في يوم ما سألوا الكاتب البريطاني الساخر برنارد شو عن تفسيره لكثافة شعر لحيته، وخلو رأسه تماماً من الشعر فأجاب: إنها مشكلة سوء توزيع! والواضح أن مشكلتنا الحقيقية في مصر ليست في ضعف الموارد، أو تراجع معدلات النمو، بقدر ما هي سوء توزيع الموارد، لذا لا يمكن الحديث عن أي إصلاح اقتصادي في مصر دون أن يكون مقروناً بإصلاح اجتماعي شامل. لقد كان خبراء الاقتصاد في البرازيل يعلقون علي تجربة الإصلاح الاقتصادي هناك بقولهم: «إن حال الاقتصاد البرازيلي تقدم، لكن حال البرازيليين نفسه كما هو». ولقد عانينا سنوات طويلة من هذه الظاهرة عندما حققت مصر معدلات نمو اقتصادي تجاوزت «7٪» وظل حال الفقراء كما هو، لأن النمو الذي تحقق كان يدخل في جيوب الأثرياء. قبل أربعة أعوام زارت صحفية أمريكية تدعي ليز سلاي مصر وكتبت عن المتناقضات الاقتصادية فيها بجريدة شيكاجو تريبيون فقالت انها زارت «سيتي ستارز» بمدينة نصر، والتقت كثيراً من الشباب وسألتهم عن الأحوال الاقتصادية وفوجئت بتفاؤلهم الشديد ورضاهم التام حيث أخبروها أنهم يشترون كل شيء وعندما يغيرون سياراتهم فإنهم يبحثون دائماً عن الأفخم والأحدث. فيما بعد ذهبت ليز الي حي السيدة زينب وهالها أن تري البؤس والشقاء والحرمان في وجوه المارة والقاطنين. ونقلت عن صاحب مقهي بسيط يبلغ متوسط دخله «120» دولاراً شهرياً انه يأكل اللحم مرة واحدة كل ثلاثة أسابيع عندما عادت ليز كتبت مقالاً بعنوان «الإصلاح الاقتصادي الذي لا يعرفه الفقراء». إن مدارس الاقتصاد متعددة، وربما ذلك هو ما دفع الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز الي ان يقول يوماً ما: «إذا سألت خمسة اقتصاديين عن رأيهم في قضية ما فستحصل علي ستة آراء مختلفة». لذلك لا يوجد رأي قاطع عن العلاج. وأتصور أننا إذا أردنا عمل اصلاح اقتصادي حقيقي فلا يجب أن نغفل أن يحقق ذلك الإصلاح آمال الفقراء. وبالعودة الي مثال لحية برنارد شو يتصور الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية الا نأخذ من شعر اللحية لنضع في الرأس، وانما ينبغي أن نجعل الرأس تنبت شعراً وذلك يتطلب عدة محاور أولها أن تخضع الأجور لزيادات استثنائية إلزامية سواء للقطاع العام أو الخاص. ثانيها: تحويل الدعم العيني الي دعم نقدي خاصة أن النسبة الأغلب من الدعم لا تصل الي مستحقيها. كذلك لابد من فرض ضرائب جديدة للرفاهية في مصر يتم تحصيلها من ملاك اليخوت والمنتجعات السياحية والقصور والفيلات الموجودة للتصييف وليس السكن، كما ينبغي أن تشمل تلك الضريبة السيارات الفاخرة وأصحاب السيارات المتعددة وأصحاب الطائرات الخاصة. ومثل تلك الضريبة موجودة في كثير من دول العالم، ويمكن استخدام حصيلتها في تقديم إعانات بطالة للعاطلين والله أعلم. [email protected]