من المفارقات الغريبة والمحزنة أن يتزامن احتفالنا بمرور أربعين عاماً علي نصر 6 أكتوبر، الذي غير مجري تاريخ العالم كله، ووضع مصر علي رأس قائمة الدول المتفوقة عسكرياً، ووضعت الجيش المصري في المصاف الأولي بقائمة أقوي الجيوش في العالم، يتزامن هذا الاحتفال بهذه الأسطورة مع إعلان ترتيبنا في تقرير التنافسية العالمية لجودة التعليم الأساسي حيث وضعت مصر في المرتبة الأخيرة من بين 148 دولة! لا أعرف سبباً لغضبة القائمين علي المنظومة التعليمية في مرحلة التعليم الأساسي، ومحاولاتهم إلقاء اللوم علي المنتدي الاقتصادي العالمي الذي يصدر التقرير، حتي وزير التربية والتعليم خرج بتصريح يؤكد فيه ظلم التقرير لمصر بحجة ضعف ميزانية التعليم، وصرف 90% من هذه الميزانية علي الأجور، وكذلك أكد أن هذا التقرير جاء لتقييم أداء الخمس سنوات الماضية وليس العام الحالي، في نفس الوقت أصدرت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، بياناً توضح من خلاله أن تقرير التنافسية العالمية ظلم مصر، وذلك لوضعه مجموعة من المعايير لا تلائم الواقع المصرى، خاصة أن محور التقييم الذى نتج عنه هذا الترتيب، ينقسم إلى عدة عناصر رئيسية وهى: البنية الأساسية والتحتية للمؤسسات، ومعززات الكفاءة والتدريب، والسوق الحرة، والتسويق المالى، وحجم السوق، والاستعداد التكنولوجى، والإبداع، وعوامل التطور من خلال التعاون بين الصناعة ومؤسسات البحث العلمى. وأشارت هيئة ضمان جودة التعليم، إلى أنه فى ضوء ما ورد بالتقرير من بيانات ومعلومات، فإن المعايير التى صدر عنها الترتيب، اقتصرت على جوانب لا تتلاءم والواقع المصرى، إذ إنها لا تتناسب ولا تعكس الواقع والأنشطة. وأسهبت الهيئة في تبريرها قائلة إن العينة والأدوات والبيانات التى بُنى فى ضوئها التقرير، تمثلت فى استمارة استطلاع رأى تمثل بنود التقرير، ولا تمثل واقعا لما يحدث فى مجال جودة المؤسسات التعليمية فى مصر ولا تعكس مخرجات التعليم كأحد المؤشرات الرئيسية لقياس الجودة فى التعليم، كما أن العينة موضع التقرير صغيرة الحجم، ولا تمثل شرائح المجتمع المصرى كافة، كما أن التقرير لم يستند على مصادر بيانات ومعلومات ذات مصداقية عالية، معترف بها داخل الدول التى تم تقييمها, - حسب البيان - حيث اعتمد على معدلات الالتحاق بالمدارس، والدين الحكومى، الميزانية، والعجز، التى يتم الحصول عليها من وكالات دولية، مثل، البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى (IMF)، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO). وما بين محاولات الوزير الحالي إبعاد التهمة عنه والتأكيد علي عدم مسئوليته - التي يدركها الجميع دون حاجة للتوضيح منه - وبين محاولات هيئة ضمان جودة التعليم - التي لم نلمس أي دور فعلي لها علي أرض الواقع سوي تبديد الملايين من الجنيهات - إلصاق الغلط علي معايير وآليات التطبيق من القائمين علي التقرير لم يخرج أي شخص مسئول علي هذه المنظومة الفاشلة ليضع أيدينا علي السبب الحقيقي لهذا الفشل، وهذه الفضيحة العالمية. وكان الأجدر والأشرف للوزير الحالي، وللمسئولين عن التعليم الأساسي في مصر أن يعترفوا بحقيقة هذه الفضيحة التي ندركها جميعاً، ولا مجال لإخفائها، ويضعون الحكومة أمام مسئوليتها ويطالبون الجميع، مسئولين ومجتمع مدني وأهالي، بالتكاتف لمحو هذا العار، وإصلاح أخطاء السنوات الماضية التي حولت الطفل المصري من أذكي طفل في العالم إلي طفل بلا طموح، ولا قدرات، ولا مهارات عقلية. يا سادة إذا كان القائمون علي منظومة التعليم في مصر لا يدركون أن إشعال شمعة خير من لعنة الظلام، فلا أمل في تعليم ولا إصلاح، وستظل انتصارات حرب أكتوبر هي الانتصار الوحيد الذي ستحتفل به الأجيال القادمة. niveenyasen@ hotmail.com