تشير التجارب الدولية إلي عدم صلاحية استراتيجية الإقصاء في العمل السياسي، فما نجح نظام حاكم في إلغاء وجود تيار سياسي، مهما ارتكبت قياداته من خطايا انتهكت حقوق الشعوب في حياة كريمة. فما إن تسعي نظم حاكمة إلي استبعاد فصيل بعينه، وإنكار وجوده، إلا وظهر بلافتة جديدة، ولو بعد حين، ونظرة واسعة علي المجتمع الدولي نري بها كيف عادت الأحزاب الشيوعية، في أوروبا الشرقية، بأفكار مُطورة تتسق ومقتضيات الأمر الواقع، وما مات حزب البعث العراقي إلي الآن؛ ومن ثم لم تنجح محاولات النظم الحاكمة في مصر، علي مدى عقود، في إلغاء وجود جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت قيادات الجماعة مسئولة بقدر كبير عن ذلك، بعد أن فشلت في تطوير أفكارها بما يؤدى إلي فصل الرسالة الدعوية القائمة علي ثوابت الدين، عن العمل السياسي بمتغيراته. والواقع أن فشل استراتيجية الإقصاء في العمل السياسي، ترتد إلي حقيقة، يحلو للنظم «الحاكمة» غير الديمقراطية إغفالها، مفادها أن المعارضة جزء أصيل من النظام السياسي، بل هي الجزء الضامن لحيوية وفعالية النظام السياسي في التعبير عن حقيقة الإرادة الشعبية، وبدون فعالية المعارضة نكون أمام اختصار مُخل بالمعني الديمقراطي، تُختزل فيه العملية السياسية في «نظام حاكم» لا يمكنه وحده استيعاب كافة الرؤى الوطنية. ودون مصادرة الحق في الاحتفال باستعادة الثورة المصرية في الثلاثين من يونية، فإن أجواء المصالحة ينبغي أن تخلو من نشوة منتصر، وأنين مهزوم؛ فليس من صالح العملية الديمقراطية أن يحتكر فصيل التعبير عن حقيقة الإرادة الشعبية، ولا تخلو التيارات الإسلامية من كفاءات وطنية يمكن أن تُسهم في بناء نظام ديمقراطي، تتحقق بموجبه طموحات الشعب المصري. ولا يصح كذلك اتخاذ «حتمية» المصالحة سبيلاًَ إلي تعنت البعض فوق ما تحتمل المرحلة، وبما قد يؤدى إلي عرقلة المسيرة الوطنية. ولا ينبغي أيضاً أن يتسرب المتآمرون علي الشعب عبر بوابات المصالحة الرحبة، بما لا يحقق الردع لكل من يضع مصالحه فوق الاعتبارات الوطنية. ويبقي الأمل في قيادات إخوانية جديدة تنسجم مع متطلبات الوطن في تلك المرحلة الدقيقة، وتملك من الشجاعة ما يدفعها إلي تطوير فكر الجماعة، بما يدفع باتجاه فصل الدور الدعوى عن العمل السياسي، استناداً إلي أن الفشل في إقصاء الجماعة، لا يتيح للجماعة الفرصة لإقصاء الإرادة الشعبية.!!