مرت الأيام وانقضت ليالي رمضان، ومنذ أن بدأ الشهر الفضيل، كان هناك من المسلمين من يحسن استقبال الشهر الكريم، ويسارع فيه بالخيرات ويسابق فيه الى الجنات لكن الكثير منهم من يخرج من الشهر الكريم وقد ازداد بعداً، ومنهم من يعامل مع هذا الشهر كما يتعامل مع بقية الشهور وإن كان يضيف بعض الطاعات، ثم لا يلبث أن يعود بعد انقضاء رمضان الى سابق عهده لكن لابد للأمة من اغتنام الشهر، خاصة ونحن في الأيام الأواخر منه، وهناك ليلة القدر وزكاة الفطر، وبعد إذا أردنا أن ننتقل في رمضان وبعده من الانفعال والتأثر الى الانجاز والعمل فلابد من الانتصار على أهواء النفس الجامحة لنسعد في حياتنا الاجتماعية ونحقق الوحدة الوطنية والعربية والاسلامية ونكون الأمة الراقية الشاهدة على العالم كله، ومن هنا فقد جاء الصيام ليعطي كل فرد ثقة في نفسه انه بعون الله قادر على ضبط زمامها وكبح جماحها، وعن فضل العشر الأواخر من شهر رمضان وليلة القدر ولماذا شرع زكاة الفطر وكيفية المحافظة على سلوكيات رمضان بعد الانتهاء منه واستقبال العيد، والنصائح التي لابد أن يتبعها كل مسلم دار هذا الحوار مع فضيلة الشيخ رشدي يوسف جابر أحد علماء الاوقاف وإمام وخطيب مسجد الامام البخاري بشبرا الخيمة ومن ثم هذا نصه: في البداية.. ما رؤيتكم لحال الأمة الاسلامية الآن؟ - ان التقييم لواقع الأمة الاسلامية الآن هو أنه واقع مرير، لكن الأمل قائم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الواقع، فهناك كثرة القتل الفوضوى الذي يتمثل في قتال بعضنا البعض لا قتال العدو، وعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالهرج كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة أن يكثر الهرج، قيل وما الهرج يا رسول الله، قال: كثرة القتل» وفي حديث لابن ماجة قال الصحابة مستفهمين: تقتل الكفار قال بل يقتل بعضكم بعضاً فقالوا: ومعنا عقولنا يارسول الله قال لا تذهب عقول أكثر هذا الزمان ويخلق أقواماً لا عقول لهم والواقع المشاهد يبين لك مع موقف الاقتتال الداخلي في بعض الدول العربية والاسلامية تهون الأمة وتضعف ولا تستطيع أن تكشر عن انيابها ولا أن تضغط بقوتها الاقتصادية ولا العسكرية وذلك مع كثرتها العددية ولا أجد وصفاً لحال الأمة مثل وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تتداعي عيكم الأمم كما تتداعي الأكلة على قصعتها، قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال لا ولكنكم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم وليلقين الوهن في قلوبكم قيل: وما الوهن يا رسول الله قال: حب الدنيا وكراهية الموت»، ومع مرارة الواقع الظاهر امامنا الا أن الأمل معقود وقائم وأن هذه الأمة يصيبها المرض لكن لا تموت فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمتي كالقطر لا يدري أوله خير أم آخره خير». حث الإسلام على الفضائل لكننا نرى انفلاتاً أخلاقياً في الشارع المصري فكيف نواجهه في رأيك؟ - الرسول صلى الله عليه وسلم بين الهدف من رسالته: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ومواجهة الانفلات الأخلاقي الذي نراه الآن من بعض الفئات تكون بتوحد الجهود لمحاربة الاسفاف اللفظي والايحاءات الخادشة للحياء والالفاظ النابية، فليس من المعقول أن نجد فريقاً يدافع عن هذا تحت مسمى حرية التعبير أو عرض الواقع، بينما شيوخ الأزهر لا يطلب منهم بيان في ذلك وهم يمثلون الوسطية والاعتدال فتتوحد الجهود لمحاربة الاخلاق الهابطة ونشر الفضيلة والحث عليها، فلا يصور لنا البلطجي في صورة البطل فتتغير المفاهيم عن الشهامة والرجولة، وذلك يمضي جنباً الى جنب مع الدعوة بالتي هى أحسن وابراز القدوة الحسنة وتطبيق عقوبة رادعة على السبابين واللعانين توقفهم عند حدهم وبذلك يأمن المجتمع وتحترم آدمية الانسان. لم شرعت زكاة الفطر.. وهل تكفي وحدها لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين؟ - زكاة الفطر شرعت للتكافل وإدخال السرور والتراحم الذي لابد أن يسود في المجتمع وتجتمع عليه الأمة وأما عن كونها تكفي لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين، فهى باب من أبوابه، فلو كانت تكفي وحدها لاقتصر عليها التشريع، ولكن زكاة المال والصدقات والكفارات والصدقات الجارية كفيلة بأن تحقق التكافل الاجتماعي بشرط التنظيم لوصول الخير للجميع وحضارة الاسلام تكمن في حسن استعمال الحق لكي يصل الى مستحقيه. نحن مقبلون على عيد الفطر المبارك فكيف يستقبله المسلمون؟ - تحري هلال يوم العيد لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولابد من اظهار الفرحة والبهجة أن أعاننا الله على أداء فريضة الصيام لقوله تعالى: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» «يونس: 58» والتعجيل بإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد والحرص على احياء ليلة العيد بالذكر وتلاوة القرآن وقيام الليل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا ليلتي العيدين محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» رواه ابن ماجة، ويستحب يوم العيد الاغتسال والتطيب وعلى المسلمين أن يتواصلوا في هذا اليوم ويهنئ بعضهم بعضاً، وانهاء الخلافات وازالة الخصومات يوم العيد ولتسع صدور بعضنا بعضاً وليغفر أحدنا لأخيه زلته وليقله من عثرته، فهذا يوم تغافر لا يوم تعاتب. روشتة إيمانية تقدمها لكل مسلم للحفاظ على الإنجازات القلبية التي حققها في رمضان؟ - لكي يحافظ المسلم على انجازاته القلبية والروحية التي حققها خلال شهر رمضان فعليه بأمرين أولهما الحفاظ على الأوراد، وهي الصلاة في المسجد واذكار الصباح والمساء، وقراءة شىء من القرآن يومياً وصحبه الصالحيه وثانياً الالتزام سلوكياً، فالمشكلة أن بعض المسلمين قد يختارون من المواقف التي تؤدي الى تحقيق بعض مصالحهم وعلى حساب مبادئهم وتعاليم دينهم، فينتج عن هذا غياب التأثير التوجيهي للأخلاق ولضمان عدم حدوث ذلك أن نجسد ما تؤمن به من مبادئ وسلوكيات محددة، فالمهمل في صلة الرحم لابد أن يقوم بترتيب موعد اسبوعي أو شهري لزيارة أقاربه والذي يرى في نفسه مماطلة في الصدقة عليه أن يلزم نفسه بدفع مبلغ من المال اسبوعياً في زوجه الخير، وهكذا حتى نربي انفسنا على الاخلاق الفاضلة. أخيراً.. من الفائزون في رمضان؟ - يأتي الفائزون في رمضان على درجات، فهناك من يغفر له ذنوب العام الماضي في رمضان، فرمضان الى رمضان كفارة لما بينهما، وهناك من يغفر له ما تقدم من ذنبه فمن صام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وهناك من كتبت له السعادة الأبدية فأعتقه الله من النار، وهذا يعني أن الله عز وجل أذن باصلاح حياته الآتية بلا ضلال، وهذه المنزلة لمن وجد الله فيه حرصاً على تقواه عز وجل.