كلما جردت نفسى من مهنتى الإعلامية وقرأت كأى مواطن أخبارهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وعبر الصحف الإلكترونية العديدة، وعبر تغريدات ذويهم وأصدقائهم المستنجدة وسمعت من حولى أقاصيص متناثرة، أستعيد على الفور مشاهد فيلم الكرنك من اغتصاب المسجونين السياسيين وهتك لأعراضهم، وأستعيد كل مشاهد الأفلام التى كانت تعرى الوجه القبيح للممارسات التى كانت تجرى فى سراديب أمن الدولة، هذا الجهاز البائد قبل حله فى أعقاب الثورة الأم «25 يناير»، أشعر ضمنيا ان هناك مخالفات ما تجرى مع هؤلاء الشباب المحبوسين على ذمة قضايا سياسية من انتماء لتنظيم الإخوان الإرهابى المحظور، أو تظاهر دون تصريح مسبق مخالفة لقانون التظاهر، أو المشاركة فى أعمال عنف أو مقاومة للسلطات أو حتى عمليات إرهابية، وأتمنى لو لدى «طاقية الإخفاء» أنا وغيرى من الإعلاميين لنخترق تلك السجون والزنازين وكشف ما يحدث بداخلها ونقله للشعب بصورة حقيقية دون مبالغة أو تهويل وبعيدا عن أى أكاذيب أو تشويه لسمعة رجال الشرطة أو رجال الأمن القومى. وكلما قرأت ما يكتبونه أيضا من أخبار لتمديد عمليات الحبس للمقبوض عليهم من شباب الجامعات المتظاهرين أو مرتكبى الشغب والعنف، تجديد حبسهم بصورة تلقائية خمسة عشر يوما، ثم خمسة عشر يوما، ثم فترات أخرى دون عرض على النيابة العامة، ودون توجيه تهم حقيقية تستند على دلائل، أشعر ان دولة القانون فى مصر تسير إلى منحدر خطير يهدد بانهيارها، وان أى رئيس قادم عليه ان يعيد أولا ضبط مؤسستى الأمن والعدالة، حتى يتمكن من تحقيق دولة المؤسسات الحقيقية التى تمكنه من قيادة هذا الشعب الأبى العصى الذى يرفض الذل والمهانة ويفضل عليها الموت إعداما. وكلما قرأت تصريحات الشرطة ونفى كبار المسئولين بجهاز الأمن، بصورة قاطعة حدوث أى أعمال تعذيب أو هتك عروض الشباب المسجون، ونفى النيابة العامة تجديدها عمليات الحبس بصورة تلقائية أو دون الاستناد إلى أسباب حقيقية، أشعر ان الأمن مظلوم، وان العدالة فى مكانها المضبوط، وان ميزان العدالة لم يهتز أو يختل، وكل شئ «تمام التمام» وليس فى الإمكان أفضل مما كان. اعترف لكم تختلط أمامى وأمام ملايين غيرى من الشعب بمن فيهم الإعلاميون، تختلط أمامنا الرؤى بين الحق والباطل، بين الاتهامات الحقيقية وشبهات الزور، بين حدوث تعذيب وتعرض المتهمين لعمليات ممنهجة لهتك العرض والإذلال، وبين عدم حدوث ذلك على الإطلاق، وأتساءل كغيرى لماذا قد يلجأ رجل الأمن الى تعذيب متهم يقف بين يديه بلا حول أو قوة لينتزع اعترافاته، أو حتى يتشفى فى إذلاله، وهو الذى يملك قوة القانون لتنفيذ العدالة فى صورة حقيقية محترمة لا تسئ إليه ولا إلى النظام ولا الدولة، لا أريد ان أصدق بحدوث تعذيب أو اعتداءات جسدية ونفسية ضد المحبوسين، كما لا يتمنى كل المصريين حدوث ذلك، لأننا بعد ثورتين، نعتقد ان مصر تغيرت، والنظام الأمنى تغير وتطهر، وتخلى عن أساليبه اللاإنسانية القديمة التى خلقت سابقا العداء بينه وبين