إذا كان عام 1902 شهد افتتاح المتحف المصري في منطقة قصر النيل.. فإنه أيضاً شهد افتتاح خزان أسوان.. وكلاهما من انشاءات عصر الخديو عباس حلمي الثاني.. الذي رأيت حفيده أمس الأمير عباس ابن الامير محمد عبدالمنعم ولي عهد والده عباس حلمي الثاني.. ورأيته وهو يلقي كلمة تاريخية بمناسبة بدء الترميم الشامل للمتحف المصري - وذلك بمناسبة مرور 111 عاماً علي افتتاحه .. وقد شهد عام 1897 وضع حجر الاساس لدار الآثار - وكان هذا اسمها وقتها - وكان ذلك يوم الخميس الأول من شهر ابريل عندما وضع الخديو عباس حلمي الثاني الحجر الأول في أساس متحف الآثار التاريخية المصرية، وحضر الاحتفال رئيس مجلس النظار «الوزراء» وكل أعضاء وزارته.. وكان الاحتفال فخماً جامعاً، وتم ذبح ست جاموسات عند تشريف الخديو ووزعت لحومها علي الفقراء.. ووقع الخديو علي محضر الاحتفال الذي قدمه له حسين فخري باشا ناظر «وزير الأشغال» الذي كتب علي ورق خاص علي جانبيه عمودان عليهما اسماء أشهر علماء التاريخ المصري القديم وعلي رأسهما شامبليون ومارييت باشا.. ومكتوب علي القاعدة أسماء الجهات التي تنقل بينها هذا المتحف وهي بولاق والجيزة وقصر النيل.. وكان هذا المتحف أول بناء ضخم يبني بالخرسانة في العالم كله.. وشهد هذا العام صدور أمر الخديو عباس بردم الخليج المصري وجعله طريقاً عمومياً بعد أن زاد ضرره علي الصحة.. وأيضاً لأن شركة الترام التزمت بردمه ومد خط الترام فيه.. كما شهد هذا العام بدء الحرب اليونانية- التركية في جزيرة كريت.. ومساعدة مصر لتركيا مالياً في هذه الحرب، وشهد نفس العام إصدار الخديو أمراً يوم 27 مارس بترقيم منازل القاهرة لأول مرة تسهيلاً لعملية التعداد، كما شهد أيضاً يوم 11 سبتمبر افتتاح أول خط للتزام بالإسكندرية وركب الخديو نفسه إحدي عربات هذا الخط!!.. من المكس إلي كرموز وبعدها عاد إلي قصر المنتزه الذي كان قد انشأه قبل ذلك بقليل.. تماماً كما شهد افتتاح هذا المتحف عام 1902 افتتاح خزان اسوان يوم 11 ديسمبر، وحضره أيضاً الخديو عباس حلمي الثاني.. وشهد أيضاً عقد المؤتمر الطبي الدولي يوم 19 ديسمبر وافتتحه الخديو وكان رئيس المؤتمر هو الدكتور ابراهيم حسن باشا، وعقدت جلسات المؤتمر في مدرسة الطب «قصر النيل» بعد الاحتفال الذي أقيم بدار الاوبرا.. ووسط كل ذلك كان الزعيم مصطفي كامل يخوض المعركة السياسية ضد الاحتلال الانجليزي ويتصل بالصحف الالمانية والفرنسية والانجليزية.. كان هذا هو الجو العام في مصر عندما تقرر انشاء متحف عالمي للآثار المصرية.. ولا ينكر أحد أن أسرة محمد علي باشا كانت تقوم بحماية هذه الآثار.. فقد أمر محمد علي نفسه في يونيه 1835 بإنشاء أول دار للآثار، وذلك في منطقة الأزبكية.. بعد أن منع خروج الآثار القديمة من مصر.. والمحافظة عليها، وكان منزل الدفتردار بالازبكية هو أول مقر لهذا المتحف.. وكلف الخديو اسماعيل رجل الآثار الفرنسي مارييت بإصلاح مخازن بولاق وتوسيعها.. وحولها إلي دار للآثار افتتحها يوم 18 اكتوبر 1863، ثم تعرض هذا المتحف للغرق - بعد فيضان شديد عام 1878، وهنا تقرر نقله إلي قصر الجيزة عام 1891 إلي أن تقرر بناء متحف كبير بجوار قصر النيل، وهو المعروف بالمتحف المصري، في ميدان التحرير. وبالفعل تم تكليف المهندس الفرنسي مارسيل دورنيو بوضع تصميمات المتحف الجديد والإشراف علي بنائه.. أما مارييت باشا فقد استمر في عمله حتي توفي عام 1881 وتم دفن جثمانه في تابوت خاص بمدخل المتحف المصري في ميدان التحرير.. وعندما تم هدم ثكنات قصر النيل، التي كان الوالي محمد سعيد باشا ابن محمد علي قد بناها لتصبح مقراً لقيادة الجيش المصري.. كان يفترض إبقاء المساحة من الأرض الممتدة من غرب المتحف إلي شاطئ النيل لتصبح منطقة حرم لهذا المتحف.. ولكن للأسف تم الاستيلاء علي هذه المساحة لكي يقام عليها مبني لمحافظة القاهرة في اواخر الخمسينات .. ولكن الاتحاد الاشتراكي استولي علي هذا المبني الشاهق المجاور لمبني الفندق الشهير وتحول إلي مقر لهذا الاتحاد ولجانه، ثم سرعان ما تم التصرف فيه، فبقي المبني الملحق به مقراً للحزب الوطني.. وأصبح المبني الشاهق مقراً للعديد من المجالس والهيئات إلي أن تم إحراقه - مع مقر الحزب الوطني- خلال ثورة 25 يناير.. تلك هي مسيرة هذه المنطقة وحكاية المتحف المصري.. والمشروع الضخم لتطويره وصيانته وحمايته، وهو الاحتفال الذي دعاني للمشاركة فيه الدكتور جلال سعيد محافظ القاهرة مع الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار وعدد كبير من الوزراء.. وغداً نكمل الحكاية التي يجب أن يعرفها كل مصري..