الوضع في العراق، يخيم عليه شبح التقسيم، وينذر باقتتال طائفي وحرب أهلية، قد تمتد آثارها لتشمل المنطقة بكاملها، بعد تفجر الأوضاع في مناطق واسعة من البلاد، وظهور ما يسمى بتنظيم "داعش" الإرهابي. الأحداث الجارية في العراق "الجريح" تمثل فوضى "غير خلاقة"، لتكريس الطائفية والنزعات العرقية، وما "داعش" إلا حلقة في سلسلة تنظيمات عبثية، تعتقد أنها "على مشارف فتوحات إسلامية جديدة"، وإنشاء ما تعتبره دولة إسلامية في بلاد العراق والشام. الوضع صار أكثر تعقيدًا، بعد مشاهد القتل الهمجية، والمجازر الوحشية التي يرتكبها هؤلاء الحمقى، لفرض أجواء الاحتراب الداخلي بين أبناء الوطن الواحد، واستدعاء التدخلات الخارجية، لتثبيت وصايتها من جديد على العراق والمنطقة بأسرها. الأزمة الحالية المتفاقمة في العراق، ممتدة آثارها حتى بلاد الشام، وبات القلق طاغيًا على العالم بأسره، وبالأخص دول الخليج، التي تعيش فوق صفيح ساخن، خوفًا من امتداد آثار الفوضى العراقية إليها، وترقبًا للتدخل الإيراني أو الأمريكي، الذي بدأ بالفعل! أفعال "داعش" المشينة، أسالت لعاب الدول الكبرى والإقليمية، لوضع موطىء قدم في عاصمة الرشيد، بعد أعمال قتل الجنود والأسرى وعلماء الدين "رافضي البيعة" والتمثيل بالجثث والإعدامات الجماعية المروعة، وهذا ليس بمستغرب عن تنظيم إرهابي خرج من رحم "القاعدة" ثم انسلخ عنها؟ "الفتوحات" المتتالية التي قام بها "داعش" في زمن قياسي بمناطق عدة من العراق، فاجأت العالم وأصابته بالرعب، ولا أحد يعلم على وجه التحديد كيف لتنظيم لا يتعدي عمره بضع سنوات، أن يحقق ذلك "التمدد" على الأرض ويبسط نفوذه على هذا النحو؟ العالم كله أعلن حالة الاستنفار، إيذانًا بالتدخل السافر في الشأن العراقي، في مشهد يستحضر "الجهاد في أفغانستان" إبان حقبة الاتحاد السوفييتي، وقد تابعنا قبل أيام الإعلان عن فتح باب التطوع في دول عدة لمقاتلة "داعش"، وبدء حرب بالوكالة بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. التقارير المتوافرة عن هذا التنظيم تشير إلى أن عدد أفراد مقاتليه لا يتجاوز الثلاثة آلاف بأي حال من الأحوال، ولا يوجد لديه ما يكفي من القوة بمفرده لتحقيق التقدم الذي حققه، إلا بتحالفه مع بعض التشكيلات القبلية والبعثيين والجماعات الأخرى التي كانت تعمل في شمال العراق إبان الاحتلال الأمريكي. الوضع في بلاد الرافدين ينذر بكارثة إقليمية، والموقف على الأرض يتغير بسرعة، تحول دون توقع ما سيحدث في الأيام أو الأسابيع المقبلة، خاصة بعد أن حركت الولاياتالمتحدة حاملة طائرات باتجاه الخليج قبل أيام. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعتبر أن ما يحدث مؤامرة إقليمية، متوعدًا بالقضاء على المسلحين، بعد انتقال الجيش إلى الوضع الهجومي، وإعلان مسعود البارزاني التعبئة العامة في إقليم كردستان، وتأكيد وزير الخارجية هوشيار زيباري أن حكومته طلبت من واشنطن توجيه ضربات جوية للمسلحين، وهو ما أكده رئيس هيئة الأركان الأمريكية. الأوضاع على الأرض ستشهد تغيرًا كبيرًا، بعد تشكيل ما نعتبره "التحالف الجديد بالعراق" لإسقاط "داعش"، وبالتالي تغيير أوراق اللعبة بالمنطقة، خاصة وأن الأزمة السورية تزداد صعوبة، يومًا بعد يوم، ولا حل يبدو في الأفق قريبًا، مع استمرار معاناة السوريين الذين وجدوا أنفسهم خارج بؤرة اهتمام العالم، أسوة بما يحدث في العراق.