكن مخلصة جهودنا، واعية خطانا، لنؤكد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير إنما هي قد صححت مسارها في الثلاثين من يونية بعيداً عن المسار الإخواني، وإن لم ترتد أبداً ... عائدة إلي أحضان نظام مبارك الفاسد. «الوفد»