لا أريد أن أحبط القارئ العزيز أو أصدمه بإحساس بأن ليس في الإمكان أبدع مما كان.. وهذا في رأيي كارثة الكوارث التي هي خطر كبير على مصر والمصريين أيا كانوا.. لقد كنت من أشد المتفائلين بخلع حازم الببلاوي من رئاسة وزراء مصر وتكليف المهندس إبراهيم محلب بالوزارة وهو الرجل العملي النشيط الذي لا يكل ولا يمل كما رأيناه إبان توليه وزارة الإسكان.. حتى أنني من فرحتي به أطلقت عليه لقب «سيد البنائين» مع الاعتذار للترجمة العربية لمسرحية «ابسن» الشهيرة.. لكنني أرى الأوضاع كما هي وربما تتردى إلى ما هو أسوأ.. طلاب الجامعات خاصة جامعة الأزهر على غيَّهم لا يرتدعون.. أسماء كثيرة معروفة من الأساتذة في الجامعات بميولها الإرهابية.. ولا أقول الإخوانية.. كذلك في مدارس وزارة التربية والتعليم نرى مسئولية في المدارس سواء مدرسين أو مديرين مازالوا في مواقعهم رغم أنهم كشفوا عن وجوههم القبيحة وانحازوا للإرهابيين.. ولم يتم التخلص منهم حتي الآن.. وكذلك نفس الحال في بعض إدارات وزارة الداخلية نفسها وقس على ذلك كثيرا من المصالح الحكومية.. كما أنه مازالت دكاكين حقوق الإنسان منتشرة انتشار الفيروسات المؤذية دون رادع أو وقف لأنشطتها التخريبية الناعمة.. ومازالت المظاهرات من الجماعة الإرهابية تخرج إلى الناس في أوقاتها المعتادة وتحيل حياتهم إلى جحيم وربما يسقط منهم الجرحى وكذلك الشهداء الأبرياء دون ذنب جنوه مثلما حدث للصحفية الشابة ميادة التي اغتيلت في مظاهرة إخوانية بإطلاق الرصاص عليها وذكرتنا بما حدث للصحفي الشهيد الحسيني أبو ضيف وأحمد محمود وغيرهما.. كما أن مسألة الانضباط الأمني المجتمعي على حالها وإلا كيف تفسر أن يصحو الناس في قرية صغيرة بالعدوة منذ أيام قليلة على فاجعة العثور على طفلة جميلة تدعى «هدى محمد» وقد اغتالها ابشع اغتيال من قام باغتصابها وهي بنت الخامسة من عمرها.. شيء يشيب له شعر الرؤوس وقبلها كانت فجيعة «زينة» ببورسعيد وماذا كان جزاء السفاحين الاثنين اللذين اغتصباها فوق سطح العمارة والقياها بدم بارد من أعلى لتسقط جثة هامدة.. سجن لكل منهم خمسة عشر عاماً.. يخرجون بنصف المدة.. هل هذا عقاب رادع ؟! ثم نفاجأ أول أمس بخبر بشع أيضاً بأن خمسة عاطلين يقتحمون شقة ويجردون فتاة من ملابسها ويغتصبونها ثم يفرون وكانت هذه الجريمة البشعة الجديدة في منطقة الهرم بالجيزة.. قلت أول الأمر لا أريد أن أحبط القارئ.. لكن أرى الأمور تسوء ولا أدري هل وصلنا إلى نقطة اللا عودة للأمن والأمان والعيش الطبيعي ولا أقول الكريم وإلا كنت طماعاً.. لقد كنت في زيارة للبلد لحضور زفاف ابنة أخي ورأيت بعين راسي طوابير طويلة بشعة ومرهقة للشباب والفتيات أمام المحكمة وبالسؤال عن ذلك علمت أن وزارة العدل أعلنت عن رغبتها في تقدم الشباب العاطل الحاصل على مؤهلات.. وطلبت من كل شاب أو شابة صحيفة الحالة الجنائية ومبلغ عشرين جنيها تودع في بنك القاهرة.. وأن يكون عمل «الفيش» في المحافظة والبنك ليس له فروع إلا بها رغم أن بلدتي مركز كبير من المراكز المعدودة في محافظة كفر الشيخ وتحَّمل الشباب والشابات الجهد والمال.. ثم كانت الطوابير المرهقة التي امتدت بلا مبالغة لأكثر من 2 كيلو متر.. حتى أنني رأيت شابة تحمل طفلتها وتقف في هذا الطابور وقد أجهدها ذلك وابنتها تبكي فاقتربت منها وسألتها عن شهادتها فقالت علوم القاهرة تخصص چيولوچيا.. نظرت إليها مبهوتا.. علوم القاهرة.. تخصص هام ومضى عليها اربع سنوات لم تعمل في شيء حتى أنها تزوجت وأنجبت طفلة.. ثم أنها أردفت بلغة أهل الريف قائلة.. العين بصيرة والأيد قصيرة.. مرتب زوجي لا يكاد يكفينا وزهقت من مد يدي لأمي وأعلم أن لديها أعباءها وأخوة صغارا لي مازالوا في مراحل التعليم.. أي قسوة يعيشها الناس ولا يرون بصيص أمل ينير لهم طريق النجاة ؟!.. قلت بادئ الامر لا أحب أن أحبط القارئ لكن أسجل بكل أمانة بعضا مما نحن فيه وليس الكل.. لأن الناس جميعاً في القاهرة والاسكندرية وكافة المدن يعيشون في انقطاعات للتيار الكهربائي تعَّدت ما كانت عليه قبل.. حتى عما كانت عليه في عهد حكومة الببلاوي منذ تطاول المخربون ليحرقوا ويدمروا المحولات الكهربائية هنا وهناك بل وتفجير خطوط الضغط العالي وآخرها محاولة تفجير خط الضغط العالي بالفيوم.. يا سيدي يا رئيس وزراء مصر.. يا سيد البنائين.. كما وصفتك من قبلا.. يا تلميذ العملاق عثمان أحمد عثمان.. لابد من الحزم.. الحزم في كل شيء.. في الجامعات.. فوضوية الطلبة وعنصرية بعض الاساتذة ولا أقول الكل.. الحزم في الجرائم المجتمعية التي تصيب الناس بالملل والإحباط والرعب من المستقبل المنشود.. الحزم في المحاكم والقضايا وسرعة إصدار الأحكام الرادعة لوقف سيل الفوضى والإرهاب.. كثير وكثير أنت تعرفه مثلي وأكثر بحكم موقعك وجب عليك تغييره أو بتره.. حتى تدور عجلة الحياة بما يأمله الناس في بلدهم مصر العزيزة ودون خوف أو يأس أو إحباط.. وحتى لا يقول الناس لا عمدة نافع ولا شيخ بلد نافع.