تتعلق قلوب أكثر من 12 مليون مواطن مصري وأبصارهم بالحد الأدنى للأجور، ذلك الحلم الذي داعب مخيلة كل هؤلاء وأسرهم طوال الأعوام الثلاثة الماضية. فمنذ صدور حكم المحكمة الإدارية في عام 2010 بتحديد حد أدنى للأجور عند 1200 جنيه.. والأمل لم يفارق العمال والموظفين وأسرهم إلا أن الانتظار طال وساءت معه أحوال موظفي مصر أكثر وأكثر نتيجة اشتعال الأسعار. «الوفد» التقت عدداً من الموظفين بالدولة لرصد معاناتهم وحلمهم بضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي أصبح بالنسبة لهم الأمل الوحيد بدلاً من الفقر الذي يعانون منه. ينتظر أكثر من 5 ملايين موظف يعملون في الجهاز الإداري للدولة، وحوالي 7 ملايين آخرين يعملون في القطاع الخاص، اليوم الأخير من الشهر ليحصل على راتبه، يتوجه كل منهم فرحاً سعيداً الى بيته، حاملاً «الماهية» التي عمل من أجلها شهراً كاملاً، يحاول تدبير نفقات الشهر المقبل، الا أن جنيهاته القليلة لا تكفي الا للقليل أيضاً، هذا المشهد يتكرر في منازل كل موظفي مصر الصغار طبعاً، كمعاناة دائمة، فعلي كل منهم التزامات يجب أن يوفرها من طعام وشراب ومصاريف مدارس وعلاج وفواتير مياه وكهرباء وغاز وأفواه جائعة تنتظر الطعام اليومي بينما الراتب ثابت.. والأسعار في ارتفاع مستمر. ومنذ صدور حكم محكمة القضاء الإداري في شهر أكتوبر 2010 بإلزام الحكومة بتنفيذ حكم المحكمة الصادر في مارس من العام نفسه بتحديد الحد الأدنى للأجور ب 1200 جنيه.. والجميع يحلم بهذا اليوم الذي تقل فيه المعاناة، ثم جاءت الثورة 25 يناير 2011، وخرج رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف مؤكداً أن حكومته ملزمة بتنفيذ حكم المحكمة، وراح موظفو مصر يحلمون بهذا اليوم الذي لم يأت، ثم تعاقبت الحكومات بعد ذلك، وكل منهم يؤكد على أهمية وجود حد أدنى وحد أقصى للأجور حددته الحكومة ب 36 ضعفاً، الا أنها فشلت في تطبيق كل منهما. ثم جاءت ثورة 30 يونية والتي كان فشل حكومة الإخوان في تحقيق العدالة الاجتماعية أهم أسبابها، ومن ثم عاد الحديث من جديد عن ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور لرفع المعاناة عن موظفي مصر ومن يعولونهم. ومع تأكيد حكومة الدكتور حازم الببلاوي على اهتمامها بالبعد الاجتماعي، ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين زاد الحديث عن ضرورة اقرار الحد الأدنى للأجور، وخرجت أصوات مؤكدة ضرورة زيادته الى 1800 جنيه وفقاً لتصريحات كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة، لكن الدكتور أحمد جلال وزير المالية أكد أن الموضوع مازال في طور الدراسة من قبل وزراء المجموعة الاقتصادية للوصول الى رقم مقبول، وأن تصريحات أبو عيطة تأتي في اطار سعي كل وزير لتحقيق أقصى نجاح للملفات التي تديرها وزارته، ولكن تطبيق الحد الأدنى للأجور مرهون بمدى توافر الموارد اللازمة لتمويله. في حين أكد الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء، أن الحكومة لن ترفع الحد الأدنى للأجور لأن الميزانية لا تسمح.. ثم أعلن