"بين الحياة والموت" ظل محمود خالد قطب خمسة أشهر يتنقل بين المستشفيات في محاولة لعلاجه من الرصاص الغادر الذي اخترق جسده في جمعة الغضب 28 يناير الماضي، ولم يكتف الرصاص باختراق عينيه بل جاءت عجلات سيارة الأمن المركزي "مصرة" علي دهسه وتكسير جمجمته، ليفارق الحياة فجر الاثنين الماضي لينضم إلى الشهداء الأبرار الذين قضوا نحبهم من أجل كرامة وحرية الشعب المصري. انتقلت "بوابة الوفد" لمنزل الشهيد الأخير، وكان من الطبيعي أن نجده يكسوه الحزن على فراق "البطل"، لكن مشاعر الحزن اختطلت ولا شك بالفخر، الذي يدب في قلب كل الحاضرين لتقديم واجب العزاء. شاهدنا العديد من المواطنين الذين جاءوا لتقديم واجب العزاء، وهم لا يعرفونه، إلا أن إحساسهم من كونه بطلا من أبطال ثورة 25 يناير، دفعهم للذهاب، فتوافد شباب من بورسعيد والسويس والإسكندرية إلي القاهرة بمجرد علمهم بوفاة آخر شهداء الثورة، ووقفوا متضامنين مع أسرة الشهيد أمام مستشفي القصر العيني الفرنساوي التي ترفض تسليم جثته لأهله. وبدأت والدة الشهيد تسرد قصة بطلها ل "بوابة الوفد" منذ نزوله للميدان من أول أيام الثورة حتي لحظة وفاته وما تعرض له من اضطهاد أثناء محاولة علاجه انتهاءً بمساومتهم بالتنازل عن حقه مقابل تسليمهم الجثة. تنسكب الدموع من عينيها أنهارًا علي الخدين لا تتوقف عن التدفق، وقلبها ينزف كل لحظة على فراق ابنها الذي كان من المفترض أن يدخل عش الزوجية الشهر القادم، وقالت:"ابني محمود عنده 23 سنة كان طالبا في كلية التجارة، رفض أن يكمل تعليمه مضحيا بمستقبله من أجل إخوته فبحث عن عمل حتى يستطيع أن يصرف على تعليم أشقائه الصغار، وقام بخطبة فتاة كان يحبها، وحدد شهر أغسطس القادم موعدا للزواج، لكن الموت أخذه مني وسرق فرحتي". وعن مشاركته أيام الثورة قالت والدته بألم: في يوم 26 يناير نزل ابني للتحرير، وقال لي إن الشباب يتظاهرون من أجل خالد سعيد وغلاء الأسعار والبطالة، وقبل يوم الجمعة وجدته بيتصل بخطيبته يخبرها أنه سيتوجه إلي ميدان التحرير عقب صلاة الجمعة ليطالب بحقوقه في الحياة رافضا أن يرضي بحياة الذل مرة أخرى. وأضافت:"أنا قولت له أوعى يامحمود أنا عايزه أفرح بيك .. ابعد عن المظاهرات"، وتابعت:" يوم جمعة الغضب توجهت بصحبته للصلاة بالمسجد ثم تركني قائلا:" إنه سيذهب لمشوار وقفل الورشة منذ الصباح، وفي تمام السادسة "قلبي أكلني عليه" سألت عليه خاله قالي إنه نزل التحرير مع شباب جمعهم من المنطقة، نزلت أدور علي ابني في الشوارع لحد لما وصلت لرمسيس وعرفت أن التحرير كله مشتعل، جريت علي المستشفيات أسال عنه، إلي أن وجدته أول اسم في مستشفي الهلال مصابا بعيار ناري في عينه اليسرى وبكسر في الجمجمة تسبب فى حدوث نزيف، حيث قام الأمن المركزي بتلقينه علقة ساخنة بعدما التفوا حوله وهو متظاهر أعزل يساعد رفقاءه من الذين استهدفتهم القناصة، وضربوه بقسوة علي رأسه وجميع جسده متسببين تكسير جمجمته وتشويهه بصورة غير إنسانية ثم جاءت سيارة مصفحة لتقضي علي حياته وتدهسه دون شفقة. وصرخت والدته صرخة حسرة وألم، وقالت:"دخلت أشوفه في الرعاية لقيته كله دم