في مرحلة استثنائية من عمر الوطن، تعاظمت فيها المخاطر والتحديات المحيطة بالأمن القومي، علي المستويين الداخلي والخارجي علي السواء، يأتي السباق الرئاسي كخطوة ثانية في مسار خارطة المستقبل التي ارتضتها القوى الوطنية الثورية، تعبيراً صادقاً عن الإرادة الشعبية الجارفة التي شهد بها العالم أجمع في الثلاثين من يونية. من هنا كان دعم الوفد للمشير السيسي رئيساً لمصر، من منطلق وطني خالص، يُعلي من شأن المصالح الوطنية العليا، التي تراجعت كثيراً، إبان حكم الإخوان، عن موقعها الطبيعي في مقدمة أولويات القائمين علي إدارة شئون الدولة، تحت وطأة المتاجرة بالدين، مثلما تراخي العمل بها إعمالاً لمقتضيات المزايدات السياسية التي حفل بها المشهد السياسي، ما شكل لأعداء الثورة مدخلاً خلفياً، لا ينبغي لكافة القوى الثورية السماح به في ظل المنافسات السياسية المقبلة. والواقع أن المشير السيسي، وقد تعلقت به آمال الملايين، قد بات في موقف بالغ الصعوبة إزاء إنجاز ما يجسد كافة الطموحات الثورية التي نادت بها الملايين الثائرة منذ ثورة يناير المجيدة، مروراً بكثير من الفعاليات، وصولاً إلي الثلاثين من يونية، حيث اعتلي المشهد الوطني، مُلبياً نداء الوطن. ولا شك أن المشير السيسي يدرك تماماً أن الثورات الشعبية من شأنها إحداث مجموعة من التغييرات الجذرية في المجتمع؛ ومن ثم فإن المجتمع المصري قد ناله من التغير ما ينبغي أن يترك أثره واضحاً علي اختيارات واتجاهات حاكمه، وما يمكن أن يعكسه ذلك فيما يتعلق بالسياسات العريضة للنظام الحاكم المقبل. وإذا كان النظام الحاكم الذي يؤسس له دستورنا الجديد، لا يتمحور حول الرئيس بوصفه المهيمن علي مقدرات الأمور في الدولة، رغم ما له من صلاحيات كبيرة، فإن الثقافة السياسية الحاكمة، ترفع من مسئولية السيسي، قدر ما تشير إلي أن موقع الرئيس بالغ الأثر في «المُخيلة» الشعبية، وهو أمر طبيعي في دولة مركزية منذ آلاف السنين كمصر؛ وبالتالي فإن الآمال المُعلقة بقدرات السيسي رئيساً، ربما تفوق ما للرئيس القادم من اختصاصات، وهو أمر ينبغي تفهمه علي نحو دقيق، بما لا يدع مجالاً للتشكيك في قدرة مكونات النظام الحاكم المُقبل علي العمل وفق آليات تضمن اتساقاً واضحاً، وإن تعددت الرؤى، وتباينت المنابع الفكرية، طالما ظلت القواسم الوطنية المشتركة جامعة لكل جهد وطني مخلص. وإذا كان البرنامج الانتخابي للمشير السيسي، نتوقع منه تعبيراً صادقاً عن مبادئ وأهداف الثورة المصرية المجيدة التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير، وصححت مسارها في الثلاثين من يونية، بعيداً عن المجرى الإخواني المظلم، فإن الأمر جدير أيضاً بأن يجسد البرنامج رؤية واضحة، قابلة للتحقيق في ظل وجود معارضة قوية، دون تعليق كافة المعوقات والعقبات علي كاهل المعارضة، أو القوى «غير المساندة» للسيسي رئيساً، متى التزمت بدورها المستحق وفق ما منحه لها الشعب من تأييد في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ربما كان في ذلك إشارة واجبة، لما يمكن أن يواجهه السيسي رئيساً، في ظل ما ستسفر عنه طبيعة وفعاليات الاستحقاقات المقبلة من تفضيلات للرأي العام، وهو أمر له أصول في صحيح الممارسة الديمقراطية؛ ذلك أن هيمنة تيار واحد علي المشهد السياسي، أمر لا يدفع بنا بالاتجاه الصحيح، ولا يشير إلي جوهر الثورة المصرية، ومبادئها السامية التي أعلت من قيم الحرية والمساواة والعدالة. وجدير بحزب الوفد التأكيد أن دعمه للمشير السيسي رئيساً، وقد جاء وفق ما يتمتع به الوفد من نهج مؤسسي، هو دعم لا يبتعد بالوفد عن كافة ميادين الثورة، ومثلما احتضن الوفد جبهة الإنقاذ في مواجهة نظام الإخوان الإرهابي، فإن دعم الوفد للمشير السيسي رئيساً يرتبط بمدى التزام الرجل بمبادئ وأهداف ثورة يناير المجيدة، دون أن يُنقص ذلك من المسئولية الوطنية للوفد، والتي تحتم عليه قيادة معارضة وطنية شريفة متى تجاوزت الممارسات سواء السبيل الثوري، وابتعدت عن آمال وآلام الملايين التي خرجت تنادي بحقها في حياة كريمة حرة. «الوفد»