كعادته كل يوم يودع أولاده وزوجته ويقول «أشوف وشكم علي خير».. ولكنه في هذا اليوم أسرَّ إلي زوجته ربما لا أراكم مرة أخري.. خرج مشروع الشهيد إلي عمله كرجل شرطة ولكن الإرهاب كان له بالمرصاد.. حيث تربص به أحد الجبناء وأطلق عليه وابلاً من الرصاص وأرداه صريعاً في الحال.. هذه قصة الكثيرين من شهداء الشرطة.. هذه قصة اللواء الشهيد محمد السعيد الذي غادر منزله إلي مقر عمله في وزارة الداخلية ولم يبعد إلا عدة مترات عن منزله حتي غافله جبان بإطلاق الرصاص عليه وقتله في الحال.. شهداء كثيرون من الشرطة خرجوا من بيوتهم إلي جهة عملهم وهم لا يدرون أنها المرة الأخيرة التي سيرون فيها أولادهم وزوجاتهم وآباءهم وأمهاتهم.. أطفال تيتموا وزوجات ترملت وأمهات ثكلي وآباء مقهورون.. يتساءلون لماذا فقدوا أعز الأحباب.. طفل ودع والده الذي يتباهي به وسط أقرانه ولكن الوالد الشهيد خرج ولم يعد.. زوجة خرج زوجها علي أمل أن يعود إليها لتسير الحياة كما تعودوا أن يعيشوا.. ولكن ذهب ولم يعد ذهب جسده ولكن عادت روحه تحوم حول أولاده وزوجته فقد لبي نداء ربه شهيداً كما شاء الله. نماذج عديدة من شهداء الجيش والشرطة.. لم يقترفوا ذنباً سوي قيامهم بواجبهم وتلبية نداء الوطن.. وهبوا أنفسهم في سبيل الله واستجابة لنداء الوطن غاية كل شريف يحب وطنه.. ويدفع حياته ثمناً قليلاً حفاظاً علي عزة وكرامة وتراب الوطن.. كل يوم شهيد ولكن يهون كل شيء من أجل الوطن، الشهداء يتساقطون يومياً علي يد الإرهابيين الذين عموا وصموا وراحوا يصوبون بنادقهم ورشاشاتهم إلي صدور المصريين، خاصة ضباط وجنود الجيش والشرطة.. الإرهابيون لم يعد لديهم هدف غير إسالة الدماء وقتل كل من ينتمي إلي جيشه وشرطته.. هؤلاء الشهداء لم يذنبوا ولم يرتكبوا جرماً إلا أنهم أدوا واجبهم ودافعوا عن مقار أعمالهم.. 17 شهيداً سقطوا في حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية إضافة إلي عشرات المصربين في حادث غدر وخيانة تم بتفجير سيارة مفخخة.. وتكررت العملية الإرهابية في حادث مشابه حيث قام الإرهابيون بتفجير سيارة مفخخة في مبني مديرية أمن القاهرة.. سقط فيها 5 شهداء وعشرات المصابين من الجنود والعاملين في المديرية تحت سمع وبصر غرفة المراقبة في المديرية.. فهل الجناة هم من قاموا بتفجير السيارة وحدهم أم أن هناك خيانة ومؤامرة داخل المبني لتصفية حسابات وتوثب علي المناصب؟ عشرات العمليات الإرهابية وجهت سهامها إلي صدور المصريين.. سيارات مفخخة وعمليات قنص وزجاجات مولوتوف وقنابل بدائية.. الإرهاب يحاصر المصريين في كل مكان، حيث استهدفوا محطات المترو وأتوبيسات النقل العام ومحطات قطار وسيارات المواطنين ومنشآت عامة.. فماذا يهدف هؤلاء الإرهابيون هل يريدون قتلنا أم إرهابنا لنجبن ونختبئ في بيوتنا؟.. يريدون حكمنا بالقوة ولكنهم لن ينالوا ما يريدون فلن يحكمونا وإن سقط ملايين الشهداء.. لقد جربوا كل شيء من إرهابهم فينا ولم يحققوا شيئاً.. فمع كل عملية إرهابية يزداد الناس صلابة والتفافاً حول جيشهم وحماة الأمن من قوات الشرطة.. لم يخف ولم يجبن المصريون في يوم ما.. فجرت مديرية أمن الدقهلية