تطبيقه بداية يناير، مشيراً الى أن حكومته مهتمة أكثر بتطبيق الحد الأقصى للأجور، ولكن هناك صعوبات في تفعيله لوجود أموال غير معروف مصدرها. تصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية جاءت كسكب بنزين على نار مشتعلة داخل نفوس ملايين الموظفين البسطاء، الذين نظروا للحكومة الجديدة وكأنها المنقذ لهم من نار الفقر والمعاناة، خاصة أن الحكومة شكلت مجموعة وزارية للعدالة الاجتماعية لكن التصريحات الأخيرة كانت مغايرة بل ومتناقضة مع ما أعلنته الحكومة من قبل، الا أن اجتماع المجلس الأعلى للأجور برئاسة الدكتور أشرف العربي منذ أيام قليلة جاء ليعيد الحياة لأحلام هؤلاء البسطاء، الذين طالبوا الحكومة بضرورة النظر إليهم، وتطبيق حكم المحكمة، وعدم الاكتفاء بمبلغ ال 800 جنيه التي قيل أنها ستكون البداية للحد الأدنى مؤكدين أن هذا المبلغ لا يكفي شيئا، خاصة مع الارتفاع الرهيب للأسعار. سناء بسيوني، موظفة بإدارة الطرق بمحافظة القاهرة، تساءلت عن موعد تطبيق هذا القرار.. وقالت: نحن ننتظره منذ قيام الثورة، وأضافت: رواتبنا ضعيفة جداً، ولم تزد سوى الحوافز فقط 25٪ وال 10٪ التي تأتي كل عام، وكنا نحلم بأن تنصفنا الحكومة الجديدة وتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، وتنظر للموظفين بعين العطف، ولكن هذا لم يحدث. وأضافت: نريد أن نعرف قواعد تطبيقه وهل سيتم تطبيقه على التعيينات الجديدة فقط، أم علينا أيضاً؟. والتقطت شوق السيد طرف الحديث مشيرة الى ضرورة الاهتمام بأساسي المرتب، فالأساسي ضئيل جداً، والزيادات كلها تتم في الحوافز والبدلات وحينما نخرج على المعاش نفاجأ بتقاضي مبالغ ضئيلة فهل ستتركنا الحكومة نعاني في العمل وبعد الخروج للمعاش أيضاً. وتساءلت منى محمد عن العدالة الاجتماعية التي وعدت الحكومة بتطبيقها أين هى؟ فكيف تتحقق العدالة، وموظفو مصر يتقاضون مبالغ تافهة بينما يتقاضى الكبار الملايين كل شهر؟. أما حورية محمد فقد أكدت أن العدالة الاجتماعية يجب أن تبدأ بإصلاح أحوال موظفي الدولة فرواتبنا لا تكفي حتى «للعيش الحاف» ومع ذلك فنحن نعيش على أمل تحسن أحوالنا، وأن تنظر الدولة لنا، والحد الأدنى للأجور هو أبسط حقوقنا. ورغم أن هناك بعض الفئات تم رفع رواتبها خلال الفترة الماضية نتيجة للتظاهرات التي قاموا بها بسبب سوء الأحوال ومنهم أمناء الشرطة وموظفو وزارة الاعلام وغيرهم، وقامت الجهات المسئولة برفع رواتبهم جزئيا عن طريق زيادة الحوافز والبدلات التي يحصلون عليها، الا أن هذه الفئات مازالت تعاني وفقاً لما أكده «ممدوح....» أمين شرطة والذي أكد لنا أنه بعد زيادة راتبه أصبح يتقاضى 1000 جنيه فقط بعد 17 سنة خدمة في الشرطة، ولديه 3 أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وأنه يدفع 300 جنيه شهرياً إيجاراً، ناهيك عن الكهرباء والمياه ومصاريف المدارس، فكيف أعيش أنا وأسرتي بهذا المبلغ، وأضاف: أنه يعمل في عمل آخر وقت راحته حتى يستطيع توفير نفقات أسرته، وأكد أنه ينتظر قرار الحد الأدنى للأجور على أمل أن تتحسن حالته، مؤكداً أن