لا شك أن الدستور إنما يعبر عن الهوية الوطنية، وما تحمله من طموحات نحو مجتمع أفضل تلتقى فيه بمقومات المجتمعات المتحضرة، وهو بذلك يؤسس لحياة سياسية تتوافق مع جوهر العملية الديمقراطية، يسودها نظام سياسى يفرز حكمًا مبنيًا على أسس ومعايير الحكم الرشيد. وهو ما يتطلب جهدًا فائقًا من البرلمان المقبل فى سبيل ترجمة الدستور إلى قوانين تظلل مسيرة الوطن نحو طموحاته الثورية؛ وهى مهمة لا ينبغى التقليل من شأنها، فكم من مجتمعات عانت فى ظل دساتير تحفل بقيم إنسانية رفيعة، فليس يذكر التاريخ دستورًا أكد على استبداد الحاكم، وفساد حاشيته؛ ومن ثم فإن القوانين المعبرة بصدق عن الدستور تظل الضمانة الحقيقية التى بموجبها يمكن الوثوق فى تحول ديمقراطى على الأرض، ولا يغنى ذلك عن مساءلة شعبية واعية لكل من بيده أمر الوطن. من هنا فإن الدستور الجديد بما يمثله من قيمة حضارية مُضافة إلى المجتمع المصري، تُحسب بالقطع للثورة المصرية وأبنائها، أمانة غالية تقتضى حرص كافة القوى الوطنية المخلصة على الحيلولة دون سقوط الدستور الجديد فى أيدى أعداء الثورة. فليس من الحكمة أن توكل آمال الثورة لمن قامت الثورة فى مواجهتهم؛ ومن ثم فإن انتخابات البرلمان القادم تحمل الكثير من الدلالات حول مدى جدية الثورة فى سعيها نحو تحقيق أغراضها، وإنفاذ الإرادة الشعبية التى تعلقت بها فما أتى به الدستور الجديد من قيم ومبادئ سامية تلبى المطالب الثورية، وتدفع بالمجتمع صوب حياة كريمة حرة، هو أمانة لا ينبغى التفريط فيها تحت مزاعم بالية، لم يعد لها أن تحكم حياتنا السياسية؛ وبالتالى فإن كافة الأطراف فى حاجة إلى مراجعات كثيرة فى هذا الشأن. والأمر على هذا النحو يشير إلى ضرورة سد الثغرات أمام عودة النظام السابق، وكذلك الأسبق، فكلاهما على عداء حقيقى مع الثورة المصرية، وما تفرضه من أدوات يفتقرون إليها، وسياسات تجابه أيديولوجياتهم القائمة على أسس تتعارض بالقطع والمصالح الوطنية. وعلى ذلك فإن قانون الانتخابات لا ينبغى أن يمر دون الإقرار بأن عودة أعداء الثورة مسئولية مشتركة بين القائمين على إدارة شئون الدولة، وكافة القوى السياسية الوطنية، بدعم كامل من إرادة شعبية يقظة، لن تتهاون أمام محاولات، بدت ملامحها فى الأفق، تتخذ من المبررات ما يُسهم فى إنجاح مساعى العودة التى يبذلها أعداء الثورة. ثم تأتى مسئولية الأحزاب السياسية، وقد منحتها الإرادة الشعبية فرصة ربما تكون الأخيرة أمامها، لتدفع بأعداء الثورة بعيدًا عن الطريق الذى اختطته لها الملايين، لا يأخذها فى ذلك ادعاءات لن تمر، كما مرت غيرها، وأفسدت على ثورة يناير المجيدة مسيرتها، حتى عاد الشعب وكرر النداء الثورى فى الثلاثين من يونيو، مانحًا الأحزاب وكافة القوى الوطنية المخلصة فرصة تصحيح خطواتها، لتظل بالفعل جديرة بحمل لواء الثورة المصرية؛ ومن ثم لا تسمح بأن يلوث وطنيتها حفنة من رموز نظام أسقطه الشعب. ثم يبقى الشعب، لا ينتظر دفعًا إلى الأمام باتجاه أحلامه المشروعة، فتراثه الحضارى الفريد، الذى صاغه فى ثورة شعبية ألهمت الكثير من شعوب وقادة العالم، لا شك دافعة إلى غايته فى حياة كريمة حرة، مستندًا إلى تجاربه المريرة السابقة التى ألقت بالوطن فى مواجهة جملة من التحديات والمخاطر على المستويين الداخلى والخارجي، فلطالما عانى الشعب فى ظل محترفى المتاجرة بالوطن والدين على السواء. ثم يبقى لنا مناشدة بقايا من ضمير وطني، عله ما زال لدى البعض من أعداء الثورة، فيتنحى منهم جانبًا من أدرك الدرس، واستوعب مقاصده، وأيقن قوة الشعوب إذا ما أرادت مساءلة حكامها، أما غيرهم من المكابرين، فموعدهم مع الإرادة الشعبية الحرة فى صندوق شفاف لا يخفى من الأمر شيئًا. «الوفد»