فخرج الناس بالآلاف لتأييد قوات الشرطة والتنديد بالإرهاب بل وساهم كثيرون منهم في عمليات إنقاذ وإخلاء ضحايا الحادث الإرهابي.. عملية تفجير مديرية أمن القاهرة صاحبها أيضاً خروج آلاف المواطنين للتنديد بالحادث وتأييداً للأمن في مواجهة الإرهاب، الشهداء يتساقطون يومياً حفاظاً علي الدولة التي يستهدفها الإرهابيون في سيناءوالقاهرة والجيزة والمنيا وبني سويف والإسكندرية.. يستهدفون حرق سيارات الترحيلات وبوكسات الشرطة ومصفحات الشرطة والجيش يريدون تخريب مصر وتدمير مقدراتها والنتيجة سقوط مئات الشهداء في كل المناطق. شهداء قسم شرطة كرداسة من الضباط والجنود يطالبون بالقصاص.. شهداء الطائرة المروحية التي استهدفها الإرهابيون في الشيخ زويد بسيناء بصاروخ سام 7 نحتسبهم شهداء يرزقون عند الله، فمتي القصاص العادل والعاجل؟.. شهداء مذبحة رفح الأولي في عهد المعزول محمد مرسي وشهداء مذبحة رفح الثانية التي ذهب ضحيتهما 42 جندياً متي يتم القصاص لهم؟.. ولماذا لم يعلن عن قاتليهم ومحاكمتهم حتي الآن؟.. من قتل الضابط الشهيد محمد أبوشقرة في مدينة العريش ومتي يتم القصاص له؟.. شهيد الشرطة المقدم محمد مبروك الذي قتل علي بعد عدة أمتار من منزله من قتله ولماذا لم يحاكم قاتلوه، إذا كان تم الإمساك به؟.. لماذا التعتيم وعدم الإعلان عن قاتلي ضباط وجنود الجيش والشرطة وتقديمهم للمحاكمة وغلق كل هذه القضايا المفتوحة حتي تكون رادعاً لكل من تسول له نفسه الاعتداء علي المنشآت العامة أو التعدي علي حماة الوطن؟ متي يتوقف نزيف الدماء؟.. وماذا يريد الإرهابيون من مصر؟.. إذا كانوا يراهنون بإثارتهم الفوضي في ربوع الوطن قد تؤتي بثمارها فلن يحدث لأن المواطنين يخرجون لمواجهتهم في كل المظاهرات والمسيرات التي يتظاهرون فيها؟.. إذا كانوا يتوقعون أنهم سيضمون إليهم عناصر جديدة فلن ينجحوا ولن يفلحوا لأن الناس كرهتهم ولم يعد ينخدعون بآرائهم المنمقة والمزينة.. الإرهاب في انحسار يوماً بعد يوم ولابد من التصدي له بكل قوة.. ولكن الحلول والمواجهات الأمنية وحدها لا تكفي في مواجهته.. لابد من منظومة متكاملة من خلال محاور سياسية واجتماعية ودينية وثقافية وإعلامية.. القضاء علي الإرهاب والتصدي له حين تنخفض أعداد العاطلين والحد من ظاهرة البطالة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في كل بيت في أي وقت.. استقرار الدولة وانتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد خطوة مهمة للقضاء علي الإرهاب ووقف نزيف دماء المصريين.. لأنه في هذا التوقيت سيفقد الإرهابيون أي أمل لهم في اقتناص مصر. كل الدم المصري حرام.. دم الشرطة والجيش والشعب.. نحتسب كل من سقط شهيداً في ذمة الله نترحم عليهم ونسأل الجنة لهم.. ولكن العدالة الناجزة ستحد كثيراً من ظاهرة الإرهاب المتفشية في المجتمع.. المواجهة لن تنتهي عند حد استخدام القوة والعنف من جهة السلطات الأمنية.. ولكن يجب أن يكون للجامعات دور في المواجهة حين يتم تطهيرها من الطلبة الذين يمارسون الإرهاب حفاظاً علي الأغلبية المحترمة من الطلبة التي تريد أن تتعلم.. تحية لأرواح الشهدء ورحمة الله علينا أجمعين.