وعريان"، والمستشفي قالت إنه لازم يتنقل لأنه مصاب برصاصة في عينه خرجت إلي المخ ويحتاج لجراحة عاجلة، ونقلته لمعهد ناصر ليبقي بها 35 يوما دون عناية أو اهتمام، وكنت بشتري كل حاجة يحتاجها علي حسابي وكان إخواتي بيساعدوني في المصاريف، لكن المستشفي كانت غير مهتمة به علي الرغم أني مضيت علي إجراء له عملية شق حنجرة بعد دخوله بخمس أيام إلا أنها لم تجر له حتي تدهورت حالاته وأصبحت حشرات تخرج من فمه، فلم أتحمل منظره هكذا وقررت ألا أتركه أن يضيع من يدي، فجريت إلي مستشفي القوات المسلحة لأنقله، لكنني انطردت منها بعدما طلبوا 2000 جنيه ثمن ليلة بالمستشفي، وأكدت لهم أنني لا أملك القدرة المالية علي تحمل العلاج بتلك التكلفة. واستكملت حديثها بنبرة رضا علي عطف الله على عباده، قائلة:"ربنا مش بينسي ولاياه.. بعد ما انطردت من القوات المسلحة وجدت سيدة تتصل بي اسمها هبة السويدي قالتلي إنها هتنقل ابني أحسن مستشفي علي حسابها"، وبالفعل تم نقله لمستشفي شريف مختار، وكان من المفترض أن يسافر لأن علاجه متوافر في الخارج، لكن وجدنا إهمالا وتعسفا من الدولة وخاصة بعدما حاول معهد ناصر كتابة تقرير مغالط للحقيقة، ليعتبر ابني مصابا في حادث سيارة رافضا الاعتراف بإصابته في الثورة . وهنا تناول الحديث، محامي أسرة الشهيد، فقال:" إن النيابة كانت متعسفة معهم بعد وفاة الشهيد فجر الاثنين الماضي، حيث رفضت استخراج تصريح بدفن الجثة إلا بعد تشريحها، وقال:"حاولت أفهمهم أنه يوجد بلاغ مقدم للنائب العام أجري التحقيق فيه وأنه يوجد طب شرعي وتقرير طبي وهناك دعوي جنائية انضمت لمحاكمة حبيب العادلي، إلا أنهم أصروا علي تشريحها أو خروج الجثة علي أنه حادث سيارة"، فقام رئيس مصلحة الطب الشرعي بتكليف طبيبين لإجراء كشف ظاهري ورفع تقرير للنيابة، إلا أن النيابة أصرت على تشريحه، فقام أهالي الشهيد بتنظيم مظاهرة احتجاجية انضم إليها أسر الشهداء والثوار وقطعوا الطريق، إلي أن نجحوا في استلام جثة الشهيد بعد 5 ساعات من وفاته. وأضاف: إن قضيته تنظر حاليا أمام المحكمة التي انضمت لقضية حبيب العادلي، وأبدى استياءه من تأجيل محاكمته حتي الآن. وأضاف إن لم تتم محاكمة العادلي في الجلسة القادمة فسوف تقع أحداثا ساخنة مثلما حدث في الجلسة السابقة من تعد علي سيارات الترحيلات . وطالب والد الشهيد بمحاكمة مبارك وأسرته وإعدام العادلي في أسرع وقت حتي يمتص غضب الشعب، وقال في دهشة:" إزاي يحاكموا أمين شرطة غلبان بالإعدام اللي واخد قرار من فوق .. وصاحب القرار نفسه لا يحاكم حتي الآن. " تحول الجميع في تلك اللحظة إلي حالة غليان من تأجيل وبطء المحاكمات التي تشوبها الشكوك حول جديتها، كما أصابتهم الشكوك حول جدية حبس رموز الفساد في سجن طرة، قائلين:" أنا أعرف من فين إن هما محبوسين أصلا .. الصحف ممكن تكتب أي حاجة، لكن الناس مشفيتش أي حد في التلفزيون وهو بيتحاكم"، وطالبوا بالسماح لوسائل الإعلام بتصوير الجلسات علي الهواء لأنه من حق الرأي العام رؤية محاكمة رموزه الفاسدة التي ذلته وأهانت كرامته وحرمته من أبسط وسائل الحياة . شاهد الفيديو: الجزء الثاني