مضي رمضان سريعا ، وكضيف عزيز مرت أيامه ولياليه ، البعض منا انتهز فرصته في التقرب إلي الله تعالي بالفروض والنوافل ، والبعض الآخر أضاع علي نفسه استغلال تلك الفرصة بالانشغال بأمور دنياه.. وفي أواخر شهر رمضان المبارك يكثر الكلام والأحاديث عن زكاة الفطر ، وعن حكمها ، وشروطها ، وكيفية وموعد إخراجها ، ولمن تدفع ؟.. وقبيل عيد الفطر المبارك بأيام قليلة يتباري علماء الدين في تقديم " وصفة " إيمانية لكيفية الاحتفال به حتي يتحقق جوهره ، ولا يغلب علينا مظهره . »أخبار اليوم « التقت بفقيهة النساء د. سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر لتطرح إجابات علي تلك النقاط في الحوار التالي.. بداية .. ونحن في أواخر شهر رمضان المبارك كيف ترين الفوائد والثمار التي تعود علي المسلم من صيامه ؟ الصوم مدرسة خلقية كبري يتدرب فيها المؤمن علي خصال كثيرة ، فهو جهاد للنفس ، ومقاومة للأهواء ونزغات الشيطان ، ويتعود به الإنسان علي خلق الصبر علي ما قد يحرم منه ، وعلي تحمل الاهوال والشدائد التي قد يتعرض لها.. والصوم يعلم الامانة ومراقبة الله تعالي في السر والعلن إذ لا رقيب علي الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده ، والصوم يعلم الانضباط والنظام ، وينمي في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة والشعور برابطة التضامن والتعاون . والصيام جهاد للنفس، ويساعدها علي التخلص مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها ، وكسر لحدة الشهوة والاهواء وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها بدليل قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".. وقوله أيضا : " صوموا تصحوا " . زكاة الفطر في الأيام الأخيرة من شهر رمضان يكثر الكلام حول زكاة الفطر، وعن شروطها ومقدارها وكيفية إخراجها .. فما حكمة فرض هذه الزكاة؟ حكمة زكاة الفطر جاءت واضحة عن رسول الله »صلي الله عليه وسلم« فقال أبن عباس »رضي الله عنهما«: فرض الرسول زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.. فالحكمة من شقين، الاول يتعلق بالصائم نفسه عسي أن يكون قد بدر منه من لغو القول أو رفث الكلام، وعلي هذا تكون زكاة الفطر بمثابة غسيل يتطهر به الصائم مما شاب نفسه من كدر صومه، والثاني يتعلق بالمجتمع المسلم ففي مثل هذا اليوم يوم الفطر مطلوب إشاعة الفرح والسرور بين كافة فئات المجتمع في يوم العيد ومن ثم لا يعقل أن يري المسلم الموسر اخاه المسلم الفقير في هذا اليوم يعيش الحرمان وقد منحه الله تعالي المال وربي نفسه طيلة الشهر علي العطاء والسخاء فثمرة الصوم تكون في هذا اليوم حصادا للتربية الايمانية طيلة أيام الصيام . ومتي شرعت زكاة الفطر ؟ .. وما أدلة وجوبها ؟ .. وماذا عن شروطها ؟ شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة ، في العام الذي فُرض فيه صوم رمضان ، وأدلة وجوبها حديث ابن عمر »رضي الله« عنهما حينما قال : فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كل حر أو عبد ذكر أو أنثي من المسلمين.. ويشترط لوجوبها ملك النصاب الفاضل عن حاجة الإنسان الاصلية لقوله صلي الله عليه وسلم : " لاصدقة إلا عن ظهر غني "، ويؤديها من وجبت عليه عن نفسه وأولاده الصغار ، ولا يجب عليه أن يؤديها عن أبيه وأمه لأنه لا ولاية له عليهما كأولاده الكبار، لكن لو أدي عنهم أجزاهم استحسانا . إغناء الفقير ومتي تخرج زكاة الفطر ؟ تخرج زكاة الفطر من أول يوم في شهر رمضان ولكن يستحب تأخيرها الي أواخر الشهر، ليتمكن الفقراء من شراء لوازم العيد وحتي تكون مكافأة للغني والفقير معا، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : أمر رسول الله »صلي الله عليه وسلم« أن تخرج زكاة الفطر قبل خروج الناس الي صلاة العيد . وللفقهاء في وقت وجوبها رأيان: الأول هو رأي الحنفية الذين يرون أنها تجب بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر لأن الصدقة أضيفت إلي الفطر والإضافة للاختصاص والاختصاص للفطر باليوم دون الليل ، فمن مات قبل ذلك أي قبل طلوع الفجر لم تجب عليه،ويصح للمسلم تعجيلها أو تأخيرها.. وقال الجمهور أنه تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر أي أول ليلة العيد لأنها مضافة إلي الفطر من رمضان . وماذا عن كيفية إخراجها ؟ .. ولمن تدفع ؟ يجوز دفع القيمة عند الحنفية لأنه الواجب إغناء الفقير لقوله صلي الله عليه وسلم : " أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم "، والإغناء يحصل بالقيمة بل يكون أتم وأوفر وأيسر.. واتفق الفقهاء علي أن مصارف زكاة الفطر هي مصارف الزكاة المفروضة لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات، فتدخل في عموم قول الله تعالي : " "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " . وماذا لو لم يخرجها المسلم ؟ .. هل تسقط بفوات اوانها ؟ زكاة الفطر حق لله تعالي،و وهي كغيرها من حقوق الله تعالي لا تسقط بفوات وقتها ، وإنما تستمر دينا علي من لم يخرجها ويكون في تأخيرها آثما، وهي دين في ذمة المسلم ، وإذا مات قبل ادائها علي ورثته أن يخرجوها من تركته قبل تقسيمها . حكمة العيد أيام قليلة ويهل علينا عيد الفطر المبارك .. فما الذي يقصده الشرع من ختام رمضان بيوم عيد ؟ .. وكيف يحتفل به المسلمون بالشكل الأمثل ؟ سمي العيد بهذا الاسم لان الله تعالي يفيض فيه بعوائد الإحسان العائدة علي عباده في كل عام، أبرزها الفطر بعد المنع عن الطعام ، كما سمي بذلك لأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط .. والعيد فرصة لمطالعة أحوال الايتام والمحتاجين ، فالعيد في الإسلام يوم سرور وفرح وزينة ، ويجب أن تكون تلك السمة للجميع فقراء وموسرين ، و الله تعالي يحب أن تظهر فيه أثر نعمه علي عباده في كل يوم خاصة في مثل هذه المناسبات ، بلبس الجديد من الثياب، وتناول الطيب من الطعام بدون إسراف ولا مخيلة، فالله يقول: " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ". العيد في الإسلام، له معان إنسانية رفيعة تختلف عن الاعياد والمناسبات في الاديان والعقائد الاخري حيث ارتبط تشريع العيد في الإسلام بالمواسم الدينية، فعيد الفطر مرتبط بانتهاء صيام رمضان، وعيد الأضحي مرتبط بموسم الحج.. ومن المعاني الإنسانية ذات الأبعاد السامية في السلوك الإنساني، أن الله شرع زكاة الفطر بين يدي العيد، وهي حق للفقراء في أموال الأغنياء، تؤدي إليهم قبل يوم العيد أو صبيحة ذلك اليوم قبل صلاة العيد؛ لتكون عونا للفقير كي يشارك بقية أفراد المجتمع في الإحساس بمعني العيد، فلا يشعر بحرمان الحاجة، وقلة ذات اليد في ذلك اليوم الذي تغمر البهجة والسرور فيه قلوب الأغنياء . وفي العيد يجب علي الموسرين استغلال هذا اليوم لزيارة الجمعيات الاهلية التي تكفل رعاية الايتام وتحويلها في هذه الايام المباركة لعائلة كبيرة للجلوس مع هؤلاء الايتام ومداعبتهم وتعويضهم عن حرمان الأب والأم ، ومن يستطيع كفالة يتيم فلايتردد فالرسول صلي الله عليه وسلم أثني علي بيت فيه يتيم يحسن إليه، فقال صلي الله عليه وسلم ": خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ".. وبهذا كله يكون الاحتفاء الحقيقي بعيد الفطر المبارك . صلاة العيد وأخيرا : ماذا عن حكم صلاة العيد ؟ أدلة مشروعية صلاة العيد موجودة في الكتاب والسنة ، ففي الكتاب قوله تعالي : " فصل لربك وانحر " . وأما السنة فقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه كان يصلي العيدين ، وأول عيد صلاه صلي الله عليه وسلم كان عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة . واختلف الفقهاء في حكمها، فذهب الحنفية إلي أنها واجبة علي من تجب عليه صلاة الجمعة ، ودليلهم علي الوجوب مواظبة النبي عليها ، وقال المالكية والشافعية : هي سنة مؤكدة تلي الوتر في التأكيد ، وقال الحنابلة : صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين .