«المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».. تلك الترنيمة الملائكية.. القيثارة النورانية.. والمعزوفة العلوية.. التي صاحبت مولدك -سيدى المسيح- عليك السلام.. قبسًا من النور يبدد غاشية الظلام.. بلسمًا يداوى الجراح والأمراض والأسقام.. مُخلصًا للبشر من معاناة الشقاء والآلام.. ونبراسًا يهتدى به أهل الفضل والعدل والمروءة والإقدام. كان مولدك -سيدي المسيح- إعلانًا وتأكيداً أن العزة والمجد لله وحده.. لا لأحد سواه.. لا لصاحب ضياع أو متاع.. أو لذى قوة أو سلطان أو جاه.. وإن من يدعي من دون الله مجداً فهو شارد استذله الشيطان وأغواه.. وعن جادة الطريق أضله وأعماه.. فلا المال أسعده ولا السلطان أغناه. وكان مولدك -سيدي المسيح- إعلاء لقيم العدل والحق والإخاء والوئام.. فإذا توارى الحق والعدل.. فلا استقرار ولا انتظام.. ودون الإخاء والوئام.. تحل البغضاء والخصام.. جئت -سيدى- بشيرا للسلام.. فكنت أعظم صانعيه وحافظيه.. ودعوت تابعيك ومريديك ليكونوا -بدورهم- صناعه وطالبيه.. ثم كرمتهم وأكرمتهم ورفعت في العالمين قدرهم.. وأخذت بنواصيهم قدماً إلي الأمام.. ثم أسبغت عليهم شرفاً دونه كل شرف.. ونسباً رفيعًا سامياً لا يرام.. وبشرتهم بأجل البشارات.. وميزتهم على سائر الأنام.. لأنهم أبناء الله يُدعون.. طوبى لهم صانعى السلام.. وهكذا كان السلام.. هو.. أنشودة ولادتك.. ثم كان هو جوهر وصميم رسالتك.. بل هو ذروة سنام عقيدتك وشريعتك. ولقد واكب مولدك -سيدي المسيح- أعظم وأبلغ وأروع إعلان لحقوق الإنسان.. ففى كلمتين اثنتين كان ميثاق شرف العيش الكريم.. والسكينة والاطمئنان.. كانتا هما أساس ومرجع وقوام سعادة البشر.. وسلامهم الاجتماعى.. مع الأمن والأمان.. إنها المسرة.. والمسرة أساسها المودة والعدل والتراحم والبر والإحسان.. فدون المودة يكون الجفاء.. ودون العدل يشيع الظلم والبغضاء.. وبغير البر والإحسان يحل الإثم والعدوان.. لذلك ألحقت المحبة بذات الله.. فقلت وقولك الحق: «الله محبة».. ودعوت أتباعك ومريديك.. وسائر محبيك إلى اعتناق المحبة.. والسمو في ممارستها إلي أبعد المدي.. حتى مع الأعداء.. فأنت -يا سيدى- ترفض لفظ ومرادفات العداء.. وتحنو حتي علي الخصوم الألداء.. وتدعو إلى أرقى وأسمى فضائل الصفاء والنقاء.. إلى الحد الذي تجاوز أحلام الحالمين.. وفاق كل خيالات الأدباء والشعراء والمفكرين.. بقولك الرائع الذي تقصر عن إدراكه معطيات الأرض.. ليعانق تجليات السماء.. ولا يتصور أن يصدر إلا منك أنت.. يا بشير المسرة.. ونبع الصفاء والرحمة والنقاء.. حين صدر أمرك الكريم لكل صاحب قلب سليم: «أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». مع ميلادك -سيدى المسيح- لكم نتمني أن تنهض البشرية من كبوتها.. وتفيق من غفوتها.. وتتلمس الطريق للخلاص من شقائها وتعاستها.. أن نستعيد من جديد مبادئك السامية.. وتعاليمك العظيمة الراقية.. أن تسلك درب الاستقامة والرشاد.. وتتمسك بطوق النجاة والسداد.. أن نؤمن حق الإيمان بأن «المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة». ليت هؤلاء.. الذين يدعون كذباً أنهم حماة الحرية وحقوق الإنسان.. ثم يرتضون ويقبلون باغتيال السلام الذي به ناديت.. يحرمون الناس المسرة التي إليها دعوت ويطفئون النور الذي أتيت به وله هديت.. يناصبون البشرية العداء ويدقون طبول الشحناء والبغضاء والفتنة العمياء.. وتتفتح شهيتهم بسفك الدماء وقتل الأبرياء وترويع الآمنين.. واستدعاء الخراب والدمار والبلاء.. بل الهلاك والفناء.. ليتهم يستحون علي وجوههم ويثوبون إلي رشدهم.. ويتوارون منك سيدى المسيح خجلاً وحياء.. ليتهم يلبون نداءك ويحققون رجاءك.. نداء المحبة ورجاء السلام. ومن مصر الكنانة.. التي أحبتك وأحببتها وباركت في العالمين شعبها.. بنسيجها القوى المتين.. الذي يستحيل اختراقه علي أي مارق خائن لعين.. ويصعب المساس به من المردة عملاء الشياطين. من مصر السلام.. عليك السلام.. يا نبع المحبة.. ورئيس السلام عضو المجمع العلمى المصرى