لا يملك حزب الوفد إلا التمسك بمبادئه وثوابته التاريخية، إزاء مستقبل وطن، وآمال شعب ضحي بالكثير في سبيل إدراك موقعه الطبيعي بين الأمم المتحضرة؛ فلطالما حالت مسئولية الوفد بينه وبين الانخراط في صفوف مواكب الطاعة والولاء؛ ومن ثم ليس لدي الوفد «بيعة» مطلقة يمنحها لأحد مهما علا شأن موقعه لدي صفوف الرأي العام. وليس من شك أن المشير عبدالفتاح السيسي قد نهض بدور تاريخي، بانحيازه التام للإرادة الشعبية الحرة في الثلاثين من يونيو، فكان استرداد الشعب لثورته المجيدة التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير؛ ما أتاح للرجل مساحة فريدة في قلوب الناس. غير أن الوفد لا يري في ذلك مبرراً لبيعة مطلقة، ترتد بالوطن بعيداً عن سواء السبيل الثوري، وتهدر القيم النبيلة التي سعت الثورة المصرية إلي تجسيدها؛ وبالتالي فإن ثقة الوفد كبيرة في تفهم المشير السيسي لطبيعة المرحلة الدقيقة الراهنة، وما تفرضه من متغيرات تطال كافة أطراف المشهد السياسي. فلم يعد الوطن يحتمل أن يأتيه رئيس وفق أسس تبتعد عن المعايير الحاكمة للعملية الديمقراطية الصحيحة؛ ومن ثم ينبغي أن تختفي من حياتنا السياسية كافة المظاهر الدالة علي عدم استيعابنا لمقتضيات إنفاذ الإرادة الشعبية الحرة التي اعتلي السيسي بموجبها قائمة المرشحين للمنصب الرفيع. فلا أقل من برنامج سياسي يتقدم به الرجل إلي الشعب بأسره، يؤكد به الحفاظ علي مبادئ الثورة المصرية، واستمرار انحيازه للشعب الذي قدم الكثير من أبنائه، افتدى بهم ثورته، وأنار بأرواحهم الطاهرة الطريق إلي مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ولن يقبل الوفد إلا ببرنامج عمل وطني يجسد ما جاء في الدستور الجديد الذي حاز ما يشبه الإجماع من شعب مصر... برنامج يحقق الديمقراطية القائمة على أسس التعددية الحزبية والفكرية، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة. فليلتزم المشير السيسي بعدم السماح بعودة الأنظمة الفاشية التي أسقطتها الملايين، تحت أية مزاعم، فكما أن المصالحة المجتمعية لا ينبغي أن تُقر تسامحاً يتجاهل ما اقترفه النظام الإخواني من جرائم، فإن دعم رموز نظام مبارك المستبد للمشير السيسي، لا ينبغي أن يقابله إتاحة ممرات آمنة للعودة بهم إلي الحياة السياسية. وطالما لبي المشير السيسي رغبة الملايين في الترشح للرئاسة، فإن عليه أن يدرك أن انحيازه للإرادة الشعبية في الثلاثين من يونيو، لن ترد عنه ما يمكن أن يُقوم به الشعب قائده، ولن تمنع قيام معارضة وطنية شريفة، يقودها المخلصون من أبناء الثورة المصرية. في هذا السياق، فإن المسئولية الوطنية تقتضي من الكافة تهيئة السبيل أمام الشعب لاختيار قائده في مناخ ديمقراطي، يعبر عن مدى ما بلغناه علي طريق التحول الديمقراطي المنشود؛ ذلك أن الثورة المصرية جديرة بسباق رئاسي حقيقي، يمكن تناوله بما له من دلالة واضحة علي حقيقة مسار العملية الديمقراطية. من جهة أخرى، يؤكد الوفد أن شرعية الإرادة الشعبية للثورة المصرية هي السند الحقيقي، والداعم الفعلي لما بلغه السيسي من مكانة في قلوب المصريين؛ وبالتالي لا يسهم في إنجاح الرجل، ولا يدعم بناء دولة ديمقراطية حديثة، محاولات «البعض» بث بذور زعامة ملهمة، تحيا وإن فشلت، وتسقط شعوبها وإن ضحت.! «الوفد»