مبلغ ال 800 جنيه التي تتحدث عنه الحكومة لن يفعل شيئاً خاصة مع ارتفاع الأسعار بهذا الشكل. وفي وزارة الاعلام التقينا بأحد حمدي، موظف، والذي أكد أن الوزارة قامت في الفترة الماضية بزيادة بدل طبيعة العمل فقط، ومع العلاوة الاجتماعية السنوية زادت رواتبنا الى حد ما، ومع ذلك فهى لا تكفي شيئا، خاصة أننا نعمل في مجال نرى فيه الرؤساء والفنيين ورجال الاعلام يحصلون على رواتب خيالية، في حين لا نحصل نحن سوى على الفتات، وبالتالي فأملنا معقود على الحد الأدنى للأجور حتى نستطيع أن نعيش عيشة كريمة نحن وأبنائنا. ثورة الموظفين وتؤكد سوسن يوسف أن ما يعاني منه الموظفون سيدفعهم للقيام بثورة إذا استمرت الأوضاع على ما هى عليه، فالمعاناة تزداد كل يوم، وأكدت أن ال 800 جنيه التي يتحدثون عنها لن تكفي شيئا لذلك يجب على الأقل أن يكون الحد الأدنى 1200 كما حكمت المحكمة، مشيرة الى أنها لن تكفي أيضاً بسبب ارتفاع الأسعار ولكن «أحسن من مفيش»، وطالبت سوسن الحكومة بضرورة تثبيت الأسعار، لأنه حتى لو زاد الحد الأدنى للأجور وزادت الأسعار فلن تتحسن أحوالنا. سوسن، موظفة درجة أولى، تعمل في مهنتها منذ ما يقرب من 25 عاماً، تتقاضى 584 جنيها فقط مرتباً شاملاً، أما الأساسي فيقدر ب 480 جنيها. المحليات ولموظفي المحليات مشكلة خاصة يتحدث عنها كرم عادل، فني بمديرية الطرق والكباري بالقاهرة، مشيراً الى أن رواتب موظفي المحليات منخفضة جداً بالمقارنة بغيرهم من العاملين بالحكومة والوزارات المختلفة، ويضيف بطبيعة عملنا نواجه مخاطر العمل في فتحات الكباري، ومع ذلك فرواتبنا هزيلة للغاية، فبعد 24 عاماً من العمل أحصل على 1000 جنيه، أدفع منها 600 جنيه ايجاراً وباقي المرتب يذهب للمواصلات فكيف أعيش أنا وزوجتي وابنتاي، وأضاف: الأسعار زادت بشكل كبير جداً، ورواتبنا ضعيفة جداً، ولا تزيد بنفس القدر.. فلماذا لا يتم تطبيق الحد الأدنى للأجور علينا حتى نستطيع أن نعيش، فنحن نخدم البلد، فلماذا لا توفر لنا البلد الحد الأدنى للحياة الكريمة؟ ويلتقط محمد مصطفى أطراف الحديث مشيراً الى أن موظفي المحليات في كل محافظات مصر يعانون من مشكلة عدم المساواة، وهم أحوج من غيرهم لتطبيق الحد الأدنى للأجور، وأضاف طوال الأعوام الثلاثة الماضية كنا نحلم بتطبيق هذا الحد علينا، حتى نستطيع الاتفاق على أبنائنا، بدلاً من السلف طوال الشهر، الا اننا فوجئنا بالحديث عن 800 جنيه، ثم أحاديث أخرى عن الميزانية وعدم وجود موارد، فلماذا لا يطبق الحد الأقصى للأجور، وبالأموال التي ستتوفر يتم تمويل الحد الأدنى للأجور فهناك مسئولون يحصلون على ملايين الجنيهات شهرياً، ونحن نحصل على مبالغ ضئيلة بحسبة بسيطة على الحكومة أن تأخذ من الأغنياء وتعطي الفقراء. كانت هذه نماذج من موظفي مصر في قطاعات مختلفة، جميعهم يعانون، رواتب ضئيلة، وأسعار خيالية، وحلم في انتظار أن يتحقق، فهل تنجح حكومة الدكتور الببلاوي في تحقيق أحلامهم؟ أم ستكون مثل كل الحكومات السابقة تدعي اهتمامها بالعدالة الاجتماعية، وتتبنى فكرة الحد الأدنى للأجور ولا تنفذها؟