الشعب. نحتاج إلى حكم عدل، إلى عين حياد، تؤكد لنا وللشعب ان القانون هو السيد الوحيد فى التعامل مع المتهمين السياسيين أو المنتمين للحركات الثورية المحبوسين حاليا على ذمة القضايا والاتهامات، نحتاج إلى ذلك حتى لا نزيد من أسباب الغضب والاحتقان فى الشارع المصرى دون الاستناد إلى شىء واقعى، فالآلاف بل ملايين من الشباب لديه استعداد الآن للغضب والثورة، ويقف على المحك أو حافة الهاوية، وتسرب أى أنباء عن تعرض زملائهم أو أقاربهم للتعذيب البدنى والجنسى فى السجون يدفعهم للثورة وإشعال الدنيا نيرانا، وهذا مالا نبتغيه ومالا يتمناه أى عاقل يحب هذا البلد بكل ما له وما عليه، لا نريد ان نصنع إرهابيين جدداً، سواء من الغاضبين المترقبين خارج السجون، أو من المتهمين المحبوسين داخل السجون، فالتعذيب والإذلال وأخطره وأبشعه هتك العرض من شأنه صناعة إرهابيين حقيقيين جدد، هؤلاء ان خرجوا من السجون، سيخرجون بغضبهم وسخطهم وحقدهم على المجتمع، قد يقبل المصرى الظلم، ولكنه لا يقبل إهدار كرامته أو فضح عرضه أو المساس برجولته، فحبل المشنقة لديه أهون. ندرك جميعا ونعترف بأن مصر تمر بمرحلة هى من أخطر مراحلها من عنف وإرهاب، ولكن على الأمن والعدالة ألا تزيد سكب الزيت على النيران، على المسئولين فى الجهازين التزام الحكمة وضبط النفس وعدم ترك العنان لغضب الانتقام للتحكم فى مسار الأمور، الحركات الثورية والمعارضة للنظام الحالي، تتهم النيابة العامة بمحاباة النظام بمخالفة القانون مدلِّلين على ذلك بتجديد النيابة حبس المتهمين تلقائيًا دون عرضهم على النيابة، وأنا وملايين غير لا نتصور ولا نرغب أو نتمنى ان تكون هذه الاتهامات حقيقية، وعلى الرئيس عدلى منصور ان ينفذ ما وعد به من مطالبة بمراجعة المواقف القانونية للمحبوسين خاصة من الطلاب إنقاذا لمستقبلهم, وتهدئة للجامعات ولآلاف من الأسر قبل الانتخابات. أى تعذيب أو هدر الكرامة أو مساس بالأعراض للمسجونين مرفوض ومدان منا جميعا، أطالب بفتح أبواب السجون أمام منظمات حقوق الإنسان المحايدة لطمأنة الشعب وإظهار الحقيقة، وأطالب بالشفافية التامة فى الكشف عن أى مخالفات أو تجاوزات أمنية أو فى قرارات الحبس والتمديد، والكشف الفعلي وبشفافية عالية عن مسئولين عن إصدار أوامر لممارسة التعذيب «حال حدوثها»، وتقديم هؤلاء أياً كان مركزهم إلى المحاكمة لينالوا جزاءهم العادل، وإبعاد المسئولين عن تلك الجرائم عن مناصبهم لما فى ذلك من مخاطر على القانون وعلى النموذج المصرى المحترم الذى ننتظره، وإيقاف أى أشكال للتعذيب النفسى أو البدنى بهدف انتزاع معلومات من المتهمين، واتخاذ كل السبل الضرورية لتحسين معاملة السجناء والعمل على إعادة تأهيلهم للاندماج فى المجتمع بصورة طبيعية بعد خروجهم من السجون بدلا عن تحويلهم بهذه الممارسات والتجاوزات إلى إرهابيين جدد، تعويض الذين تعرضوا للتعذيب ومعالجتهم نفسياً وصحياً، أقول هذا وأنا أتمنى وملايين غيرى من كل أعماقنا ان تكون أخبار التعذيب وهتك العرض مجرد أكاذيب ..