بوصفها مرحلة انتقالية، تحفل عملية التحول الديمقراطي بكثير من المظاهر التي ربما تشكل مجموعة من المتغيرات علي المشهد السياسي، قد تبدو غير متفقة مع حقيقة الأوضاع علي الأرض، غير أنها تعبر بصدق عن الحالة الثورية الجديدة التي تدفع باتجاه انطلاق ما كان محتجزاً داخل أطر ضيقة في ظل النظام البائد الذي نهضت الثورة في مواجهته. من ذلك علي سبيل المثال، التزايد الواضح في الأحزاب والحركات السياسية، وهو أمر طارئ لكنه معتاد في أثناء عمليات التحول الديمقراطي التي تعقب الثورات الشعبية، رغم ما يوحي به من انقسامات مجتمعية تفسد المساعي المبذولة للحفاظ علي وحدة القوى السياسية التي بشرت بالثورة، وأسست لها، وانطلقت في طليعتها نحو صياغة مطالبها المشروعة. فلقد ذهبت عملية التحول الديمقراطي في كثير من المجتمعات إلي ذلك السبيل، وسرعان ما اندمجت الأحزاب والقوى السياسية في عدد يتناسب وهيكل النظام السياسي الجديد، وبما يشير إلي التباينات الموجودة في الشارع السياسي، بعد وضوح الرؤى، وبلورة مسار طبيعي تنتهجه عملية التحول الديمقراطي، وهو الأمر الذي بدت ملامحه في الظهور في الحالة المصرية. من جهة أخرى، فإن كثيراً من تلك التجارب، قد شهدت محاولات لعودة النظم التي أسقطتها الثورات، وتفاوتت قوة تلك المحاولات في استعادة مراكزها، غير أن الإرادة الشعبية تنتصر ولو بعد حين، وفق ما تتيحه لها ظروفها المجتمعية المختلفة، وما تقدمه القوى السياسية الثورية من دعم حقيقي وجاد في هذا الاتجاه، استناداً إلي ضمير وطني، يبتعد بالمصالح الحزبية والذاتية عن مجريات الأمور. وفي ظل ما يواجهه الوطن من تحديات ومخاطر، تندفع من الداخل والخارج علي السواء، لتهدد أمنه القومي، بل بقاءه ذاته، فإن الحاجة مُلحة إلي يقظة كافة أطراف المشهد الوطني، فربما لا يدرك أعداء الثورة، ثورة يناير المجيدة، وموجتها التصحيحية في الثلاثين من يونية، أن «نجاحهم» في القضاء علي الثورة لن يُبقي في الوطن مغنماً لهم، وقد بات ماثلاً أمامنا حجم مؤامرات نظام الإخوان السابق وقد طالت أرض الوطن، بعد أن أهدر نظام مبارك الأسبق ثروات الوطن، وألقي به بقوة إلي الخلف، بعيداً عن موقعه الطبيعي بين الدول المتحضرة. وقد حرص حزب الوفد مدفوعاً، بتاريخه العريق، ومسئوليته الوطنية، كأكبر الأحزاب السياسية وأعرقها، علي احتضان جبهة الإنقاذ، وهي في مهدها، وحتى بلوغها أهدافها، التي تمثلت في إزاحة الحكم الإخواني، بعد أن فشلت كافة المحاولات في دفع جماعة الإخوان إلي الاندماج في الصف الوطني، وتحمل المسئولية التاريخية التي فرضتها الثورة المصرية المجيدة علي الجميع، فكان أن تمسكت الجماعة بمبادئها المنافية للمصالح الوطنية، وفضلت انتهاج سُُبل نظام مبارك المستبد، بغطاء ديني كاذب، فاحتكرت العمل السياسي، وأقصت كل وطني شريف، واختزلت المجتمع في أنصارها. ولقد أثارت محاولات العودة من جانب نظام مبارك الفاسد، مخاوف القوى الثورية من فقد الثورة، للمرة الثانية، بعد استردادها من حكم الإخوان في الثلاثين من يونية، فآثرت جبهة الإنقاذ البقاء في الساحة السياسية، حماية للمسار الديمقراطي، وضماناً لبقاء القيم الديمقراطية حاكمة لحركة الثورة المصرية، وإلي أن تكتمل المؤسسات الدستورية للدولة، لتتولي إدارة شئون الدولة في ظل مساءلة شعبية يقظة. والواقع أن في ذلك إشارة واضحة إلي أن جبهة الإنقاذ لم تنشأ لخصومة مع مجموعة من الأشخاص، مهما ابتعدت توجهاتهم عن المسار الطبيعي للثورة، قدر ما شكلت الجبهة ضمانة حقيقية لمبادئ الثورة، وصيانة لمكتسباتها؛ ومن ثم لم تبدل الجبهة أهدافها، وظلت حماية القيم الديمقراطية التي نادت بها الثورة، هدفاً أصيلاً لا يمكن تجاهله، مهما تبدلت الوجوه علي الساحة السياسية. وكما انتصرت الجبهة في مواجهة المتاجرين بالدين، ستحول الجبهة دون توفير ممرات آمنة لعودة رموز، وممارسات، وسياسات نظام مبارك الفاسد، لتظل «الجبهة» ضميراً حياً للثورة، ويبقي «الإنقاذ» أمانة ومسئولية واجبة علي كل وطني شريف.